- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4016
المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة: تقييم السيناريوهات السياسية والأمنية
بعد اكتمال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ما هو الخيار الأمثل الذي يراه الفلسطينيون والإسرائيليون والجهات الفاعلة الخارجية لمستقبل غزة وسكانها؟
في العاشر من آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي بمشاركة نخبة من الخبراء، منهم نعومي نيومان ، وهاريل شوريف، تمار هيرمان، وغيث العمري، وديفيد شينكر. تشغل نيومان منصب زميل زائر في المعهد، وهو الرئيس السابق لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلي". أما تشوريف، فهو باحث أول في مركز موشيه دايان بجامعة تل أبيب. بينما تعمل هيرمان كمديرة أكاديمية لمركز عائلة فيتربي لأبحاث الرأي العام والسياسات في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. من جانبه، يشغل العمري منصب زميل أقدم في مؤسسة "جيلبرت" بمعهد واشنطن، كما كان مستشارًا سابقًا لدى السلطة الفلسطينية. في حين أن شينكر هو زميل أقدم في زمالة "تاوب" بالمعهد، وقد شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال فترة الإدارة الأولى للرئيس ترامب.
نعومي نيومان
بدأت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة في كانون الثاني/يناير وكان من المقرر أن تنتهي بعد اثنين وأربعين يومًا. وخلال هذه الفترة، توقف القتال الرئيسي بين "حماس" وإسرائيل، تزامنًا مع انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق قطاع غزة، ودخول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى تنفيذ عدة عمليات تبادل للرهائن والأسرى.
تقف إسرائيل الآن أمام مفترق طرق مع عدة خيارات، حيث إن استئناف الحرب بشكل كامل قد يضعف "حماس" أكثر، لكنه في المقابل قد يعرض حياة الرهائن المتبقين للخطر . ويستعد الجيش الإسرائيلي لهذا الخيار تحت قيادة رئيس الأركان المعين حديثًا، إيال زامير. وتشمل الخيارات الأخرى تطبيق رؤية الرئيس ترامب بشأن إنشاء "ريفييرا غزة"، رغم التشكيك في جدواها، أو الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي قد تؤدي إلى إطلاق سراح المزيد من الرهائن مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين. وتطرح كل هذه الخيارات تساؤلات حول مدى المرونة التي تتمتع بها حركة "حماس"، والتصورات العامة لدى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، فضلاً عن دور الجهات الفاعلة الخارجية، مثل واشنطن والدول العربية.
هاريل شوريف
لم يكن التحدي المتمثل في هزيمة "حماس" ناجمًا عن أي تكتيك محدد استخدمته الحركة، إذ تعاملت إسرائيل بشكل جيد مع أساليب حرب العصابات والحرب متعددة الأبعاد التي اتبعتها. ومع ذلك، نظرًا لأن الجيش الإسرائيلي لم يهاجم جميع أنحاء غزة، لم تكن هناك إمكانية لإلحاق الهزيمة الكاملة بـ"حماس". فقد شنت القوات الإسرائيلية عمليات قتالية في حوالي 70% من القطاع، لكن هناك منطقتين رئيسيتين ظلتا خارج نطاق الهجوم بشكل عام: مدينة غزة، التي تعد مركزًا رئيسيًا للقيادة والسيطرة التابعة لـ"حماس"، ومخيمات اللاجئين في دير البلح والنصيرات. ولم يتم استهداف هذه المناطق خشية إلحاق الضرر بالرهائن. ورغم ذلك، فإن القضاء التام على "حماس" يظل غير ممكن في ظل استمرار تحصين نحو ثلث مناطق نفوذها ضد الهجمات.
ورغم ذلك، فقد تلقت الحركة ضربة قاسية أضعفت قدراتها العسكرية بشكل كبير، وهي الآن في وضع أضعف بكثير مما تصوره وسائل الإعلام الرئيسية أو تقدره أجهزة الاستخبارات الأمريكية. فقد قتل ما يقرب من 20,000 من مقاتليها خلال الحرب، وتم تدمير أكثر من 50% من أنفاقها، كما تم القضاء على قدراتها الرئيسية في إنتاج الأسلحة. ويعد هذا الإنجاز بالغ الأهمية، حيث إن نحو 90% من الأسلحة المستخدمة في غزة كان يتم إنتاجها محليًا. وعلى الرغم من أن العديد من المواد الأساسية اللازمة لتصنيع السلاح يتم تهريبها من الخارج، إلا أن الغالبية العظمى من الأسلحة نفسها كانت تصنع في غزة، وقد تم الآن تدمير معظم هذه القدرة الإنتاجية.
