- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المنطق الكامن وراء التعيينات القيادية الأخيرة في الإمارات
من ِشأن القرارات الأخيرة التي اتخذها الشيخ محمد بن زايد والتي تهدف إلى إنعاش صورة القيادة الإماراتية، أن تفتح المجال امام الأجيال القادمة من الحكام.
في 29 آذار/مارس، أعلن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن سلسلة تعيينات جديدة، منح بموجبها مناصب قيادية عليا لأفراد أسرته، بما في ذلك تعيين نائب ثانٍ لرئيس الدولة. وشكّل تعيين الشيخ خالد، نجله الأكبر، وليًا للعهد الحدث الأبرز إذ كان هذا القرار منتظرًا منذ فترة طويلة، أي منذ نحو عام على استلام الشيخ محمد رئاسة الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنصب، الذي يعكس الاتجاه السائد في دول الخليج بنقل الخلافة إلى الجيل التالي (باستثناء الكويت حتى الآن)، يزيل أيضًا الشكوك المرتبطة بهوية القائد التالي.
ومنذ الاستقلال، شكل موقع الرئاسة الدعامة الأساسية لإمارة أبوظبي، لكن بقي السؤال الشائك مطروحًا حول ما إذا كان نقل القيادة سيكون للأشقاء أم للأبناء. ومن المسائل الأخرى الجديرة بالاهتمام هو التوافق المستمر ضمن "المجلس الأعلى للاتحاد"، الذي يضمّ حكام الإمارات السبع، بشأن توريث أبوظبي عباءة القيادة، وهو ما يفسّره المحاورون الإماراتيون بالإجماع على أنه الشرعية المستمدة من الموافقة والقبول السائدين. وتُعتبر الزيارة التي قام بها الشيخ محمد إلى الإمارات كافة بصفته الرئيس الجديد للبلاد في حزيران/يونيو الفائت أحد المؤشرات على احترام التقاليد.
مؤهلات ولي العهد الجديد
تلقى الشيخ خالد بن محمد تعليمه في الجامعة الأمريكية في الشارقة قبل أن يحصل على شهادة الدكتوراه من قسم دراسات الحرب في كلية الملك في لندن، وأشرف لاحقًا على مسائل الأمن القومي وشغل منصب نائب مستشار الأمن الوطني في كانون الثاني/يناير 2017. وإلى جانب العمل في مجال السياسة، لا يزال الشيخ خالد يصب تركيزه على دعم ريادة الأعمال وتعزيز القطاعات الصناعية. ففي عام 2019، أطلق صندوق الاستثمار Hub71، وهو منصة لدعم شركات التكنولوجيا الناشئة، قبل الإعلان في عام 2021 عن مشروع طاقة خضراء مشترك جمع بين "شركة بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك) و"شركة أبوظبي الوطنية للطاقة" (طاقة).
وعلى الرغم من أن نفوذه مستمد جزئيا من إمارة أبوظبي، مسقط رأسه، فقد كان من الواضح منذ فترة طويلة أن مسار مسؤولياته سيشمل الدولة الاتحادية بكاملها. وفي حزيران/يونيو 2022، أطلق استراتيجية أبوظبي الصناعية، التي تهدف بشكل أساسي إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال استخدام تقنيات جديدة واستحداث 13 ألف فرصة عمل للمواهب الإماراتية الماهرة بحلول عام 2031. ولا تدعم الاستراتيجية "مشروع 330 مليار" فحسب، وهو خارطة الطريق لتحفيز القطاع الصناعي في دولة الإمارات، بل تساهم أيضًا في "برنامج بناء المسارات الوظيفية" الذي أطلقه الشيخ زايد في كانون الأول/ديسمبر 2021 والرامي إلى صقل مهارات الشباب الإماراتي. وفي سلسلة تغريدات على موقع تويتر، تناول الباحث الزميل في "أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية"، خليفة السويدي، أهمية دور ولي العهد المعيّن حديثًا لجهة الإشراف على "تحويل النظام البيروقراطي في أبوظبي إلى نظام تكنوقراطي".
هل يحدّ تعيين نائب رئيس ثان من دور دبي في الدولة الاتحادية؟
في وقت اعتبر فيه الكثير من المحللين أن التعيينات الأخيرة ترسّخ سلطة أبوظبي في الدولة، رفض المعلقون المحليون هذا التقييم. وفي حديث إلى "سي أن بي سي"، أكّد الدكتور في العلوم السياسية في جامعة الإمارات عبد الخالق عبدالله أن هذا التحليل هو مجرد "كلام فارغ"، فتوزيع الأعمال والمهام كان واضحًا منذ اليوم الأول". وصحيح أن أصول الدولة تقع في إمارة أبوظبي، إلا أن الحكومة هي من صلاحيات دبي. كما تملك أبوظبي بالجزء الأكبر من احتياطات النفط في الدولة بحكم التقسيم الاتحادي وتضم النسبة المئوية الأكبر من اليابسة بفارق شاسع عن باقي الإمارات. غير أن اتجاهين رئيسيين يسودان على صعيد الحكم: الأول هو أن رئيس الدولة لا يزال بحاجة إلى موافقة حكام الإمارات الأخرى الأعضاء في "المجلس الأعلى". أما الاتجاه الثاني، فهو أن دبي لا تزال عاصمة الدولة الاقتصادية من دون منازع، كما أن الدستور يمنحها صوتًا حاسمًا عند اتخاذ القرارات المهمة. فوفق المادة 49 منه، "تصدر قرارات المجلس الأعلى في المسائل الموضوعية بأغلبية خمسة من أعضائه على أن تشمل هذه الأغلبية صوتي دبي وأبوظبي".
