
- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المقاربات الكردية لسياسات ترامب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:الأمل في استمرار الانخراط الأمريكي

استناداً إلى تجاربهم السابقة مع إدارة ترامب الأولى، يعتقد العديد من السياسيين الأكراد في كل من سوريا والعراق أنهم على شفا قرارات تاريخية ستشكل مستقبلهم السياسي.
ومع ذلك، هناك أيضاً قناعة مشتركة بأن التوجهات الأمريكية في عهد ترامب قد تتغير بشكل كبير في أي لحظة، مدفوعة بشخصية ترامب وردود أفعاله على التطورات الآنية في هذه الدول، وتشكيلة فريقه الحكومي، والتي ستؤثر على وجهات نظره. وثمة توقعات بأن تتسم سياسات واشنطن في عهد ترامب بالحسم والوضوح الصارم، على النقيض من الدبلوماسية المصقولة والتعاملات خلف الكواليس التي اتبعها القادة الأمريكيون السابقون.
وفي الوقت نفسه، أعادت التطورات في سوريا وتركيا على وجه الخصوص تشكيل الميدان الذي يعمل فيه السياسيون الأكراد بشكل سريع، فمع بدء إدارة ترامب الآن في بصوغ سياسة أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، بدأت الفصائل الكردية عبر الحدود في إعادة تقييم الحسابات الإقليمية استناداً إلى مواقف واشنطن تجاه التطورات في سوريا وتركيا والعراق وإيران، إلى جانب المقاربات الأوسع للإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط – سواء من حيث اهتمام ترامب المعلن بتقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط – في وتحديداً الانسحاب من سوريا على وجه التحديد – أو من حيث عودة الضغط الأقصى على إيران. ومن الملاحظ أن مقاربة إدارة ترامب الأوسع نطاقاً تبعث على التفاؤل لمعظم الأحزاب الكردية في العراق. لكن في السياق السوري، أدت المخاوف المتصاعدة بشأن انسحاب القوات الأمريكية في ظل المفاوضات الجارية حول مستقبل سوريا إلى تعقيد المواقف تجاه الإدارة الأمريكية.
يشعر القادة الأكراد السوريون بأنهم عالقون في وضع معقد مع عودة ترامب إلى منصبه. فبينما يرحب قادة "قوات سوريا الديمقراطية"، والإدارة الذاتية، و"مجلس سوريا الديمقراطية" علناً بفوز ترامب، لا يزال بعضهم متوجساً من العلاقة الشخصية القوية بين ترامب والرئيس التركي أردوغان، وما قد يترتب عليها من تأثيرات على المشهد السياسي السوري المتغير. عقب إعلان نتائج الانتخابات مباشرة، بدأ أردوغان ووزير خارجيته، هاكان فيدان، بالدعوة إلى شنّ عمليات عسكرية جديدة ضد مناطق الإدارة الذاتية، وهي تصريحات سرعان ما توارى صداها خلف الإطاحة غير المتوقعة بنظام الأسد، الأمر الذي أدى إلى تغيير جذري في معطيات السياسة السورية. ومع ذلك، لا تزال هذه التهديدات تشكّل مصدر قلق لـ"قوات سوريا الديمقراطية".
في عهد بايدن، شهد الأكراد في سوريا استقراراً نسبياً، حيث منعت إدارته أي غزوات برية تركية جديدة، حتى وإن لم تعارض بشكل واضح عملياً إزاء الغارات الجوية التركية التي استهدفت البنية التحتية المدنية ومواقع "قوات سوريا الديمقراطية". ورغم ترحيب الأحزاب الكردية، مثل "المجلس الوطني الكردي" و"مجلس سوريا الديمقراطية" و"قوات سوريا الديمقراطية"، بعودة ترامب، فإنها أقرت أيضاً بصعوبة التنبؤ بسياساته المستقبلية تجاه سوريا والشراكة بين الولايات المتحدة و"قوات سوريا الديمقراطية"، كما أشارت إلهام أحمد، القيادية في "مجلس سوريا الديمقراطية"، في مقابلة مع "المونيتور".
