- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الناخبون الأكراد سيتسمرون في ممارسة تصويتهم في تركيا
في الآونة الأخيرة، أصبحت السياسة المحلّية التركية تلعب دورا حيويا في العلاقة المعقدة بين الحكومة التركية والناخبين الأكراد في البلاد. ففي 19 آب /أغسطس، أطاحت السلطات التركية برؤساء بلديات «حزب الشعوب الديمقراطي» في ثلاث مدنٍ كُردية هي ديار بكر وماردين ووان، بعد اتهامهم بعدة جرائم غير محددة تتعلق بالإرهاب. ويذكر أن رؤساء البلديات هؤلاء قد جاؤوا إلى الحكومة بعد انتخابات 31 أذار/ مارس، والتي أظهرت أهمية الدور الذي يلعبه الناخبين الأكراد في السياسة المحلية التركية، سواء في المناطق ذات الأغلبية الكردية أو خلال الانتخابات التنافسية التي شهدتها إسطنبول مرتين.
وبعد قرر الإطاحة برؤساء البلدية، أخذت العلاقة بين الحكومة التركية ومواطنيها الأكراد في التدهور، خاصة بعد الضغوطات المستمرة التي تم فرضها على «حزب الشعوب الديمقراطي»، حيث أفرزت تلك الأحداث بعض التداعيات السياسية التي تجلت في طرد أحد أبرز كوادر حزب العدالة والتنمية من الحزب وهو رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو لانتقاده قرار الحكومة الأخير. ومن ثم، قد يدفع ذلك الناخبين والساسة الأكراد إلى تبنى استراتيجية بديلة تتيح لهم المشاركة في الانتخابات القادمة وذلك بغية تجنب الضغوط على «حزب الشعوب الديمقراطي».
ومعلومٌ أن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، يسيطر على مجمل مؤسسات الدولة إن لم نقل كلها وزاد هذا الحزب من هيمنته بالفعل منذ الانقلاب العسكري الفاشل في البلاد منتصف تموز/يوليو من العام 2016، وكذلك بعد تغيير نظام الحكم في تركيا من نظامٍ برلماني إلى آخر رئاسي والّذي دخل حيّز التنفيذ من أكثر من عام بعد قمع المعارضين وإغلاق عدد كبير من وسائل الإعلام.
ومع ذلك، أبرزت الاستحقاقات الانتخابية البلدية التي أجريت في إسطنبول حجم القوة التصويتية التي يتمتع بها الناخبين الأكراد في السياسة التركية. وبالطبع، أدى قرار إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول وإعادة أجراؤها من جديد إلى إثارة العديد من ردود الأفعال في جميع أنحاء تركيا، حتى من جانب أنصار الحزب الحاكم نفسه، حيث اختار بعض المؤيدين التصويت لصالح مرشح المعارضة في جولة الإعادة كرد انتقامي على قرار المجلس الأعلى للانتخابات، بعدما تسبب قرارها في هبوط الليرة التركية التي لا تزال تكافح من أجل التعافي بعد الهبوط الحاد الأخير الذي حدث في وقت سابق من هذا العام. وعلى الرغم من أن مرشح حزب العدالة والتنمية حظي بالكثير من الدعم خلال الجولة الثانية من الانتخابات المكررة، إلا أن هامش الدعم الواسع الذي ساهم في نجاح مرشح «حزب الشعوب الجمهوري» –وحصول مرشح الحزب على 54 بالمائة من الأصوات مقارنة بـ 45 بالمائة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية – أظهر مدى إحباط الناخبين في إسطنبول من قرار إعادة الانتخابات.
ومع ذلك، كان الاتجاه الملحوظ بشكل خاص في الانتخابات البلدية في إسطنبول هو نجاح مرشح «حزب الشعوب الجمهوري» بفضل أصوات ملايين الناخبين الأكراد في إسطنبول. بينما اتهم أردوغان، «حزب الشعوب الديمقراطي» الموالي للأكراد بتحالف غير معلن مع «حزب الشعوب الجمهوري» المعارض في تلك الانتخابات.
