- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المنتخب الإيراني يتبنى موقفًا متضاربًا من الاحتجاجات خلال كأس العالم
تتزامن خسارة إيران في مباريات كأس العالم مع الجدل الدائر والتوترات القائمة في الداخل الإيراني وحول العالم.
أنهت إيران رحلتها في بطولة كأس العالم في قطر بخسارة أمام الولايات المتحدة، لتختتم بذلك أداء محدودًا ومثيرًا للجدل. وعلى الرغم من الآمال الكبيرة المعقودة قبل المباريات على تأهل المنتخب الإيراني إلى الدور الثاني للمرة الأولى من كأس العالم مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن أداء الفريق يشكل خسارة في معركة الرأي العام المهمة. فقد واجه الفريق استياءً غير مسبوق من قاعدة مشجعيه الإيرانيين، وتعرض لضغوط شعبية شديدة لاتخاذ موقف بشأن موجة الاحتجاجات الأخيرة في إيران خلال فترة وجوده في قطر.
فمع انخراط المشاهير الإيرانيين بشكل أوسع في حركة "امرأة، حياة، حرية" التي تشهدها إيران منذ أشهر، توقع الشعب من نخبة لاعبي كرة القدم الإيرانيين أن يستخدموا المنصة الدولية لكأس العالم من أجل نقل رسائل مماثلة إلى العالم.
داخل إيران، أبدى المرشد الأعلى علي خامنئي موقفه الحاد وغير الآسف المعتاد حيال الاحتجاجات الراهنة، ولكنه يدرك جيدًا الجذور الأعمق لهذه الحركة الاحتجاجية. فقد اعترف في خطاب ألقاه مؤخرًا، وعلى الرغم من سرديته المتهكمة حول التدخل الأجنبي في "الفوضى" الحالية، بفشل النظام في الحفاظ على الحد الأدنى من النمو الاقتصادي في عهده على مدى العقد الماضي.
وفي غياب أي مؤشرات على نية الدولة بالتراجع، يتعطش المتظاهرون لرؤية ثمار جهودهم مع دخول الاحتجاجات شهرها الثالث، خصوصًا بعد تداول المزيد من الملفات المسربة في أعقاب هجوم سيبراني واسع النطاق ضد وكالة أنباء "فارس" التي يديرها "الحرس الثوري الإيراني". إذ يكشف بعض هذه الملفات التي تم نشرها هذا الأسبوع عن نظرة "الحرس الثوري" وتقييمه الحقيقي للاحتجاجات وتبعات مشاركة إيران في كأس العالم. وتشمل الوثائق نشرات سرية تمت مشاركتها مع كبار القادة، وتتضمن إحصاءات حول معدلات تأييد الاحتجاجات، والآراء العامة حول إلزامية الحجاب، وردود فعل النخبة السياسية. ومع ظهور علامات التوتر والقلق على الحكومة، قد يشعر المتظاهرون باندفاع أكبر ويتصرفون باستراتيجية أكبر الآن بعد أن عرفوا التصورات الحقيقية للدولة.
في ضوء هذه التوترات، فشل المنتخب الإيراني في استقطاب الدعم الحاشد الذي كان يتمتع به خلال مشاركاته السابقة في كأس العالم. وحتى قبل انطلاق المباراة الأولى، انتشرت صور للمنتخب في اجتماع مع الرئيس إبراهيم رئيسي، وما كان يُفترض أن يكون لفتة احترام من جانب لاعبي كرة القدم الإيرانيين، أشعل نار الأسى والغضب في صفوف الإيرانيين المتظاهرين في الشوارع.
هذا الفشل الفادح في الحملة الدعائية للفريق، التي قادتها وسائل الإعلام مثل "إيران إنترناشيونال" و"مانوتو"، لا يمكن أن يعوَّض في نظر الناس بمجرد أن الفريق رفض لاحقًا غناء النشيد الوطني في مباراته الأولى ضد إنكلترا، أو لم يبدِ أي رد فعل عاطفي بعد فوزه على منتخب ويلز. فقد احتدم التوتر داخل قاعدة مشجعي الفريق بعد انتشار مقاطع فيديو تظهر فيه مجموعة إيرانيين يعبّرون عن سعادتهم بعد خسارة إيران أمام إنجلترا. وردًا على ذلك، خرجت قوات الشرطة عمدًا في استعراض احتفالي بالأعلام الإيرانية في الشوارع بعد فوز الفريق على ويلز.
وامتد تسييس المشاركة الإيرانية في كأس العالم إلى خارج حدود إيران في عدة مناسبات. فقد تسبب مثلًا استخدام أحد اللاعبين الأمريكيين في تغريدة على تويتر لعلم إيراني خاطئ يفتقر عمدًا إلى شعار الجمهورية الإسلامية بغضب في إيران وأجج التوترات. وبلغ هذا الوضع ذروته في مؤتمر صحافي أجري قبل المباراة مع قائد المنتخب الأمريكي، تايلر آدامز، عندما سأله الصحافيون الإيرانيون عن موقفه من الصورة الخاطئة للعلم الإيراني ونطقه غير الصحيح لكلمة "إيران". ولم يسلم مدرّب المنتخب الإيراني البرتغالي، كارلوس كيروش، من التسييس بعد أن دخل في جدال عبر الإنترنت مع يورغن كلينسمان، نجم كرة قدم ألماني سابق ومسؤول حالي في "الفيفا"، عندما أدلى كلينسمان بتعليقات عنصرية حول الثقافة الإيرانية وكيروش نفسه.
مع ذلك، يبدو أن الحكومة الإيرانية استفادت إلى حدٍّ ما من علاقاتها الجيدة مع قطر خلال هذه البطولة. فبعد المباراة الأولى للمنتخب الإيراني، قامت قوات الأمن القطرية بإخراج المشجعين الإيرانيين الذين كانوا يحملون لافتات احتجاجية من الملاعب. وما يؤكد هذا الادعاء هو التسجيل المسرّب هذا الأسبوع لقائد رفيع المستوى في "الحرس الثوري الإيراني". على وجه التحديد، كشف نائب قائد أحد فروع "الحرس الثوري"، قاسم قريشي، لصحافي مدعوم من "الحرس الثوري" أن إيران طلبت من قطر التعاون لصالح الحكومة الإيرانية خلال كأس العالم.
تأتي الصعوبة التي واجهها المنتخب الإيراني في كأس العالم، سواء من حيث الأداء أو السمعة، في وقت صعب على الشعب الإيراني. فهو يكافح ضد حكومة قمعية غير مستعدة لتقديم أي تنازلات محلية أو دولية، ويواجه العواقب المدمرة للعقوبات الأمريكية، ولذلك فهو يشعر منذ فترة طويلة باليأس والغضب. بالطبع، كانت وفاة مهسا أميني النقطة الأخيرة في هذه المعاناة، والقشة التي قصمت ظهر البعير. وكان واضحًا، منذ اليوم الأول للاحتجاجات، أن شعار "امرأة، حياة، حرية" كان مجرد واجهة لقضايا ومظالم أعمق في إيران. وليس من المستغرب أن تمتد هذه القضايا إلى كأس العالم، لكن موقف الفريق المتناقض يسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين الهوية الوطنية والرياضة، وعلى حدة المشاكل داخل إيران.