- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المرأة والسياسة في الجزائر خطوة للأمام واثنتان إلى الخلف
يُهدد قانون الانتخابات الجديد في الجزائر بعرقلة التقدم في مجال المشاركة السياسة للمرأة وقيادتها في البلاد.
بعد سلسلة من المكاسب السياسية التي حققتها المرأة الجزائرية على مستوى تواجدها في مؤسسات الدولة الرسمية، وبشكل خاص على مستوى البرلمان، المؤسسة التشريعية الأولى في البلاد، شهدت هذه المكاسب انتكاسة غير مسبوقة في تاريخ المشهد السياسي الجزائري خاصة بعد أن تراجعت حصة النساء في سابع برلمان تعددي في تاريخ البلاد إلى 34 مقعداً، وهو ما يمثل 8 في المئة من إجمالي المقاعد البالغ عددها 407 مقعداً، بعد أن كانت 145 مقعداً في برلمان 2012، و120 مقعداً في برلمان 2017.
وفي الواقع، فإن النتائج المُعلن عنها كانت متوقعة لعدة اعتبارات، فعلى الرغم من أن قانون الانتخابات الجديد المعدّل- الذى الغى نظام الكوتة- يُلزم بمبدأ المناصفة في القوائم الحزبية، بمعنى وجوب أن يكون نصف المرشحين في القوائم من النساء، فمن مجموع 5744 مترشحة في مختلف القوائم سواء الحزبية أو القوائم المستقلة، لم تنجح سوى 34 إمرأة في دخول البرلمان ، فما هو قانون الكوتة؟، ولماذا تخلت عنه الجزائر؟، وكيف ساهم قانون الانتخابات الجديد في تراجع تواجد المرأة في البرلمان؟، وكيف أثرت التوقعات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة في الجزائر على الرموز السياسية النسائية السابقة؟
نظام الكوتا الجنساني: مشاركة سياسية سطحية
بعد أحداث الربيع العربي عام 2011، أعلنت الدولة قانون جديد للانتخابات، من أبرز بنوده إقرار قانون الكوتة أو المحاصصة الانتخابية، أو ما يعرف بالتمييز الإيجابي، بتخصيص ثلثي المقاعد في البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة للعنصر النسوي، ما رفع تمثيلها في هذه المجالس من 7 % إلى 31 % وهي القاعدة الانتخابية التي قفزت بمرتبة الجزائر إلى الأولى عربياً والـ 26 عالمياً عام2017 في مجال التمثيل السياسي للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية.
مع ذلك، أثار القانون انتقادات واسعة واعتبره البعض تدليساً لواقع المرأة سياسياً في بلد تغيب عنه أصلاً المرأة في مراكز القرار السياسي، خاصة على مستوى الأحزاب. وبحلول انتخابات أول برلمان في 2012 تعمقت مخاوف الجزائريين من تأثيرات القانون، الذي سمح بوصول نواب من العنصر النسوي دون أية ممارسة سياسية سابقة، أو نضال جمعوي أو مدني يذكر، بل هناك العديد من النساء بمستوى دراسي محدود كن يشغلن مهنا وحرفاً مثل الحلاقة وغيرها، حتى أطلق على البرلمان اسم برلمان «الحفافات». تكررت ذات التجربة في برلمان 2017 والذي تم حلّه بعد ثلاث سنوات، وقبل استكمال عدته المقررة بـ خمس سنوات. لذلك، يبدوا أن ساهم بشكل شكلي في تعزيز مكانة المرأة، حيث أن تواجد عدد كبير من النساء في البرلمان لم يترجم الى نشاط حزبي وسياسي على ارض الواقع.
وفي النهاية أثّر الأداء الهزيل للنساء النواب في نظرة الجزائريين تجاه المرأة في السياسة، وهي النظرة التي كانت تحكمها أصلاً معطيات غير مرتبطة تماماً بالسياسة، وبأهمية دورها في المجتمع سواء في المشهد السياسي أو الاقتصادي، وغير ذلك. بل كانت تخضع لنظرة مرتبطة بالمعتقدات الدينية، وبالقواعد الاجتماعية الصارمة التي ترفض أصلاً انشغال المرأة بالعملية السياسية، بل تعتبر في بعض المناطق عيباً ويسيء لصورتها وعائلتها أحياناً، ولشرفها أحياناً أخرى.
