- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المتظاهرون العراقيون: الدولة العراقية واعتقال مُصلح
يستخدم المتظاهرون في العراق وسم "من قتلني" لاستدعاء نفوذ الميليشيات في الحكومة العراقية والمطالبة بحماية أكبر للمتظاهرين.
شهد العراق في 25 مايو/ أيار، تظاهرات شعبية نظمها متظاهرون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أسابيع من انطلاقها، والتي كانت تحت عنوان "من قتلني"، للمطالبة بكشف قتلة المتحتجين منذ تظاهرات العام 2019، وتنديدا باستمرار عمليات الاغتيال التي طالت أبرز ناشطوا حراك تشرين، رافعين شعارات مناهضة للفساد وانتشار السلاح غير المنضبط، وقبل يوم من انطلاق التظاهرات، وصل آلاف المحتجين إلى العاصمة بغداد كانوا قد جاءوا من عموم مدن العراق، فيما واصلت محافظات جنوبية التظاهرات داخل مدنهم.
التظاهرات جاءت وسط انتشار لفيروس كورونا في عموم البلاد، لكن المتظاهرين أعلنوا عن عودتها لعدم تحقيق مطالبهم التي طالبوا منها منذ تظاهرات العام 2019. وقد كفل الدستور حق التجمع والتظاهر السلمي وفق المادة 38 من الدستور العراقي ، بعدما حرموا من هذا الحق أبان حكم نظام صدام حسين قبل الغزو الأميركي العام 2003.
وسم "من قتلني"؟
قبل انطلاق أي تظاهرة في العراق، اعتاد المحتجون على التحشيد لها في مواقع التواصل الاجتماعي، وإطلاق الأوسمة التي تشير إلى عناوين التظاهرات ومطالبها الرئيسية، مثل وسم #من_قتلني، الذي أشار إلى مطالب المحتجين بكشف وجه القتلة إلى الرأي العام، إضافة إلى وسم #العدلين_راجعين، فهو يشير إلى أن المتظاهرين الذين لم يقتلوا في تظاهرات السنوات الماضية، هم اليوم عادوا إلى الساحات معلنين مطالبهم ومواقفهم من الطبقة السياسية الحاكمة.
وقد ساهم النشر على مواقع التواصل الإجتماعي دورًا واضحًا في ديمومة الحراك الشعبي وإيصال صوت المحتجين إلى العالم، وذلك على عكس تظاهرات 2019 التي شهدت حجب لمواقع التواصل وتوقف الانترنت لمنع تغطية التظاهرات ونشرها للرأي العام، لكن ذلك لم يمنعهم من توثيق لحظات العنف الموجه ضدهم.
الشعارات التي رددها المحتجون في ساحة التحرير ببغداد لا تختلف عن تلك التي ناد بها المحتجين في ساحة الحبوبي في محافظة الناصرية وساحة فلكة البحرية في البصرة، ومحافظة كربلاء والنجف وواسط، جميعها طالبت الحكومة العراقية بالإسراع في كشف هوية قتلة المتظاهرين، فيما رافق تلك المطلب بالتوازِ مطالب أخرى، أبرزها: تحسين ظروف العيش، حصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء سلطة الأحزاب والميليشيات، وبسط الأمن والاستقرار، والذهاب نحو انتخابات مبكرة بإشراف أممي.
ممارسة العنف ضد المتظاهرين
ومن أجل منع المحتجين الغاضبين دخول المنطقة الخضراء، فرضت السلطات الأمنية في بغداد طوق أمني، فيما شهدت صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية تسببت باستشهاد شخصين وجرح نحو 150 شخص، بينهم رجال أمن، فيما استخدم الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع من قبل القوات الأمنية رغم دعوات جهات حكومية إلى ضرورة حماية المتظاهرين ومنع استخدام العنف المفرط ضدهم.
العنف المفرط ضد المتظاهرين أدانته جهات رسمية وغير رسمية، حيث قال أولريك شانون، السفير الكندي فى العراق، في تغريدة على تويتر: "لا يمكن احترام الحقوق الأساسية للمواطن ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الناشطين وسط انتشار جماعات مسلحة تعتبر نفسها فوق القانون. إن استعراض الأسلحة ضد مؤسسات عامة هو تهديد واضح لهيبة الدولة. يجب السماح للقضاء العراقي بالعمل دون التهديد بالعنف، وتطبيق القانون على الجميع".