أما الآن، فقد ركزت رسائل "مجلس سوريا الديمقراطية" على التساؤلات المطروحة بشأن استمرار الوجود الأمريكي في سوريا، خاصة في ظل تصريحات إدارة ترامب العلنية بشأن احتمال سحب القوات. وقد أكدت ممثلة "مجلس سوريا الديمقراطية" في واشنطن، سينام محمد، في رسائلها، أن ترامب لم يتخذ قراراً بعد بشأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، مشيرة إلى أنهم أرسلوا إلى الحكومة الأمريكية " العديد من الرسائل" التي تؤكد أهمية استمرار الوجود الأمريكي هناك. وبدوره، شدد مظلوم عبدي على هذا الجانب من السياسة الأمريكية، قائلاً: "إن العامل الرئيسي لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة هو الوجود الأمريكي على الأرض".
ومع ذلك، لم تعلق إدارة ترامب منذ توليها الإدارة كثيرا على مصير قواتها في سوريا، ولكن التسريبات الإعلامية تتحدث عن احتمال انسحاب سريع من سوريا رغم أن الموقف الإسرائيلي يرفض هذا الانسحاب في حين أن تشجع عليه. هذا الغموض في الموقف وعدم اطلاع قسد عليه يزيد من حساسية الموقف الكُردي.
يبقى الاعتقاد السائد بين الأكراد السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، أن ترامب قد يمضي قدماً في قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، مما يجعلهم عرضة لضغوط وتدخلات القوى الإقليمية الأخرى، لا سيما العناصر السورية المدعومة من تركيا، فضلاً عن احتمال عودة النفوذ الإيراني إذا ما تدهور الوضع الأمني في سوريا، مما قد يسمح لهذه العناصر بالتقدم مجدداً في شمال شرق البلاد. وبالتالي، فإن الهدف الأساسي يتمثل في ضمان أن تبقى الشراكة بين "قوات سوريا الديمقراطية " وواشنطن ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة قبل أي انسحاب محتمل. وفى هذ السياق، يرى الكثير من الأكراد أن الاتفاق الأخير بين قسد وهيئة تحرير الشام والذي جاء نتيجة الضغط الأمريكي المباشر بعد زيارة الجنرال كوريلا لشرق سوريا والذي جاءت بنوده مبهمة وذات خطوط عريضة إشكالية هي جزء من التحضيرات الأمريكية لترك المنطقة.
تسعى "قسد" إلى تحقيق استقرار طويل الأمد لها وللإدارة الذاتية التابعة لها من خلال الدفع نحو دستور جديد يضمن بناء سوريا ديمقراطية وغير مركزية، تكفل حقوق الأكراد وسائر مكونات الشعب السوري. ويأتي ذلك في ظل تلاشي الثقة بين القامشلي ودمشق، خاصة بعد الإعلان الدستوري الأخير الذي صدر عن دمشق، والذي عكس توجهات تتعارض مع مصالح الأقاليم والأقليات بشكل عام.
وترى "قسد" أن واشنطن هي الجهة الوحيدة القادرة على ممارسة الضغوط اللازمة لدفع هذا المسار قدماً، وكذلك للحد من العداء التركي تجاه أكراد سوريا. ومع ذلك، فإن أي تهميش جديد من قبل واشنطن لـ"قسد" قد يمنح إيران فرصة للتواصل مع بعض الأجنحة التي تشعر بقلق متزايد إزاء التهديدات التركية المستمرة، لا سيما مع تصاعد أعمال العنف ضد الأقلية العلوية في الساحل السوري. وبالتالي، فإن ضعف الدور الأمريكي قد يشجع الجهات القريبة من إيران على تعزيز نفوذها، رغم التوجه العام لـ"قسد" وميولها الواضحة نحو واشنطن.
وفي المقابل، في العراق، يتوقع إقليم كردستان - بحزبيه الرئيسيين، الحزب "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" - حدوث تحول إيجابي كبير في موقف واشنطن تجاهه. تعتقد أربيل، التي تربطها علاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، وأن عودة ترامب إلى الرئاسة ستوفر دعما أكبر لها ضد تدخلات طهران، كما ستضغط على بغداد لحل الخلافات العالقة مع الإقليم. ومن الجدير بالذكر أن النزاع طويل الأمد بين بغداد وإقليم كردستان العراق، وخصوصًا حول قطاع النفط - المصدر الأساسي لإيرادات حكومة الإقليم - قد شهد انفراجه منذ تولي ترامب الرئاسة سابقًا، حيث وافق المجلس التشريعي العراقي على تعديل الميزانية لمعالجة بعض القضايا المتصلة بهذا النزاع.
