- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
القاهرة تعمل على مخاوفها من التطرف بعد أفغانستان
السياسة لم تمر القصة الأخيرة التي أحاطت بتداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مرور الكرام في القاهرة. وترى الأوساط السياسة المصرية أنّها فتحت الباب أمام الجماعات الإسلامية والمتطرفة لاكتساب زخم في جميع أنحاء المنطقة، وأنّ رسائل النظام ترسم إطار الوضع وفقًا لذلك.
ومنذ أيار/مايو الماضي، بدت القاهرة وكأنّها تستعد للعواقب المتعلقة بالقرار الأمريكي المثير للجدل بالانسحاب من أفغانستان. وغيّر شيخ الأزهر أحمد الطياب خطابه من تركيزه المعتاد على التمسك بالتفسيرات التقليدية للنصوص الدينية ودعا بدلًا من ذلك إلى الإصلاح، قائلًا "إنّه "السبيل لبقاء الإسلام دينًا حيًّا وديناميكيًا". ووافق البرلمان المصري على تعديلات قانونية وسعت سلطة الحكومة في إقالة موظفي الدولة إذا تبين أنّ لهم صلات بمنظمات تصنّفها مصر على أنّها جماعات إرهابية، مثل جماعة "الإخوان المسلمين". وعلى المنوال نفسه، استجوب القضاة بطريقة مهينة اثنين من أبرز رجال الدين السلفيين في مصر - محمد حسين يعقوب ومحمد حسان – في خلال جلسة محكمة متلفزة.
في حين تكثّف الخطاب المصري والإجراءات القانونية ضد الإسلاميين في الأشهر التي سبقت الانسحاب الأمريكي، تميّز الخطاب المصري منذ استيلاء طالبان على أفغانستان بثلاثة محاور هي القلق المتزايد من التطرف، والرأي القائل بإنّ الدول الغربية لا تتعامل مع هذا التهديد بجدية، والشعور بأنّ الانسحاب الأمريكي يشير إما إلى ضعف أمريكي أو عدم موثوقيته.
وبالنظر إلى المخاوف من زيادة التطرف، فرض الرئيس عبد الفتاح السيسي واجبًا وطنيًّا على المفكرين المصريين لمكافحة التطرف. وظهر الرئيس على شاشات التلفزيون لدعوة المؤلفين المصريين "الموهوبين" إلى إنتاج أفكار من شأنها إصلاح الخطاب الديني. كما أعطى الضوء الأخضر لبث برامج تلفزيونية في رمضان المقبل لمناقشة قضايا الإرهاب والجهاد. وعلاوةً على ذلك، أعلن السيسي عن استراتيجية جديدة للتعامل مع ملف حقوق الإنسان في البلاد، الذي وصفته الحكومة بأنّه يسعى إلى تحسين أوضاع المصريين العاديين وتعبئة الرأي العام حول الدولة. وجرى تصميم هذا الجهد كوسيلة لتجنب التطرف في أوساط الشباب ذوي الميول الإسلامية إلى جانب الجهود المبذولة لمعالجة المخاوف التي أثارتها واشنطن بشأن سجلّ حقوق الإنسان في مصر.
وركّزت مناقشات المثقفين في أوساط النخبة في القاهرة على بناء الدولة القومية لتعزيز القوة الناعمة الإقليمية التي تضطلع بها مصر مع الحفاظ على ثقافتها محليًّا. وأشاروا إلى جوانب متعددة من ماضي أفغانستان في منتصف القرن العشرين، عندما كان لديها نظام دولة فعّال وكانت تتمتع بعلاقات جيدة مع مصر. ومن أكثر الكتب التي تداولتها وسائل الإعلام المصرية مؤخرًا كتاب "مصرية في بلاد الأفغان"، الذي يروي قصة الأكاديمية المصرية الأولى التي حازت درجة الدكتوراه من كابول في عام 1968 في خلال "زمن ازدهارها".