وقال رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي في تغريدة على تويتر بتاريخ 25 مايو/ أيار: "دعمنا حرية التظاهر السلمي في العراق، واصدرنا اوامر مشددة بحماية التظاهرات وضبط النفس ومنع استخدام الرصاص الحي لاي سبب كان، سفتح اليوم تحقيقاً شفافاً حول حقيقة ماحدث في اللحظات الاخيرة من تظاهرة ساحة التحرير لكشف الملابسات. الأمن مسؤولية الجميع ويجب ان نتشارك جميعاً في حفظه."
وبعد مرور يوم واحد عن تغريدة الكاظمي، أعلنت خلية الإعلام الأمني عن تنفيذ عملية إلقاء القبض على المتهم قاسم مصلح، قائد عمليات الأنبار في الحشد الشعبي، للتحقيق معه من قبل لجنة مشتركة في التهم الجنائية المنسوبة إليه. وقد صدرت مذكرة القبض والتحري بحق مصلح من قبل مجلس القضاء الأعلى، بتاريخ 21 من مايو/ أيار، ووفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب. ولم يُعلن أي تفاصيل بالتحقيق الذي يجري معه حتى نشر هذا المقال.
وقال ناشط بارز من محافظة كربلاء (رفض كشف اسمه لدواعي تتعلق بسلامته): أن اعتقال قاسم مصلح يمثل خطوة جيدة، وأن "لواء الطفوف هو من يقوم بقتل الناشطين، ومنهم إيهاب الوزني، رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء، وقبله الروائي علاء مشذوب والناشط فاهم الطائي. وأن اعتقال قاسم مصلح، جاء بسبب ضغوط ناشطي كربلاء خلال الحملات التي قاموا بها وأبرزها حملة من قتلني لكشف من قام بإعتقال إيهاب الوزني، في محافظة كربلاء. وقد أنتشر الوسم بسرعة ليصل إلى بقية مدن العراق".
وأكد الناشط على الدور الذي يلعبه المحتجون في مواجهة هذه الميليشيات، حيث قال: "في المظاهرات حذر الوزاني والطاعي من تأثير الجماعات المسلحة في البلاد. حان الوقت للكشف عن أسماء الذين قتلوا المتظاهرين. تقوم الميليشيات بقتل النشطاء والأفراد البارزين الواحد تلو الآخر، كل ذلك بسبب وجود هؤلاء الأفراد في منطقة نفوذ الميليشيات في العراق ".
و في ما يتعلق بالانتخابات، قال الناشط السياسي علي المعلم، من مدينة البصرة " ذهب كثير من الناشطين إلى مقاطعة الانتخابات بعدما أدركنا بأن العملية السياسية مخترقة من قبل جهات تحمل السلاح المنفلت ومع موجود الميليشيات في العراق، ولن نرى حتى الآن أي خطوات جدية من قبل الكاظمي في كشف قتلة المتظاهرين.
أن التظاهرات الحالية تختلف عمّا سبقها كون أن عوائل الشهداء الذين قتلوا على أيدي الجماعات المسلحة كانت جزء أساسي من التظاهرات وهي من دعت إليها، كما أن هناك تكاتف من قبل تحالفات سياسية شبابية لدعم الحراك الشعبي والاحتجاجات في بغداد، تسعى من ذلك إلى إيصال رسائل مفادها يجب إيقاف عمليات القتل والاغتيال بحق الناشطين والمتظاهرين"
وأضاف المعلم: "أن مطالب التظاهرات الحالية تدعوا إلى كشف قتلة المحتجين، ومنهم قتلة إيهاب الوزني وفاهم الطائي وتحسين وريهام يعقوب وهشام الهاشمي وغيرهم، هذه التظاهرات هي جزء من سلسلة تظاهرات قادمة تحمل نفس المطلب".