بالنسبة لـ"حماس"، شكلت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار فرصة تكتيكية تمكنها من وقف تدمير قدراتها بشكل فوري، وإعادة تنظيم صفوفها، إلى جانب تجديد مخزونها من الإمدادات والبنزين. لا شك أن "حماس" تنظر إلى المرحلة الثانية وأي هدنة طويلة الأمد باعتبارها قضية استراتيجية، حيث تركز على ضمان بقائها مع امتلاك أكبر قدر ممكن من الأسلحة، والاحتفاظ بالسيطرة الفعلية على غزة، حتى لو وافقت رسميًا على عدم حكم القطاع.
وفي هذا السياق، من المفيد أن نضع في اعتبارنا أن الجماعات الإسلامية مثل "حماس" لا تفسر كلمة "هدنة" على أنها "وقف دائم لإطلاق النار" أو "اتفاق سلام"، بل على أنها "استراحة محارب" – أي فرصة لإعادة التموضع حتى تستعيد قوتها وتتمكن من العودة إلى القتال. "آخر مرة عرضت فيها "حماس “هدنة كانت عام 2007، حين كان إيهود أولمرت وخالد مشعل في موقع القيادة، وكانت إسرائيل تقدم للفلسطينيين تنازلات سلام يصعب أن يقبلها أي إسرائيلي اليوم . وكما فعلت آنذاك، من المرجح أن تصور "حماس" الهدنة الجديدة على أنها انتصار، وهي رسالة قد تؤدي إلى مزيد من تقويض شرعية السلطة الفلسطينية والفصائل المعتدلة الأخرى. وبالنظر إلى المأساة التي عاشها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على مدار العام ونصف العام الماضيين، بات من الأهمية بمكان أكثر من أي وقت مضى منع "حماس" من ادعاء النصر بهذه الطريقة.
تمار هيرمان
تعكس تصورات الرأي العام الإسرائيلي حول المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الكثير، فوفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، ترى أغلبية بسيطة من عرب الداخل أن مصالح كل من "حماس" وإسرائيل قد تحققت بنفس القدر. فمن جهته يعتقد 35 في المئة من تيار اليسار أن مصالح "حماس" تمت خدمتها بشكل أفضل، بينما ترى النسبة نفسها أن إسرائيل هي التي استفادت أكثر. أما في تيار الوسط، فترى أغلبية أن مصالح "حماس" كانت المستفيد الأكبر، بينما توصلت غالبية التيار اليميني إلى النتيجة ذاتها. وإجمالًا، يعتقد حوالي 48 في المئة من الإسرائيليين الذين شملهم الاستطلاع أن مصالح "حماس" كانت الأفضل تحقيقًا – وهي إشارة سلبية لأولئك الذين يحاولون إقناع الجمهور بالانتقال إلى المرحلة الثانية.
تقف قضية الرهائن حاليًا في مركز الخطاب العام الإسرائيلي، وتحتل الأسبقية على جميع المسائل الأخرى. ويعتقد أكثر من 80 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أن الرئيس ترامب كان العامل الحاسم في تحرير الرهائن الذين عادوا إلى ديارهم حتى الآن. وفي المقابل، اعتبر 40 في المئة فقط أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان العامل الأهم في تأمين إطلاق سراحهم، وأعطى 40 في المئة فقط علامات أعلى لفريق المفاوضات، ولضغط الجيش الإسرائيلي في غزة، وللاحتجاجات العامة لعائلات الرهائن.
أما فيما يتعلق بـ "اليوم التالي" في غزة، فقد أكد المستطلعون اليهود في إسرائيل دعمهم القوي لفكرة نشر قوة متعددة الجنسيات للسيطرة على القطاع. في المقابل، أبدى المستطلعون العرب في إسرائيل تفضيلهم لبقاء "حماس" في هذا الدور بعد إضعافها – وهو تغيير جذري نظرًا إلى أن غالبيتهم أعربوا عن انتقادات حادة للحركة في بداية الحرب. ولا يزال السبب الكامن وراء هذا التحول غير واضح، ولكن على أي حال، فقد برزت فجوة واضحة بين اليهود والعرب الإسرائيليين حول كيفية التعامل مع إدارة غزة بعد الحرب. ومع ذلك، يبدو أن كلا الطرفين يدعمان الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.