يعتمد إقليم كردستان على تحالفاته التقليدية وعلاقاته مع شخصيات بارزة في إدارة ترامب لتأمين مصالحه في العراق قبل الانسحاب الأمريكي المتوقع في خريف 2026. أما بشأن إدارة بايدن، فقد رأى الأكراد العراقيون أنها تعاملت بفتور مع قضاياهم، كما اتسمت بموقف أكثر تساهلًا مع إيران وحلفائها في بغداد. وفي هذا السياق، شعرت أربيل بصدمة إزاء الموقف البارد لواشنطن خلال عهد بايدن تجاه السياسات العدائية التي انتهجتها بغداد ضدها. فقد تابع إقليم كردستان بذهول كيف أقدمت بغداد على وقف تصدير نفطه إلى الخارج، في خطوة تهدف إلى تقويض أي محاولات لبناء اقتصاد مستقل للإقليم، وذلك دون أي تدخل فعلي من واشنطن لصالحه، رغم التحالف التاريخي الذي يجمعهما في العراق.
في ظل إدارة بايدن، ساد الانطباع بأن الولايات المتحدة تبنّت موقفًا أكثر تساهلًا تجاه إيران وحلفائها في بغداد، وهو ما انعكس على تعاملها مع جهود الحكومة العراقية لمنع إقليم كردستان العراق من تصدير النفط إلى الخارج، مما أدى إلى تعطيل الاقتصاد المستقل للإقليم. بالإضافة إلى ذلك، أسهم تخفيف بعض العقوبات المفروضة على إيران في تعزيز نفوذها داخل العراق. وقد أكد رئيس حكومة إقليم كردستان السابق، مسعود بارزاني، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، رغبته في تجاوز سياسات الإدارة السابقة، مشددًا: "لا يمكن أن يستمر التأرجح بين الحل والمأزق الذي اتسمت به الإدارة الأمريكية السابقة".
وعلى عكس "قوات سوريا الديمقراطية"، يعتمد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" – حزب البارزاني – أيضًا على علاقاته مع كل من تركيا وواشنطن لتعزيز دور الولايات المتحدة في دفع مفاوضات السلام بين حزب العمال الكردستاني وحكومة أردوغان، التي تسعى إلى ترسيخ قبضتها على السلطة رغم القيود الدستورية الحالية. ولتحقيق ذلك، يحتاج "حزب العدالة والتنمية"، الذي يتزعمه أردوغان، إلى دعم الأحزاب الكردية المعتدلة لتمرير تعديلات دستورية أو الدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة. وفي هذا السياق، تبرز التطورات الأخيرة على هذه الجبهة، لا سيما بعد ورود تقارير عن استعداد "حزب العمال الكردستاني" لمناقشة مبادرات السلام استجابةً لدعوات زعيمه عبد الله أوجلان. فمن المرجح أن تسهم هذه الجهود في تقليل المخاطر الأمنية في محافظتي دهوك وأربيل شمال الإقليم، حيث ينشط مقاتلو "حزب العمال الكردستاني". إضافة إلى ذلك، يأمل الإقليم في أن تسهم موارده الطبيعية الوفيرة في جذب الاستثمارات الأمريكية، مما قد يعزز اقتصاده المحلي ويحسّن من استدامته المالية.
لكن التوقع بأن ترامب سيتعامل بقسوة مع إيران أدى إلى تقليص الضغوط الإيرانية على السياسة العراقية، بما في ذلك في إقليم كردستان العراق. وبالمثل، أعربت الجماعات الكردية الإيرانية – بما فيها تلك المتمركزة في شمال العراق – عن تفاؤلها بإمكانية إعادة تشكيل التوازن الإقليمي مع عودة ترامب، نظراً لعدائه الطويل الأمد تجاه طهران. فقد رحب "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الإيراني و"حزب آزادي" بفوز ترامب، في حين اعتبره "حزب كوملة"، وهو حزب يساري ذو توجهات معارضة قوية للنظام الإيراني، فرصة لإضعاف إيران.
وعلى الرغم من أن الأحزاب السياسية الكردية تختلف في كثير من الأحيان بشأن تبني نهج منسق، ليس فقط على المستوى العام، ولكن أيضًا داخل بلدانها، فإن وجهات النظر حيال سياسات ترامب تتفاوت أيضًا بسبب الاختلافات المحلية. ومع ذلك، فإن المصلحة المشتركة في دور الإدارة الأمريكية في مواجهة إيران والتأثير على الفاعلين الإقليميين ترتكز على الأمل المشترك في استمرار التدخل الأمريكي في المنطقة، سواء كرادع أمام النفوذ الإيراني أو كوسيط في المفاوضات الكردية مع الدول الأخرى.