وقبيل تسنم الكاظمي منصب رئاسة الوزراء، أكد وقتها التزامه بوعوده في ضرورة احترام حقوق الإنسان ومحاسبة المتورطين بدماء المتظاهرين والناشطين والإعلاميين، ففي 11 مايو/ أيار 2020، أمر الكاظمي بمداهمة مبنى فصائل ثأر الله التي فتحت النار على المتظاهرين وتسببت بمقتل متظاهر وجرح أخرين، واعتقلت القوات العراقية جميع من داخل البناية ومصادرة الأسلحة وإحالة المتهمين إلى القضاء.
ويفهم عدد من المواطنين والمتظاهرين ممن التقاهم الكاتب، أن عملية لقاء القبض على مُصلح أنها خطوة إيجابية بإتجاه تحقيق مطالبهم التي خرجوا من أجلها إلى الشارع، وبداية لكشف قتلة المتظاهرين خلال الـ3 سنوات الماضية، داعمين لخطوات الكاظمي في محاسبته للقتلة والفاسدين.
وفي الوقت نفسه، طوقت فصائل مسلحة المنطقة الخضراء، حيث يقع فيها مقار حكومية ومنازل مسؤولين عراقيين وبعثات دوبلماسية أجنبية، ومنعت الدخول والخروج منها باستثناء قواته، على خلفية اعتقال مصلح، والذي موجود بداخل المنطقة الخضراء لاستكمال عمليات التحقيق معه، وذلك من أجل الضغط على السلطات للإفراج عنه، فيما أنتشرت فيديوهات على وسائل التواصل الإجتماعي تظهر تجول عربات في شوارع العاصمة بغداد تابعة إلى فصائل مسلحة أثار غضبًا للشارع العراقي وانتقادات واسعة لنفوذ قوات خارجة عن القانون. وقد أعدَّ الكاظمي المظاهر المسلحة "انتهاكًا خطيرًا" للدستور العراقي والقوانين النافذة، ووجه بتحقيق فوري لتحركات الجماعات المسلحة داخل المنطقة الخضراء.
وقال المحلل السياسي علي البيدر: "الكاظمي جاد ولديه رغبة في الاصلاحات لكنها تصطدم بالضغوط السياسية والأمنية، هو يريد التغيير لكنه لا يستطيع وهذا يؤكد صدق نواياه، فهناك حلقة محيطة به تتعمد تظليلة للحقائق وهذا يخلق حالة من الضعف في جهودة الرامية لذلك. ولكن عودة التظاهرات في الوقت الحالي جاء نتيجة فقدان المحتجين بإجراءات الحكومة في كشف قتلة المتظاهرين وتقديمهم إلى العدالة وتقويض دور الميليشيات والنفوذ الإيراني في العراق. كما أن أغتيال الناشط إيهاب الوزني حركت الجمود في جسد المحتجين وجعلتهم أكثر اقداما على المواجهة والخروج بتظاهرات في بغداد".
ويرى البيدر أن المليشيات المسلحة وبدعم من جهات سياسية هي من تقف خلف عمليات اعتقال الناشطين وبتواطؤ من منتسبين امنيين يدينون بالولاء لتلك الفصائل او عبر تقديم الرشى لهم، لمنعهم من التظاهر ثانية ورسائل تهديد لتصفيتهم مالم يتوقفوا عن الاحتجاج.
ويعتقد مراقبون أن ارباك الوضع الأمني والسياسي في البلاد سيقود إلى تأخير إرجراء مبكرة إلى أشعار أخر، وهذا سيؤدي إلى مزيد من حركات الاحتجاج المطالبة في إجراء الانتخابات الشفافة يشترك فيها الجميع، ويطلب ذلك توفير بيئة آمنة لها من خلال تعاون دولي لمساعدة الحكومة العراقية على ذلك.
ومع ذلك، شجع الاحتجاج والاعتقال اللاحق لمُصلح العديد من العراقيين على تجديد دعمهم للحكومة في حربها ضد الفساد والخارجين عن القانون وتقديم المجرمين إلى العدالة. ويبدو أن هناك تفاهم بين المتظاهرين والحكومة على حد سواء في جهودهم لتقوية الدولة وتحسين سيطرتها على أولئك الذين يسعون لتقويض أمن واستقرار البلاد.