في الوقت عينه، جربت الحكومة التركية عدة طرق بهدف تخفيض نسبة الأصوات الكردية لمرشح «حزب الشعوب الجمهوري». وفي خطوة فعلية من الحكومة بهدف كسب أصوات الناخبين الأكراد الذين يعيشون في إسطنبول، كبرى المدن التركية، أعلنت أنقرة منتصف شهر أيار/مايو الماضي، أن زيارة محاميي الزعيم الكردي عبدالله أوجلان لموكلهم أمرٌ بات مسموحاً، بينما كان ذلك ممنوعاً منذ العام 2011. وبالفعل وفى ذات اليوم الذي أعلنت فيه “اللجنة العليا للانتخابات" عن إلغاء نتائج انتخابات إسطنبول، أعلن محامو أوجلان عن مقابلته. لكن أردوغان لم يفز بدعم الأكراد وخسر أصواتهم في هذه الانتخابات إلى الأبد.
وجاءت تلك المقابلة بعد الرسالة المصورة التي بثها صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشترك السابق لحزب "الشعوب الديمقراطي" في شريطٍ مصور نشره من سجنه الّذي يقبع فيه منذ نحو ثلاثة أعوام والذي طالب فيه الأكراد بالتصويت لمرشح المعارضة في إسطنبول. وكانت خطوة السماح لمحامي أوجلان بمقابلته بمثابة رسالة واضحة من الحكومية التركية للأكراد مفادها "أصواتكم مقابل السلام" مع حزب "العمال الكردستاني" الّذي يقوده أوجلان من سجنه، والذي تعتبره الحكومة التركية منظمة "إرهابية". وتلي رسالة دميرتاش المصوّرة، تصريحات الرئيس الحالي لـ «حزب الشعوب الديمقراطي» سيزاي تميلي والّذي أشار فيها إلى أن حزبه "لم يكن يهدف إلى الفوز برئاسة البلديات، بل كان يسعى لكسر هيمنة الحزب الحاكم".
سعت الحكومة أيضا إلى تشكيل حزب جديد بصبغة كردية، حيث أعلن أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء السابق والرجل الثاني في حزب الحرية والعدالة انه في صدد تشكيل حزبه الجديد في مدينة ديار بكر التي تقطنها أغلبية كردية، وهي واحدة من المدن التي تمت فيها إقالة العمدة المنتخب مؤخرًا واستبداله بمسؤول مُعين من قبل الحكومة. ومن ثم، يهدف أوغلو لجرّ الأكراد لصفه بهذه الخطوة الرمزية من خلال إعلان تشكيل حزبه في كبرى مدنهم.
ومع ذلك، عززت إعادة العملية الانتخابية، وبالتأكيد الإقالات الأخيرة التي طالت رؤساء البلديات المنتمين لـ «حزب الشعوب الديمقراطي»، آراء القادة السياسيون المؤيدون للأكراد والناخبين الأكراد بشكل عام في السياسة التركية، حيث انهم لم يعدوا يثقوا في أي وعود من الرئيس التركي. وعلى الرغم من أن الناخبين الأكراد يدركون أن المعارضة الرئيسية في تركيا ليست أفضل لهم من الحزب الحالي الحاكم، من جهة الاعتراف القومي بهم وبحقوقهم السياسية والثقافية وغيرها، لكنهم رغم ذلك ينحازون لـ «حزب الشعوب الجمهوري» ضد حزب "العدالة والتنمية"، وذلك في تحدّ واضح منهم. وقد يعيد هذا التحدي شيئاً من الوجود الرمزي للأكراد على الصعيد السياسي في البلاد وسط وجود شخصياتٍ ليبرالية في حزب "الشعوب الجمهوري" تنادي بحقوق الأكراد.
لذا يمكننا القول الآن إن الكرة في مرمى أكراد إسطنبول وحزبهم الّذي يمثل ثاني كبرى أحزاب المعارضة في البلاد. فقد قال الأكراد كلمتهم في إسطنبول وسيكونون مركز اهتمام معظم الأحزاب التركية في المستقبل إزاء أي انتخاباتٍ قد تشهدها البلاد.
علاوة على ذلك، تشير الانتقادات الأخيرة لسياسات أردوغان إلى مدى الانشقاقات التي يعاني منها حزبه، حيث انه من المحتمل أن يصبح تحذير أردوغان حقيقيًا، وهو ما سيعطى لـ «حزب الشعوب الجمهوري» فرصة أكبر لتحالف قوي مع "الشعوب الديمقراطي" سيما وأن الأكراد وحدهم لا يستطيعون أجراء تغييرات حقيقية في البلاد دون تحالفاتٍ. ومن ثم، أصبح الكرد جزء لا يتجزأ من المعادلة السياسية التركية وأصبحوا يمتلكون أوراق ضغط فعالة للحصول على حقوقهم المشروعة وتحقيق حلمهم في الحكم الذاتي.