- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3094
المعركة ضد التطرف: التقييم وطرق العلاج
Part of a series: Counterterrorism Lecture Series
or see Part 1: U.S. Efforts against Terrorism Financing: A View from the Private Sector
"في 19 آذار/مارس، خاطب خوان زاراتي، ماثيو ليفيت، وفرح بانديث، منتدى سياسي في معهد واشنطن. وبانديث هي زميلة أقدم في "مشروع مستقبل الدبلوماسية" في "مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية" التابع لـ "مدرسة كندي في جامعة هارفارد"، ومؤلفة كتاب "كيف نحقق الانتصار: كيف يمكن لأصحاب المشاريع المتطورة، وأصحاب البصائر السياسية، وقادة الأعمال المستنيرين، ومخضرمي وسائل التواصل الاجتماعي أن يهزموا التهديد المتطرف". وزاراتي هو مستشار أقدم في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" ومؤلف كتاب "حرب الخزانة: إطلاق عصر جديد من الحرب المالية". وليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن."
فرح بانديث
منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، تم تسليط اهتمام شديد على ما يعنيه كَوْن المرء مسلماً - ونشأ الشباب المسلم وهم يرون كلمة إسلام تتردد باستمرار في العناوين الرئيسية. ومن الواضح أن هذا الاهتمام يمكن أن يكون له تأثيرات جيدة وسيئة، لكن المنظمات الإرهابية التي تأمل في تجنيد أشخاص ليكونوا جزءاً من جيوشها كانت تحوّر رسائلها [وتصيغها وفقاً لما يناسبها] من أجل استغلال الارتباك الناتج الذي يشعر به الشباب المسلم بشأن هويتهم. ويدرك المسؤولون الغربيون وغيرهم ذلك أيضاً. فقد فهموا أنه، بفضل الإنترنت، أن ما حصل قبل خمسة عشر عاماً تقريباً خلال أزمة الرسوم الكاريكاتورية في كوبنهاغن قد أثّر أيضاً على الشباب في كابول. ومن خلال مساعدة السفارات والمبعوثين الخاصين للمجتمعات المسلمة، بإمكان الحكومة الأمريكية تفهُّم مخاوف الشريحة السكانية الناشئة في هذه المجتمعات وعقليتها في أعقاب اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر. وتشكّل هذه العوامل الديموغرافية محور تركيز كتابي الجديد بعنوان "كيف نحقق الانتصار".
لقد شكّلت الهوية والانتماء المكوّن المركزي، أو بالأحرى الواقع المشترك، الذي يربط تجربة الشباب المسلم حول العالم خلال حقبة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر. وكانت الأسئلة التي طرحها جيل الألفية من المسلمين في الدول ذات الأغلبية غير المسلمة مثل إسبانيا وإيطاليا مماثلة لتلك التي كان يطرحها نظراؤهم في المغرب أو ماليزيا. وكان ذلك لافتاً للنظر. ومع ذلك، واجهت الحكومة الأمريكية مصاعب في تحديد هذا الارتباط لأنها تميل إلى تجزئة تركيزها وفقاً للمنطقة. بيد، أن الحرب الإيديولوجية لا تحدّ نفسها بمنطقة أو دولة معيّنة.
فعلى سبيل المثال، سأل والد في الدنمارك، والدموع في عينيه، كيف يمكنه تربية ابنه في مكان تحيط به عدد قليل جداً من الأصوات الإسلامية المتنوعة. وأوضحت مجموعة من الطلاب من زنجبار أن الإسلام الأفريقي الأصلي المشبّع بعناصر عربية خاصة بزنجبار آخذ في التغير بسبب التأثيرات الأجنبية. في المقابل، تحدث المسلمون الأمريكيون عن شعورهم وكأنهم لا ينتمون إلى بلدهم. وقد عكست جميع هذه الأحاديث الجوانب العاطفية لحرب إيديولوجية ملحوظة.
ومع ذلك، لا تتعامل الحكومة الأمريكية مع المشاعر بشكل جيد. ولهذا السبب، لا يمكنها العمل بمفردها. لكن بإمكانها المشاركة مع شركات ومنظمات غير حكومية من أجل معالجة القضايا المثارة هنا. واليوم، تلجأ المنظمات غير الحكومية لحلول مبتكرة ومثبتة، وتحتاج إلى أموال حكومية لبلوغ المقياس المناسب. ويجب أن يكون الدور الأكثر أهمية الذي تضطلع به الحكومة في كونها الجهة الراعية والشريك الفكري والمُيسّر. ويجب أن يدرك الكونغرس الأمريكي أن حرب القوة الناعمة لم تتلق أموالاً تعادل تلك الذي تلقته حرب القوة الصارمة، وأنه لا بدّ من تصحيح هذا التوازن من أجل وقف تجنيد الإرهابيين. وعلى نحو مماثل، يجب أن يكون القطاع الخاص على استعداد للعمل مع الحكومة. ويمكن توجيه واستخدام هذا النوع من التفكير والإصغاء الثقافي، الذي تنتهجه أساساً الشركات في جميع أنحاء العالم، من قبل المنظمات غير الحكومية على أرض الواقع.