وفيما يتعلق بقضية المساءلة السياسية في إسرائيل عن أحداث العام ونصف العام الماضية، يعتقد 48 في المئة من المستطلعين أن على نتنياهو أن يتحمل المسؤولية ويجب أن يستقيل فورًا، بينما يرى آخرون أنه يجب أن يستقيل بعد الحرب، ما يعني أن أغلبية كبيرة تؤيد تنحي رئيس الوزراء في مرحلة ما. من الواضح أن نتنياهو قد يرى في هذه النتائج مبررًا لمواصلة القتال إلى أجل غير مسمى، وذلك تجنبًا لضغوط الأغلبية التي تطالب باستقالته بعد الحرب. أما بالنسبة لرؤساء الأجهزة الأمنية، فيعتقد 58 في المئة من المستطلعين من جميع الانتماءات السياسية أن عليهم التنحي، بغض النظر عما إذا كانت القيادة السياسية ستستقيل أم لا.
غيث العمري
لقد كانت الضفة الغربية منطقة متقلبة وهشة لفترة طويلة، منذ ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، كان اللافت أن الجزء الأكبر من السكان ظل هادئًا نسبيًا طوال فترة الحرب. وأحد الأسباب الواضحة لذلك هو أن سكان الضفة الغربية لم يرغبوا في أن يعانوا من الدمار الذي شهدته غزة. وتكمن المشكلة الآن في أن بعض التكتيكات الإسرائيلية التي استُخدمت في غزة تُستخدم الآن في الضفة الغربية. وهذا التحول قد يؤدي إلى تآكل تأثير الحرب الرادع، مما يخلق لدى السكان المحليين شعورًا بعدم وجود ما يخسرونه إذا ما انتفضوا. وقد بدأت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين بالتخطيط وتنفيذ المزيد من الهجمات الإرهابية في الضفة الغربية وانطلاقًا منها، مما يسرع من تصاعد التوتر.
وثمة عامل آخر يؤثر على المزاج العام في الضفة الغربية وهو الشعور المحلي القوي بأن "حماس" قد انتصرت في الحرب. فقد سمحت الطريقة التي تم بها تنظيم وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات وإطلاق سراح الرهائن لمسؤولي "حماس" بإظهار أنهم لا يزالون يسيطرون على الحكم في غزة. وقد أضفت المحادثات المباشرة التي أجرتها الولايات المتحدة مؤخرًا مع الحركة شرعية إضافية عليها، مما مكّن أعضاءها من القول بأن العالم سيستمر في التعامل مع "حماس"، إذا اختارها الشعب الفلسطيني لتمثيله – وهي رسالة تم التأكيد عليها مرارًا وتكرارًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لـ"حماس “وقناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام.
وفي الوقت نفسه، تحاول السلطة الفلسطينية أن تقدم نفسها كشريك عملي في المرحلة الثانية وما بعدها. فعلى سبيل المثال، وافقت السلطة مؤخرًا على الامتثال لقانون "تيلور فورس"، الذي أدى إلى تعليق المساعدات الاقتصادية الأمريكية للسلطة الفلسطينية حتى تتوقف عن دفع رواتب عائلات "الشهداء" والأسرى. ورغم أن المراقبين غير متأكدين من مدى التزام السلطة الفلسطينية بهذا التعهد، إلا أن ذلك أثار معارضة قادة حركة "فتح"، مما دفع رئيس السلطة محمود عباس إلى إقالة بعضهم بسبب معارضتهم لهذا الإجراء. ولا يزال رد فعل الرأي العام الفلسطيني على هذا التغيير الجديد في السياسة غير واضح لأنهم لم يروا تطبيقه بعد.
أما بالنسبة لمستقبل غزة، فإن هزيمة "حماس" عسكريًا ممكنة بالمعنى نفسه الذي يمكن فيه هزيمة أي منظمة إرهابية أو تمرد. والسؤال الأهم هو ما الذي يمكن فعله بعد تحقيق هذا النصر. يتمثل أحد السيناريوهات في إعادة الاحتلال الإسرائيلي على المدى الطويل - وهي نتيجة قابلة للتحقيق، ولكنها سلبية. والخيار الآخر هو الإبقاء على النهج الحالي - أي الاستمرار دون خطة أو سياسة وترك فراغ في غزة. ومن المحتم أن تملأ "حماس" هذا الفراغ، بما أنه لا توجد قوة أخرى داخل القطاع تملك ما يكفي من السلاح والقوة التنظيمية لتولي زمام الأمور.
