- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المتهمين في اغتيال المواطن الأمريكي ستيفن ترول في بغداد لا يزالوا مجهولين
تشير الظروف المحيطة بمقتل ستيفن ترول في تشرين الثاني /نوفمبر بوضوح إلى أن جريمة الاغتيال مرتبطة بالصراع السياسي وقضية للميليشيات المسلحة المستمرة في العراق.
في مساء 7 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، قُتل المواطن الأمريكي ستيفن ترول، بعد أن فتح مسلحون مجهولون النار على سيارته في منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد. أثارت تلك الوحشية وعدم وجود سبب واضح لاستهداف ترويل عاصفة من التساؤلات، المرتبطة بدوافعها وتوقيتها.
وفي حين حاولت بعض المنظمات الربط بين ترويل وبين هيئات المعونة الامريكية الحكومية ، وتلك التي تزاول أنشطة سرية ، كان ترول يعمل مدرساً للغة الإنجليزية في معهد تعليم اللغة الإنجليزية العالمي في بغداد، والذى يتبع لمنظمة ميلينيوم المختصة بخدمات التنمية والإغاثة، ويقع مقرها الرئيسي في ولاية هيوستن الأمريكية، وهي تنشط غالباً في دول العالم الثالث وبينهم العراق منذ عام 2004، ويعّد ترول أحد أعضاء فريقها الميداني المختص بالمجالات التعليمية، وكان يقيم في العراق منذ عام 2018 دون أي صلات بدوائر عسكرية أو استخباراتية.
الخلاف السياسي واغتيال ترول
تأتي عملية اغتيال ترول بعد 12 يوماً من موافقة البرلمان على تمرير حكومة مرشح الإطار التنسيقي الشيعي "محمد شياع السوداني"، وهو ما يعزز الاعتقاد بوجود علاقة بين العملية وبين الخلافات الحاصلة بين كتل الإطار التنسيقي، حول كيفية توزيع المناصب المخصصة لهم والبالغ عددها 12 وزارة من أصل 21، إضافة إلى مناصب أمنية وإدارية أخرى.
رغم الانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة، لا تزال بعض المناصب الإدارية والأمنية شاغرة، منها رئاسة جهاز المخابرات، وبحسب تقارير صحفية فإن الصراع على هذا المنصب يتمركز بين عصائب أهل الحق وحركة حقوق، وهي الجناح السياسي لكتائب حزب الله. ويشكل جهاز المخابرات العراقي أهمية كبيرة بالنسبة للفصائل المسلحة بسبب ما يوفره من قاعدة بيانات واسعة، تساعد على زيادة نفوذهم على الساحتين المحلية والإقليمية.
وعلى هذا النحو، ترى بعض الكتل السياسية المرتبطة بالإطار التنسيقي، أن آلية تقاسم الكابينة الوزارية، قد أضرت بهم، هذه الكتل تمتلك أذرع مسلحة معروفة على الساحة الأمنية في البلاد، ويسود اعتقاد شائع بأن عملية اغتيال ترول كان رسالة من قبل هذه الفصائل لإعلان اعتراضها على الحكومة، وهي تدرك أن عودتها إلى عملياتها المسلحة، يعتبر ورقة ضغط قوية، نظراً إلى ما تسببه من إحراج للحكومة الجديدة أمام المجتمع الدولي.
ما يضفي وزناً على وجهة النظر هذه هو أن تبنى الفصائل المسلحة نهج العنف لممارسة الضغط السياسي ليس جديد من نوعه، وسبق أن استخدمتها أبان رئاسة خصمها مصطفى الكاظمي للحكومة، وقصفت طائراتهم المسيرة منزله، إضافة إلى هجمات أخرى على المقرات الدبلوماسية الأجنبية، لإظهار مدى عجز الدولة وإحراجها.
ومع ذلك، يحاول الطرف المتهم بعملية اغتيال المواطن الأمريكي التملص منها، كما أن عدم وجود أي مشتبه بهم بعد مرور أكثر من شهر على القتل يوحي بأن جهاز المخابرات غير قادر على حماية الأمن أو الكشف عن العمليات المسلحة التي تمس سمعة وأمن الدولة في الداخل، ويدفع تالياً لاستبدال قيادته الحالية.
وقد وجهت الاتهامات باغتيال المواطن الأمريكي إلى كلا من عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، نظراً إلى صراعهما الحالي، ولكن قيادات الطرفين سارعا إلى نفي علاقتهما بالحادث، ومثالاً، فقد أصدر المسؤول الأمني لكتائب حزب الله "أبو علي العسكري" بياناً، أكد فيه أن هناك محاولات لإحراج الحكومة من خلال هذه العملية، وأن من قام بهذا الفعل، عصابة مرتزقة بلا ضمير، تمتهن الخطف والقتل، ودعا الحكومة إلى الكشف عن المتورطين وتحقيق العدالة، وكذلك بالنسبة للقيادي في حركة العصائب، سعد السعدي، الذي قال أن الاتهامات الأمريكية بضلوعهم في العملية عارية من الصحة، وليس للعصائب أو لأي فصيل مقاوم أخر علاقة بعملية اغتيال المواطن الأمريكي.