يُذكر أنه خلال إدارتيْ بوش وأوباما، أدرك المسؤولون الأمريكيون أن الواجهة الأمامية للتصدي للتطرف العنيف يجب أن تأتي من أصوات محلية وموثوقة على الأرض - وخاصة من المنظمات غير الحكومية - لأن مجرد رفع العلم الأمريكي وتقديم التماس لا يحركان أي شاب في اتجاه جديد. ومع ذلك، غالباً ما يكون تمويل المنظمات المحلية غير الحكومية غير كاف إلى حدّ كبير، وهو ما لا ينبغي أن يكون عليه الحال. يجب على كل من الحكومة الأمريكية والشركات الخاصة منح هذه المنظمات غير الحكومية التمويل الذي تحتاج إليه للقيام بالعمل التي تعلم فعلاً كيفية القيام به.
والسؤال الذي غالباً ما يطرح نفسه هو كيف يتعين على الحكومة الأمريكية تنظيم نفسها لمحاربة إيديولوجيا التطرف العنيف. في الحقيقة، ليس هناك أهمية للوزارة التي تكرّس نفسها لهذه القضية، بل فقط أن يفكر شخص ما في الأمر على أساس يومي - تماماً كما يكرّس العديد من الأفراد أنفسهم يومياً للقضايا العسكرية والاستخباراتية. والأهم مع ذلك يجب أن يكون العمل تعاونياً ومتكاملاً بحيث يساهم الجميع في كل قطاع، سواء القطاع الخاص أو العام، في مجموعة الحلول.
خوان زاراتي
يقف ممارسو مواجهة التطرف العنيف أمام نقطة تحوّل في التعامل مع هذه المسألة على الصعيد المحلي وضمن المجتمع الدولي على حدّ سواء. وتتطلب اللحظة تفكيراً عميقاً. فعلى الرغم مِن مَيْل الشعب الأمريكي إلى النظر إلى المسائل المطروحة بشكل انتقائي، بإيلائه اهتماماً إلى بعضها وتجاهله مسائل أخرى بشكل مؤقت، يُظهر كتاب فرح [بانديث] أن التطرف العنيف يمثّل مشكلة أساسية للأمن القومي تتطلب اهتماماً متواصلاً، ولا يمكن السماح لها بالانجراف عن أعين الجمهور.
وخلال السنوات الأولى من إدارة بوش، واجه الممارسون عدداً من التحديات. تَمَثل أحدها على سبيل المثال بكيفية التحدث عن معركة الأفكار وتحديد الأبعاد الطويلة الأمد للصراع الإيديولوجي من دون تنفير المجتمعات التي كانوا بحاجة إلى الشراكة معها، وخاصة المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم. وقد أصرّ المتخصصون في مكافحة التطرف العنيف على التفكير بشكل أوسع نطاقاً فيما يتعلق بالنظم البيئية المتطرفة التي تنشط فيها جماعات محددة على غرار تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» وجماعات يمينية متطرفة.
إن كتاب فرحْ يسلّط الضوء على خمس عِبر لا تزال مهمة حتى اليوم. وتتمثل العبرة الأولى في أن مكافحة التطرف العنيف هي مسألة هوية. وقد شكّل ذلك إعلاناً أساسياً للكثيرين في الحكومة الأمريكية، وهو: أن التحدي لا يقتصر ببساطة على ظهور جماعة واحدة أو إرهابي واحد، بل يتمحور حول نظرة المجتمعات إلى أنفسها والآخرين. أما العبرة الثانية فهي أن هذا الصراع ضد التطرف يرتبط بالأجيال وليس عرضياً. وهو قائم على نظرة جيل الألفية إلى نفسه والعالم من حوله. والعبرة الثالثة هي إن النظام البيئي للتطرف لا يخضع لخطوط إيديولوجية تقليدية، وهو ما يفسر سبب استحقاق تطرف جماعات اليمين المتشدد اهتمام ما كجزء من هذا النظام البيئي. رابعاً، لا يمكن النظر إلى مكافحة التطرف العنيف على أنها مجرد جزء ثانوي أو مهم من مكافحة الإرهاب لأن القضايا المتأصلة هي أوسع وأعمق بكثير، وتستند إلى تصورات المجتمعات الذاتية. وتتطلب هذه المسائل طريقة مختلفة لإشراك المجتمعات في مكافحتها. وتتمثل العبرة الخامسة في الفكرة المترسخة بعمق في عمل فرحْ، والقائمة حول تمكين مجتمعات منفتحة لمكافحة التطرف العنيف. وفي هذا المجال، لا تضطلع الحكومة بدور الداعم بل المُمكّن. وترتبط بذلك ضرورة إيجاد أصوات موثوقة قادرة على رسم معالم البيئة بطريقة استباقية، مع التعويل في الوقت نفسه على مجتمع التكنولوجيا لقيادة دفة منع التطرف العنيف. يتعيّن على هذا المجتمع إتمام هذه المهمة ليس بشكل تفاعلي فحسب من خلال إزالة المضمون، بل بشكل استباقي - من خلال الترويج للشبكات التي تحاول مواجهة التطرف.