وعلى ضوء ما سبق، تطلب أيضًا تعيين الشيخ منصور، شقيق الرئيس، نائبًا ثانيًا له مصادقة دستورية بموافقة من أعضاء "المجلس الأعلى". فمنصور، الذي تولى في السابق مناصب في الحكومة وشغل منصب نائب رئيس الوزراء وأشرف على الشؤون الرئاسية، هو أيضًا رئيس "مبادلة"، ثاني أكبر صندوق ثروة سيادية في أبوظبي. وتساهم خبرته بشكل أساسي في جذب الاستثمارات في وقت تستهدف فيه الإمارات مضاعفة إجمالي ناتجها المحلي بحلول عام 2031.
مع ذلك، لا تحدّ ترقية الشيخ منصور بأي شكل من الأشكال من دور دبي أو من سلطة نائب الرئيس المعيّن أساسًا الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الوزراء وحاكم دبي. وفي حديث خاص مع الرئيس المالي التنفيذي السابق، ناصر الشيخ، قال هذا الأخير إن الشؤون كافة سواء على صعيد الدولة ككل أو على صعيد كل إمارة تستوجب انتباه الشيخ محمد. وتجدر الملاحظة أنه من المتوقع أن يخفف الشيخ منصور المتزوج من ابنة حاكم دبي عن حميه عبء المهام الاتحادية الصعبة الملقاة على عاتقه. وفي وقت تسعى فيه دبي إلى مضاعفة حجم اقتصادها ليصل إلى 8.7 تريليونات دولار بحلول عام 2033، سيكون الحاكم مشغولًا جدًا، لكن نجليه سيساعدانه بصفتهما نائبي الحاكم. وسينضم أحمد بن محمد، الذي يتولى أيضًا رئاسة "مجلس دبي للإعلام"، إلى شقيقه ليشغل منصب النائب الثاني للحاكم.
بعد رؤية حكام الفجيرة ورأس الخيمة يتألقان في دائرة الضوء في قمة في "القمة الخليجية-الصينية" عام 2022 و"القمة العالمية للحكومات" عام 2023 على التوالي، من المتوقع أن يقوم الشيخ منصور بتمثيل بلاده من الآن فصاعدًا في المظاهر العامة.، حيث كانت مهمته الدولية الأولى كنائب للرئيس هي السفر إلى لندن لحضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث - وهو مؤشر قوي على مهامه القادمة.
شقيقا الشيخ محمد بن زايد
عُيّن شقيقا الرئيس، الشيخ طحنون بن زايد والشيخ هزاع بن زايد، نائبين لحاكم أبو ظبي. يُذكر أنه تمّ مؤخرًا تعيين الشيخ طحنون أيضًا رئيسًا لـ"جهاز أبوظبي للاستثمار" في آذار/مارس، في قرار وصفته صحيفة "فاينانشال تايمز" بأنه يرسخ دور الإمارة كـ"أحد المواقع العالمية التي تشهد فائضًا في رأس المال". وناهيك عن هذه الرمزية، يُعتبر منح الشيخ طحنون وهزاع هذا اللقب إقرارًا بجهودهما على صعيد الأمن القومي. فالشقيقان، إلى جانب ولي العهد المعيّن حديثًا، كانوا أعضاء في "المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي" وسيحافظون على مناصبهم فيه ويكتسبون خبرة واسعة.
إحياء النظام الملكي
في وقت تمحور فيه الإعلان المرتقب حول ولي عهد أبوظبي، تبث التعيينات الجديدة في المناصب القيادية في الإمارات طاقة جديدة. ففي حين أصبح أهم قائدين في الدولة، أي الرئيس ورئيس الوزراء، في العقد السابع والثامن من العمر على التوالي، من الضروري إيلاء عناية خاصة بالعملية الانتقالية التي تشهدها القيادة من دون الإغفال عن مشاركة الشخصيات الأصغر سنا وبالتالي بعض الديناميكية إلى دوائر الحكم. ولفت أحد أبرز الأكاديميين الإماراتيين، الذي رفض الكشف عن هويته، في معرض حديثه مع الكاتب إلى أن هذه التطورات تشكل مفهومًا ملكيًا مرنًا يسمح بتفويض الصلاحيات، بخلاف ما يصفه الخبراء على أنه شكل متقادم للحكومة. ومن المهم أن تعكس هذه التغييرات في المناصب القيادية تغييرًا من الأعلى يأخذ في الحسبان التوازن الدقيق ضمن الإطار الاتحادي.