في الوقت عينه أصدرت سرايا أصحاب الكهف – وهي جماعة متشددة غالبًا ما تُستخدم كغطاء للعديد من العمليات المسلحة التي تنطوي على خطورة سياسية أو المراد التملص من مسؤوليتها- بيانا تعلن فيه مسؤوليتها عن الحادث. ينشط هذا الفصيل في العراق منذ عام 2019، وتبنى مسؤولية العديد من الهجمات المسلحة، على القوافل الأجنبية، كما تبنى استهداف السفارة الأميركية في 17 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020، إضافة إلى الهجوم الصاروخي على قاعدة تركية في شمال العراق في 15 شباط/فبراير 2021. ومن الجدير بالذكر ان سرايا أصحاب الكهف، ليست جماعة مسلحة بعين ذاتها، وتعّد واجهة للعديد من الفصائل الولائية المقربة من الحرس الثوري الإيراني.
وقد أكد البيان أن عملية الاغتيال أتت إنتقاماً لمقتل كلا من قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس، واللذان قتلا في غارة أمريكية، قرب مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني/يناير عام 2020. ومع ذلك، نشر فصيل اهل الكهف بيان لاحق على صفحتهم في التليغرام، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، ينفى ما جاء به بيانهم السابق حيث قالوا فيه "نلفت النظر بأنه لم يصدر من كهفنا الحصين أي بيان نتبنى فيه حادث الاغتيال، هم بذلك نفوا صحة البيان السابق، ولكنهم لم ينفوا علاقتهم بالعملية، وهو ما عدّ إقراراً بالتنفيذ.
يعتقد البعض أن التيار الصدري واحداً من المشتبه بهم، فهو لا يخفي عدائه للحكومة الحالية، وتالياً يرغب في إحراجها، ولكن هذا الاعتقاد مستبعد حالياً، فالتيار الصدري بدوره لا يريد الخوض في سجالات جديدة بعيدة عن طموحاته السياسية القادمة، كما أن الخطاب السابق للصدريين يشير إلى رغبتهم في الابتعاد عن تكتيكات الميليشيات. ففي 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نشر الحساب المقرب من زعيم التيار الصدري والمعروف باسم صالح محمد العراقي، تغريدة منع فيها تشكيل أي جماعة مسلحة جديدة أو تنفيذ عمليات من شأنها الإخلال بالأمن العام.
تحقيقات حكومية متوقفة
بعد حادث اغتيال المواطن الأمريكي في بغداد، أصدر رئيس الوزراء العراقي أوامره إلى وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادثة. ومع ذلك، وبعد مرور أكثر شهر على الحادث، لم تُعلن اللجنة عن أي تفاصيل بخصوص حيثيات الجريمة، رغم انتشار كاميرات المراقبة في منطقة الكرادة، المحصنة أمنياً، ليس هذا فحسب، بل لا تزال طبيعة عمل اللجنة وأعضائها ومخطط بحثها سرية حتى الان.
بحسب تصريحات لجنة التحقيق الحكومية، فإن منفذي العملية استقلوا سيارتين سوداء اللون، لا تحمل أرقام تسجيل، ولكن كيف تمكن المنفذين من اجتياز الحواجز الأمنية. تؤكد طريقة تنفيذ عملية الاغتيال أن منفذيها على علم بطبيعة تحركات الضحية، ودراستهم لكيفية التنفيذ، وتالياً فإنها عملية منظمة نفذتها جماعة متمرسة في الاغتيالات.
لذلك، يبدو من الصعب على أي مجموعة معنية أن تكون قد نفذت عملية الاغتيال دون التعاون مع جهات أمنية من أجل تسهيل مرورها، لاسيما وأن اغتيال ترول، تم في منطقة مشددة أمنياً، وتملئ كاميرات المراقبة الحكومية والتجارية كافة شوارعها، ولكن القوات الأمنية لم تكشف عن تفاصيل هذه التسجيلات، وتشير الكثير من المصادر إلى أن الجهات المختصة على علم بهوية الجهة المنفذة، ولكنها تتجنب الكشف عنها، خوفاً من حدوث اضطرابات داخلية جديدة، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن هناك جهة سياسية في الحكومة الحالية مرتبطة بتنفيذها.
وتجدر الإشارة إلى ان العراق كان قد شكل عدة لجان للتحقيق في حوادث سابقة مماثلة، مثل تشكيل لجنة للكشف عن قتلة المتظاهرين أبان الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد عام ٢٠١٩ وقتل على إثرها أكثر من ٥٠٠ مواطن. كما شكلت لجان للتحقيق في مقتل الناشط المدني إيهاب الوزني الذي قتل في محافظة كربلاء في ٩ أيار/ مايو عام ٢٠٢١، ولكنها لم تعلن عن أي نتائج، رغم مرور أكثر من عام على تشكيلها. مثل هذه المعطيات غير المرضية تدفع إلى الشك بطبيعة عمل اللجان الحكومية، التي لم تتوصل إلى نتائج فعلية وقد تكون خاضعة لتأثيرات منفذي الجريمة، أو قد تكون مجرد لجان شكلية، تم تشكيلها لامتصاص الغضبين الشعبي والدولي إزاء مثل هذا النوع من الانتهاكات.
أضيف إسم ستيفن ترول إلى لائحة طويلة من أسماء ضحايا الاضطرابات الأمنية الحالية في العراق، ولن يتم الكشف عن هوية المنفذين الحقيقيين لعملية الاغتيال أو غرضهم، ولكن اغتياله كشف عن مستقبل مليء بالاضطرابات ينتظر البلد، في حال استمرار الصراع على مناصب الحكومة الجديدة، بين الفصائل المسلحة المقربة من أحزاب السلطة.