ماثيو ليفيت
يأتي الحديث اليوم عن كتاب فرحْ في الوقت المناسب بشكل خاص. ففي الإستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب التي تتبعها إدارة ترامب، يضطلع الموضوع الرئيسي - سواء أُطلقت عليه تسمية مواجهة التطرف العنيف، أو مكافحة التحول إلى الراديكالية، أو منع التطرف العنيف، أو منع الإرهاب - بدور بارز، والآن يبذل الفريق المشترك بين الوكالات قصارى جهده لمحاولة تنفيذ هذا التركيز.
ويوفّر هذا الكتاب فرصاً للبحث عن الهوية الثقافية. وفي حين قد يبدو هذا الموضوع مسألة واضحة للنقاش - وموضوع سبق أن كُتِب عنه كثيراً - إلا أن كتاب فرحْ يتناوله بطريقة فريدة ومفيدة جداً للممارسين. فالجزء المهم من البحث عن الهوية الثقافية هو البحث عن الأصالة، ومن يمثلها. وبسبب المناصب التي تبوأتها فرحْ في الحكومة، يركّز هذا الكتاب في المقام الأول على هذه القضايا في المجتمعات الإسلامية حول العالم. لكن هذه المحادثات حول الهوية والأصالة تنطبق بنفس القدر في أي مكان آخر، حيث يبحث الناس عن هوية ثقافية، أو يشعرون بأن هويتهم بخطر، أو يبحثون ببساطة عن شيء أصيل.
على سبيل المثال، لطالما أشار المحللون إلى بوتقة الانصهار الأمريكية ومدى اندماج المهاجرين في المجتمع الأمريكي كسبب من الأسباب التي لم تجعل [التحول من] التطرف إلى العنف الموجه عقائدياً مرتفعاً في الولايات المتحدة كما في أوروبا على سبيل المثال. لكن الشباب في الولايات المتحدة يواجهون المسائل نفسها المرتبطة بالهوية والبحث عن الأصالة شأنهم شأن الآخرين، لا سيما في عصر تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي. ويشير ذلك إلى أن اتجاهات التطرف في الولايات المتحدة قد تتحرك في اتجاه صعب، على الرغم من نجاح الاندماج.
ولاستباق الأمور، يجب على المسؤولين في الولايات المتحدة دمج البرامج القائمة أساساً والمبالغ المالية المخصصة لجهود منع العنف، والسلامة العامة، وجهود الصحة العامة في تلك التي تهدف إلى منع التطرف العنيف. وعليهم التركيز على تسخير موارد الصحة العامة، بشكل خاص، مع صب التركيز في المقام الأول على وجهات نظر عالمية ومجتمعية وفردية. كما عليهم دعم البرامج التي تشرك الأفراد - وهو أمر نفذه تنظيم «الدولة الإسلامية» وغيره من الأعداء بشكل أكثر فعالية على سبيل المقارنة - وليس فقط محاولة حل المشاكل على مستوى المجتمع.
إن الوقاية هي المجال الذي تحقق فيه الولايات المتحدة المكسب الأكبر. ونظراً لقيام وزارة العدل الأمريكية بتمويل مقاييس وتقييمات مختلفة لبرامج مكافحة التطرف العنيف، فإن الحجة القائلة بأن نجاح هذه البرامج غير مضمون قد بدأت تتلاشى. لذلك، يُعد تمويل هذه البرامج أمراً حيوياً، وهو الأمر فيما يتعلق بالتعلم من برامج مطبقة في كندا وأستراليا ودول أوروبية مختلفة.
أعد هذا الملخص آفي باس.
تم تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".