- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
النظام السياسي العراقي وإشكالية ضعف الشرعية: تراجع متوقع في نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات
يشير الإقبال المنخفض المتوقع للناخبين في أول انتخابات لمجالس المحافظات في العراق منذ عقد من الزمن، إلى غياب الثقة الشعبية في النظام السياسي في البلاد.
يستعد العراقيون للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وفقا للدستور العراقي، تحظى مجالس المحافظات بصلاحيات تشريعية وتنفيذية كبيرة، فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف الوزات المختلفة، كما تتمتع بنظام مالي مستقل وصلاحيات وضع ميزانيات العديد من القطاعات مثل التعليم والصحة. وتمتلك مجالس المحافظات السند القانوني لتنصيب أو إقالة المحافظ، كما تتولى الرقابة على الدوائر المرتبطة بوزارات مركزية ومتابعة أداء مدرائها وكوادرها.
تُعتبر هذه الانتخابات المحلية الأولى التي تعقد منذ أكثر من عقد، ومع ذلك، تشير بعض الاتجاهات في الانتخابات الوطنية السابقة إلى أن نسبة مشاركة الناخبين ستكون أقل بكثير مقارنة مما كانت عليه في السنوات السابقة، ففي حين بلغت نسبة المشاركة في أول انتخابات عراقية أجريت في عام 2005 لاختيار أعضاء مجلس النواب 80%، تراجعت نسبة المشاركة بشكل ملحوظ في انتخابات 2021 لتصل الى إلى 41%. ونتيجة التعليمات الواردة من مفوضية الانتخابات بخصوص ضرورة استخدام البايومترية للمشاركة في الانتخابات علاوة على المقاطعة الشعبية، فمن المتوقع أن تتراجع نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها في كانون الأول 2023 اقل من 21%.
وتعكس تلك النسبة المتدنية المتوقعة للانتخابات القادمة الرفض الشعبي للنظام السياسي العراقي الذى يعانى حاليا من أزمة شرعية، وغياب قوى المعارضة الحقيقية لمنافسة الأحزاب السلطة خاصةً بعد مقاطعة تيار الصدري و بعض الأحزاب المدنية، فضلا عن ضعف الأمل بالتغير و تشكيك الناخب بعدم مشروعية الانتخابات واتهام مفوضية الانتخابات بالخضوع لتأثير الأحزاب السياسية والتلاعب بنتائج الانتخابات لمصلحة الأحزاب الحاكمة، وغياب الدور الرقابي في المؤسسات المنتخبة مثل البرلمان ومجالس المحافظات وعدم تطبيق قوانينهم من قبل سلطة التنفيذية.
هناك أيضا إشكاليات قانونية تتعلق بعملية التصويت يمكن أن تؤدى بشكل كبير إلى تراجع نسب التصويت في انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها في 18 كانون الأول المقبل. فوفقا لمفوضية الانتخابات، هناك أكثر من 23 مليون مواطن أسمائهم مدرجة في قائمة الناخبين، لكن فقط 60% منهم تلقى البطاقة البايومترية، وقانونياً يحق لهم الإدلاء بأصواتهم، أي أن هناك أكثر من تسعة مليون (40%) فقدوا حقهم في التصويت قبل بدء العملية الانتخابية. وفى السياق نفسه، صرح المستشار رئيس الجمهورية العراقية والخبير في شؤون الانتخابات، هاوري توفيق، أن "بحسب تعليمات مفوضية الانتخابات أي مواطن لا يملك البطاقة البايومترية لا يمكنه المشاركة في الانتخابات"، وأوضح أن " غياب التيار الصدري والأحزاب المدنية المنسحبة سيكون سبب أخر في ضعف نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
ومن ناحية أخرى، تحاول الحكومة جاهدة من خلال مؤسساتها التنفيذية في 15 محافظة من أصل 18 (محافظات ثلاث ضمن إقليم كوردستان غير مشمولة بالانتخابات)، تعزيز نسبة المشاركة من خلال دعم مفوضية الانتخابات للقيام بمهامها وتوفير كل متطلبات العملية الانتخابية بما يضمن انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة، كما تؤكد على تطبيق النظام الفيدرالي الذي سيمنح سلطات واسعة للحكومات المحافظات. بالإضافة إلى ذلك، أنفقت الأحزاب الحاكمة كل ما لديها من أموال وطاقة لرفع مستوى المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات.