إلغاء نظام الكوتة وقانون جديد يعمق ضعف المشاركة
دفعت الأثار السلبية لقانون الكوتة وكان ذلك في 11 يونيو/ حزيران الماضي، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على التأكيد أن عهد الكوتة في الانتخابات انتهى، ووصفه بعهد «الجاهلية»، وأضاف أن «عهد الكوتة قد ولى، في ظل احترام القوانين المنظمة للعملية الانتخابية". وبناء عليه، أقرّ القانون الجديد للانتخابات الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 21 مارس/ آذار 2021 قانون المناصفة عوضاً عن قانون الكوتة، والذي يلزم بترشح نصف النساء في القوائم المتنافسة. ومع ذلك، وهو القانون الذي أثار أيضا انتقادات واسعة، لأنه لا يعزز في الواقع مكانة المرأة في المشهد السياسي، بل يقضي عليها تحت غطاء تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، في غياب قواعد المنافسة النزيهة، لعدة اعتبارات سياسية قانونية واجتماعية.
وفى هذا الإطار، تجيز المادة رقم 317 من القانون الانتخابي الجديد على تعطيل مؤقّت للمادة 202 من القانون الانتخابي، والتي تنصّ على المناصفة في الترشيحات كشرط لقبول القوائم وعدم تطبيقها فقط في الانتخابات المقبلة، بحيث يمكن للأحزاب والقوائم الحرّة أو المستقلة التي لا تستطيع أن تحقّق المناصفة في القوائم هذه المرّة أن تبلِّغ سلطة الانتخابات بذلك، وتقدم قوائم دون احترام شرط المناصفة وهذا يعني تقليص إضافي لحظوظ المرأة. وفعلاً فتح هذا الاستثناء الباب أمام الأحزاب السياسية للاستغناء عن العنصر النسوي، وبشكل خاص في المدن الداخلية التي تشهد عزوفاً كبيراً وتغييباً متعمداً وممنهجاً للنساء في ممارسة السياسة بسبب العقبات الاجتماعية التي تمنع المرأة من الاشتغال بالسياسة.
وما زاد الطين بلة هو أن قانون الانتخابات الجديد اعتمد نظام القوائم المفتوحة والانتخاب المباشر، حيث يمكن للمنتخب أن يختار من القوائم المتنافسة المرشح الذي يريده، ونظرا لطبيعة المجتمع الذكوري وعزوف النساء عن الانتخاب، أغلب المصوتين يختارون الرجال بدلاً عن النساء، ما أثر بشكل كبير على حظوظ المرشحات، لأنه حتى في حال كفاءتهن يصبحن ضحايا للتوجه الذكوري للمجتمع الجزائري.
القوانين وحدها لا تكفي
في الواقع فإن موضوع تعزيز مكانة المرأة في المشهد السياسي الجزائري لا يمرّ عبر إقرار قوانين لفرضهاً فرضاً على الجزائريين، بل الأمر يحتاج إلى مسار سياسي طويل، وعمل مجتمعي دائم، ينهي الصورة النمطية السلبية للمرأة، الأمر يتحقق حتماً من خلال تعزيز النشاط الدائم والمستمر والمتواتر للنساء عبر مختلف الهياكل الحزبية، سواء في المناطق الداخلية، ومنحها الفرصة للوصول إلى مناصب قيادية. هناك ضرورة أيضا لتعزيز تواجد المرأة في المنظمات النقابية، ومنظمات المجتمع المدني، والتي من خلالها يتم إعطاء الفرصة للنساء للتقرب من المجتمع، وإبراز قدرات المتميزات منهن، وفي هذا الإطار تلعب وسائل الإعلام دوراً مهما في إبراز النماذج النسوية الناجحة في جميع المجالات، وخاصة تلك التي تعتبر حكراً على الرجال، وهي المجالات السياسية والاقتصادية.
يتطلب أيضا تعزيز دور المرأة في المجتمع إصلاح المناهج التعليمية التي دأبت على مدار العقود الماضية على تقديم المرأة على أنها خلقت لتكون ربة منزل فقط ولا دور لها في بناء المجتمع، وتلك مسؤولية كبيرة، ودونها لا يمكن تحقيق أي تقدم يذكر للمرأة، فمن خلال المناهج الدراسية وتنظيم حملات إعلامية ممنهجة، ومدروسة، مع دعم تواجد النساء في المراكز القيادية في مؤسسات اقتصادية ومنظمات المجتمع المدني، سيفتح الطريق واسعاً أمام الحضور القوي والفاعل للمرأة في المشهد السياسي، دون ذلك يبقى حضورها صوري وشكل لتجميل الأعراس الانتخابية فقط.