وعلى الرغم من الخلافات الإقليمية حول ما ينبغي القيام به، إلا أن دولًا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مستعدة للعب دور جاد في إيجاد بديل للحكم. إلا أنها قلقة بشأن كيفية التعامل مع فض الاشتباك الأمني مع إسرائيل والجهات الفاعلة الأخرى على الأرض.
ديفيد شينكر
لقد قوبل اقتراح "ريفييرا غزة" الذي طرحه الرئيس ترامب برفض قاطع من جميع الدول العربية والكثير من المجتمع الدولي، حيث اعتبرت هذه الدول أن فكرة تهجير الفلسطينيين من القطاع، حتى وإن كانت مؤقتة، غير مقبولة. وبالتالي، مع انتقال الأطراف إلى المرحلة الثانية، تصبح الخطة البديلة التي اقترحتها مصر هي الفرصة الوحيدة المتاحة.
ويتألف اقتراح القاهرة من قسمين: قسم يحدد السياق العام وقسم آخر يغطي القضايا الفنية. ويرتكز جوهر الخطة على إعادة الإعمار، حيث تم تخصيص 53 مليار دولار لهذا الغرض لإعادة إعمار غزة مع استمرار وجود الفلسطينيين المقيمين فيها. وبالفعل، تحتوي الوثيقة المصرية على صور منشأة بالذكاء الاصطناعي لفلسطينيين سعداء ومبانٍ أنيقة وخرائط، ولكنها تخصص جملتين فقط لموضوعي الحكم والأمن اللذين يحظيان بالأولوية. ويبدو أن حركة "حماس" غير موجودة وفقًا لهذه الخطة؛ إذ لم تأتى على ذكر الحركة بالاسم ولو مرة واحدة. وبدلاً من الاعتراف بحجم المشكلة، تصف الخطة قضية الفصائل المسلحة ببساطة بأنها "لا تزال تشكل تحديًا"، مما يعد تقليلاً من حجم المشكلة. وتقترح خطة القاهرة الانتظار حتى بعد معالجة الأسباب الجذرية للصراع وتحقيق الدولة الفلسطينية قبل اتخاذ أي قرار بشأن الجماعات المسلحة.
في المجمل، تفتقر خطة مصر إلى محتوى قوي، وهو ما يفسر على الأرجح سبب غياب القائدين السعودي والإماراتي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد عن حضور القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في 4 آذار/مارس. فالاقتراح الأولي هو وثيقة توافقية تمت صياغتها بمشاركة العديد من الدول، ويبدو أن زعيمي الخليج لم يعتبراها جريئة بما يكفي بشأن قضايا مثل "حماس" والحكم. وقد ركز نقد إدارة ترامب لخطة القاهرة إلى حد كبير على الجداول الزمنية لإعادة الإعمار وحقيقة أن الفلسطينيين سيبقون في غزة طوال العملية. وفي الوقت نفسه، لا تزال إسرائيل تميل إلى اقتراح الرئيس ترامب المرفوض على نطاق واسع. وبناءً على ذلك، يجب على واشنطن التركيز على إشراك الرياض وأبو ظبي لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إقناع جامعة الدول العربية التي تضم اثنين وعشرين عضوًا باتخاذ نهج أكثر شمولًا واستباقية في غزة.
أما بالنسبة لمناورة الإدارة الأمريكية غير المسبوقة المتمثلة في الانخراط في محادثات مباشرة مع "حماس"، فإن هذه المقاربة غير مثمرة. فـ"حماس “لا تعرض سوى ما كانت تعرضه دائمًا - أي العودة إلى هدنة السنوات الماضية، ما يعني هدنة مؤقتة وعودة حتمية للحرب في المستقبل. وإذا تبنت الإدارة الأمريكية هذه المقاربة، فمن غير المرجح أن تهدر الجهات المانحة أموالها في عملية إعادة إعمار غزة لتراها مدمرة مجددًا، مما قد يؤدي إلى بروز خلاف بين واشنطن وإسرائيل.
"أعد هذا الملخص مانويل دي لا بويرتا. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء عائلة "فلورنس وروبرت كوفمان.