وعلى الجانب الأخر، اعتمدت برامج الأحزاب الانتخابية عدة إصلاحات جوهرية تضمنت:
- القضاء على الفقر، حيث أفادت تقارير وزارة التخطيط العراقية أن 25٪ (11 مليون شخص) كانوا يعيشون تحت خط الفقر في العراق في عام 2022.
- استثناء الطبقة الفقيرة من الضرائب.
- إقرار قانون جديد للضمان الاجتماعي، يحل محل قانون الضمان الاجتماعي العراقي لعام 1971، وسن العديد من الإصلاحات تتعلق بالضمان الاجتماعي للأفراد العاملين في القطاع الخاص.
- تحديد الجهات وتشخيص الأفراد من قتلة المتظاهرين السلميين خلال تظاهرات تشرين 2019.
- الكشف عن مصير المفقودين والعمل على الخروج بمشروعات قوانين تتناول الاختفاء القسري في العراق، وذلك استجابة للتقارير التي بلغ عددها نحو 12000 تقرير حول أشخاص مفقودين على مدى السنوات الست الماضية.
- استيعاب الشباب في مفاصل الدولة.
تعهدت الأحزاب السياسية على العمل على محاسبة الفاسدين ومحاربة الفساد، وتطوير البنية التحتية في المحافظات المتلكئة، ودعم القطاع السياحي والزراعي ومكافحة التصحر.
ورغم أن هذه المقترحات تبدو جيدة على الورق، إلا أن الواقع يشير إلى أن الناخبين العراقيين قد سمعوا هذه الوعود بالإصلاح من قبل خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة، والتي لم يتم تطبيقها على أرض الواقع في نهاية المطاف. لذلك، من غير المتوقع أن تشكل تلك الوعود مصدر جذب للناخبين بحيث تدفعهم للذهاب الى صناديق الاقتراع.
أن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات سيؤدى بالضرورة الى بروز مشاكل تتعلق بشرعية الحكومات المحلية، خاصة أن الحكومة العراقية لا تزال تعاني من نفس الأزمة. في هذه الحالة عندما تتأكل الشرعية يلجأ المواطنون إلى القيام بأعمال عنف معادية للنظام القائم كالمظاهرات والاحتجاجات. وفى المقابل، يتزايد لجوء النظام الى العنف ليضمن بقاءه، وهو ما قد يشكل تهديدا للاستقرار الاجتماعي. ومن ثم، ستكون الانتخابات المقبلة بمثابة مؤشر للأحزاب الحاكمة لمعرفة مدى قبول أو رضا الراي العام عن الحكومة.
وختاما، لن تساهم الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في إنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تمر به العراق، حيث ما زال البلاد يعاني من تفشى الفساد والنزاعات العرقية والقومية التي أدت على تأكل شرعية النظام. علاوة على ذلك، لا يوجد لدى الأغلبية من الشعب العراقي قناعة بالأنظمة التي تأسست بعد عام 2003، وضعف الأمل لديهم في حدوث تغيير سياسي.
وبمجرد انتهاء انتخابات مجالس المحافظات ويكشف العراقيين عن ممثليهم المحليين الجدد، فمن المحتمل أن تُستأنف الاحتجاجات المعارضة للنظام. من جانبها، ما زال أمام القوى المدنية والمعارضة المشاركة في الانتخابات أسبوع آخر لإقناع الناخبين بقدرتها على إصلاح النظام السياسي وكسب الأصوات. ولكن بعيدا عن الاستحقاقات الانتخابية، يجب أن تعمل القوى المدنية والمعارضة على تطوير برنامج سياسي واضح وناضج يستند إلى الخبرة السياسية والمهنية للمرشحين، وأن توفير حلول قابلة للتنفيذ عوضاً عن الوعود الفارغة. ويجب أن يكون الهدف الرئيسي لتلك القوى هو إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي في العراق وإنهاء حكم القوة والمال. ومن ناحية أخرى، فإن استمرار الوضع الراهن سيعني أن إيمان المواطن العراقي بالتغيير من خلال الانتخابات أو الحركات السياسية الجديدة سوف يتآكل أكثر.