- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
المؤتمر الدولي المرتقب للسلام: الرابحون والخاسرون
يعرف مسلسل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إحباطات كثيرة، ساهمت في ترسيخ قناعة قوية لدى المجتمع الدولي بتباعد الرؤى بين الجانبين، مع تحميل الجانب الإسرائيلي مسؤولية أكثر عن تلك التعثرات. وهذا ما أيقنت به الولايات المتحدة والأمم المتحدة وعدة عواصم غربية أخرى. وبالرغم من هذا الواقع المتأزم، إلا أن هناك إصراراً فرنسيّاً على تحقيق انفراج نوعي، حيث خططت فرنسا منذ فترة طويلة لتنظيم مؤتمر دولي للسلام، استجابة للضغوط الفلسطينيّة والعربيّة، وخدمة لمصالحها الخاصة. وتدرك فرنسا صعوبة تحقيق أهداف هذه المبادرة، ليقينها بانعدام إرادة حقيقيّة لدى القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بأن التوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين، لم يعد مأمولاً في فترة ولايته، كما أقرّ نائبه "جو بايدن" بذلك. ورغم هذا التصوّر، عارضت واشنطن تقديم فرنسا لمبادرتها السياسية أمام مجلس الأمن الدولي بشأن القضية الفلسطينية، وذلك باستنادها إلى حجتين قويتين:
الحجة الأولى: تتمثل في التسليم بوجود ظرفية دوليّة غير مشجعة، لا يمكن معها أن يخرج المؤتمر بنتائج إيجابية تستحق التنويه.
الحجة الثانية: تتمثل في لجوء الفرنسيين إلى التهديد باتخاذ خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية، في حال فشل مبادرتهم، مما يعني أنهم يضعون شرطاً مسبَقاً، وهو الأمر الذي لا يُمكن أن تتقبله واشنطن.
وفي ما يخص طرفي القضيّة، أعلنت إسرائيل موقفاً أكثر حِدّة من الموقف الأمريكي السابق، حيث قامت بدق ما أمكنها من العصي أمام الجهود الفرنسيّة، من خلال اتهامها بمعاداة إسرائيل، وبميلها الواضح إلى جانب الفلسطينيين، وأن تهديدات باريس ليست إلا تشجيعاً للجانب الفلسطيني، لكي يبقى متشبثاً بمواقفه المتصلبة، التي لا تتماشى مع المتطلبات الإسرائيليّة بأي حال من الأحوال.
وأكثر من هذا، فإن إسرائيل أبدت عزمها القوي على نسف الجهود الفرنسية، مما اضطر باريس أمام هذا الموقف الحادّ، إلى سحب مبادرتها، والتوقف عن الحديث عنها، ليخرج مهندس الموقف الإسرائيلي - رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" بتصريح مفاده: أن المبادرة الفرنسية لم تعُد موجودة.
وأمام هذا الوضع، اضطرت فرنسا إلى الحديث من جديد عن مبادرتها تلك، لكن ليس بالحِدّة نفسها التي كانت في السابق. فقد تغير الخطاب سلوكاً ونبرة، حيث قامت بإجراء تغييرات جوهرية، بناءً على رؤيتها لمصالحها الخاصة، وعلى الإلحاح الفلسطيني، وعلى أمل ضمان تأييد الإسرائيليين لمساعيها. لذلك ركزت تلك الإجراءات على تقليصات وتعديلات بإمكانها إرضاء الجانب الإسرائيلي، لكي يعطي الضوء الأخضر باتجاه الحشد لمؤتمر السلام المنتظر.
وقد ازدادت فرص إمكانية مشاركة إسرائيل في ذلك المؤتمر، بعد تلك التعديلات - على الرغم من إعلانها رفض المشاركة - خاصة بعد أن أصبحت تحمل بين طياتها إمكانية تحقيق بعض المكاسب، حيث تعوّدت على عدم ترك أي فرصة دون استغلالها، بغض النظر عن الحديث الذي يدور حول إمكانية الخروج من المؤتمر بقرارات قد تكون مُلزمة للجميع، بمن فيهم السلطة الفلسطينية كطرف معني بالمؤتمر. وحتى إذا كانت هناك قرارات تتعارض كلياً، أو جزئياً، مع المصالح الإسرائيلية، فإن إسرائيل ستنظر إلى ما يمكن تحقيقه من مكاسب بالدرجة الأولى.
وحتى قبل انطلاق المؤتمر المرتقب، شرع الإسرائيليون في جني مكاسب موقفهم الصارم. فقد تخلى الفرنسيون عن شرط الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو التهديد الذي لوَّحوا به سابقاً، في حال فشل المبادرة، إضافة إلى تقديمهم ضمانات حول تفهّمهم للاحتياجات الإسرائيلية، وإبدائهم لشكوكهم في مدى استعداد الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" لتمثيل الجانب الفلسطيني تمثيلاً جدّياً، ومدى استعداده لتقديم أيّة تنازلات ذات قيمة، في ظل تمتّعه بأفضلية جيدة وواضحة على حركة «حماس» إقليمياً ودوليّاً.
ومن أبرز المكاسب المحتملة في حال انعقاد المؤتمر، إمكانية تليين المواقف الأوروبيّة تجاه إسرائيل، وهي المواقف التي انتقدت تشدد وصرامة السياسة الإسرائيلية تجاه قضايا الحل النهائي، وكذلك ممارساتها الاحتلالية ضد الفلسطينيين بشكلٍ عام. وهكذا فإن مجرد تعبير إسرائيل عن تأييدها للمبادرة، سيمنحها الفرصة لكسب المزيد من الوقت، للاستيلاء على أكبر قدرٍ ممكن من الأراضي الفلسطينية، وبناء مستوطنات جديدة عليها.
وهناك مكسبان رئيسيان آخران لإسرائيل، أُرغِمت السلطة الفلسطينية على تقديمهما، بفعل ضغوط أمريكيّة- أوروبيّة، بحجة أن تعنت الفلسطينيين وعدم استجابتهم لتلك الضغوط، لن يؤدّي إلا إلى مزيد من التوتر، الذي قد يؤثر سلباً على المبادرة الفرنسية. ويتمثّل المكسب الأول في وقف فلسطين لمساعيها التي كانت تقتضي التوجه إلى مجلس الأمن لتقديم مشروع قرار ضد الاستيطان، مع تجميد الأمم المتحدة لأي مشاريع قرارات مستقبلية ضد إسرائيل. أمّا الثاني، فيتمثّل في تعليق أي حديث يدور عن وقف الفلسطينيين للتنسيق الأمني مع إسرائيل.
في نهاية المطاف، حتى لو انعقد هذا المؤتمر المرتقب في موعده المقرر، وتطرقت الأطراف المشاركة جميعها إلى الحديث عن خيار واحد فقط، وهو اتفاق سلام كامل، ينبني على أساس حل الدولتين، فإن ذلك لا يضمن إمكانية أن يتماهى الإسرائيليون (ككل)على هذا الأساس بشكلٍ سليم، أو متطابق مع رؤية وفهم باقي الأطراف الدولية المُشاركة. إذ أن إسرائيل وبكل بساطة، لا تبحث إلاّ عن تحقيق المكاسب تلو المكاسب، وفي مقدمتها إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالجانب الفلسطيني.
د. عادل محمد عايش الأسطل هو أكاديمي فلسطيني. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"