وتعكس هذه الجهود وجهة النظر القائلة بإنّ عودة طالبان إلى السلطة هي دفعة للإسلاميين في الشتات وتجنيد الإرهابيين. وعلى مدى السنوات السبع الماضية، كان نظام السيسي منسجمًا مع رسالته للإسلاميين بأنّ عهده يختلف عن عهد السادات عندما سُمح للإسلاميين بالعودة إلى الساحة السياسية. وتبدو القاهرة الآن في حيرة أمام ما تعتبره خطابًا غربيًّا ناعمًا تجاه طالبان. وأثارت الصحف المحلية مرارًا مخاوف بشأن دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإجراء محادثات مع الجماعة الأصولية، وقد رحّب المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد بذلك في مقابلة مع صحيفة "بيلد" الألمانية. وعزّز هذا التبادل الاعتقاد في مصر بأنّه ثمّة اهتمام غربي واسع النطاق بإعادة الإسلاميين إلى المنطقة بدرجة كبيرة. وفي كثير من الأحيان، يُفسَّر أي تبادل مفتوح بين القوى الغربية والجماعات الإسلامية أو المتطرفة على أنّه علامة على أنّ هذا هو الحال.
وثمّة أيضًا إجماع واضح في القاهرة على أنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جرى عبر صفقة مع طالبان، وأنّ حكومة طالبان تخدم المصالح الأمريكية بشكل ما. ووصف الدبلوماسي المصري المخضرم مصطفى الفقي بسخرية صعود المجموعة السهل إلى السلطة بأنّه "وصول على حصان أبيض". ويفسّر عدد كبير من المثقفين المصريين هذه الخطوة على أنّها قرار أمريكي تكتيكي للضغط على روسيا والصين من خلال إطلاق العنان للجماعة الأصولية، وهي وجه من وجوه المنافسة الأمريكية الأوسع مع روسيا والصين. ويفيد هذا المنظور التآمري بأنّ الولايات المتحدة ستستفيد أيضًا من الناحية المالية، حيث سيجري تحفيز دول الخليج الثرية على شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية للدفاع عن نفسها من هذا التهديد الجديد.
أما بالنسبة إلى أولئك الذين لا يوافقون على هذا الاعتقاد التآمري، فإنّ استكمال جهود الانسحاب الأمريكية من أفغانستان عزّز وجهة النظر القائلة بإنّ التحالف مع واشنطن ليس مضمونًا بالكامل وإنّ القوة الأمريكية في تراجع. وفي هذا الاتجاه من التفكير، ينبغي توجيه المزيد من الجهود نحو بكين وموسكو لتنويع الأسلحة والخيارات الدبلوماسية. وتُعدّ الأصوات اليسارية والقومية أكبر أبطال هذه الاستراتيجية، ويبدو أنّ الأجواء مبهجة بينهم بسبب الخسارة الأمريكية. فهم يأملون أنّ ما حدث في أفغانستان سوف يتكرّر عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في غضون ذلك، أصبح جهاز الأمن الداخلي المصري في حالة تأهب بشكل متزايد تحسّبًا لعودة الإسلاميين إلى العنف محليًّا والتجنيد المحتمل بين الشباب المصريين للسفر إلى أفغانستان لأغراض الجهاد. وبالفعل، فإنّ المصطلح التاريخي للعرب الأفغان - في إشارة إلى المواطنين العرب الذين قاتلوا ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان في الثمانينيات وعادوا لتنفيذ هجمات ضد حكوماتهم - قد ظهر مجددًا بين خبراء الأمن. ووفقًا للتقديرات المصرية العامة، من المحتمل أن يأخذوا جبال سيناء وليبيا وسوريا كملاذ بسبب البيئة الخصبة لتنفيذ عملياتهم.
وبشكل عام، لا يقلق تقليص القوة الأمريكية القاهرة بالطريقة نفسها التي يثير فيها قلق دول الخليج في المنطقة التي لديها بنية أمنية مشددة مع واشنطن. فما يقلق مصر هو أنّ الفراغ الذي خلّفته أمريكا من المرجح أن يزيد من ذروة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة. ومن ثم، فمن المرجح أن تكون المزيد من الإجراءات القمعية ضد الإسلاميين والجهود الإضافية للتحالفات الإقليمية مع الدول المتشابهة التفكير هي الاستراتيجية التي ستنتهجها مصر في السنوات القادمة عند التعامل مع هذه الوقائع الإقليمية الجديدة.