- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
القبائل العربية والنفوذ السعودي في شمال شرق سوريا
عملت المملكة العربية السعودية مع القبائل السورية في الماضي لتعزيز انخراطها في شمال شرق سوريا، لكن خيبات الأمل القبلية من "قوات سوريا الديمقراطية" والوقائع الجيوسياسية المتغيّرة تؤثّر في هذه العلاقة.
في خلال الأشهر المتعددة الماضية، أثّر كل من الولاءات المتبدّلة والجغرافيا السياسية الخارجية والتهديدات بالتوغل في التحالفات السياسية في سوريا. وبشكل خاص، أدى التهديد الوشيك بالغزو التركي لشمال شرق سوريا - الذي لم يُبذَل أي جُهد مذكور للحد منه في الاجتماع الثلاثي المنعقد بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وإبراهيم رئيسي - إلى ترك "الإدارة الذاتية" تبحث عن الدعم.
في السابق، وفي خلال فترة مقاطعة المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى للحليفتين تركيا وقطر، كان بإمكان "الإدارة الذاتية" الاعتماد على تلقي بعض الدعم من المملكة العربية السعودية. وفي الواقع، أدانت المملكة التوغل التركي في شمال شرق سوريا في عام 2019، وعملت على تطوير بعض العلاقات مع "قوات سوريا الديمقراطية" على مدى السنوات المتعددة الماضية. إلا أن التقارب الجاري - بما في ذلك الزيارات الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد إلى تركيا - أنشأ بعض الشك بشأن ماهية الدعم الذي ستحصل عليه "قوات سوريا الديمقراطية" من الخليج في خلال أي عملية توغل أخرى.
أدت الروابط القبلية القائمة بين الخليج والقبائل العربية في منطقة أعالي الفرات – لا سيما بين الأسرة الحاكمة السعودية وقبيلة الجربا – إلى بروز اهتمام خليجي واضح بالتطورات الجارية في هذه المنطقة من سوريا. وعملت المملكة العربية السعودية كذلك منذ منتصف عام 2018 على تعزيز علاقاتها مع "قوات سوريا الديمقراطية" من أجل تطوير الوجود العربي في المنطقة ومواجهة النفوذ الإيراني. وركّزت قيادتها على الانخراط القبلي المتزايد في "قوات سوريا الديمقراطية"، ما ساعد على دمج عدد ملحوظ من أفراد القبائل في "قوات سوريا الديمقراطية" بهدف الحفاظ على مستوى أساسي من النفوذ في سوريا واستخدام القضية الكردية للضغط على تركيا. كما قدّمت المملكة دعمًا ماليًا لـ"قوات سوريا الديمقراطية" وموّلت مشاريع البنية التحتية في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وفي أواخر عام 2019، قدّمت الرياض مئة مليون دولار لـ"قوات سوريا الديمقراطية" وبعض ممثلي القبائل بهدف تعزيز التعاون مع هذه القوات.
زار وزير الدولة السعودي ثامر السبهان المنطقة والتقى بشخصيات عربية وكردية بارزة. كما زار وفد من "قوات سوريا الديمقراطية" السعودية في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بدعوة رسمية من الحكومة السعودية، وفقًا لمصادر مقرّبة من هذه القوات. وضمّ وفد "قوات سوريا الديمقراطية" قادة مدنيين وعسكريين على حدٍ سواء، وركّزت المناقشات على سبل دعم تطوير الأراضي التي تسيطر عليها القوات، وأيضًا على تحسين العلاقات بين الأكراد والعرب هناك.
تشير بعض التقارير أيضًا إلى أن السعوديين يحاولون تعزيز العلاقات مع القبائل في هذه المنطقة لأن التدخل التركي في منطقة شرق الفرات يزيد من أهمية ولاء سكان المنطقة للمصالح السعودية. وعارضت القبائل باستمرار عمليات التهجير القسري التي تنفذها "قوات سوريا الديمقراطية" ضد السكان، فضلًا عن هدم بعض القرى العربية في المنطقة. وهي تتخذ موقفًا واضحًا ضد تدخل "قوات سوريا الديمقراطية" في المنطقة، وهو يشبه موقف الأغلبية العربية في منطقة أعالي الفرات في سوريا.
بينما يلوح في الأفق احتمال حدوث توغل تركي، أبدت كافة الأطراف الدولية والإقليمية في النزاع مؤخرًا اهتمامًا جديدًا بهذه القبائل وبتطوير وجود قوة عربية إلى جانب القوة الكردية في المنطقة. لكن لا يُحتمَل أن يكون الدعم السعودي لهذه الروابط القبلية مفيدًا لـ"قوات سوريا الديمقراطية" هذه المرة. وهذا صحيح بشكل خاص، إذ شهدت مناطق عدة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام احتجاجات ودعوات إلى قيام ثورة أهلية بين القبائل العربية ضد "قوات سوريا الديمقراطية" وسياساتها القمعية، بما في ذلك التجنيد الإجباري المفروض على سكان المنطقة.
طالبَ شيوخ القبائل وزعماؤها في الرقة والطبقة ودير الزور الأهالي المنتسبين إلى "قوات سوريا الديمقراطية" بالانسحاب من المنطقة. كما شددوا على أهمية توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي للضغط على القوات من أجل الاستجابة لمطالبهم. واتهم المحتجون "قوات سوريا الديمقراطية" بسرقة موارد المنطقة وإنفاقها على العمليات العسكرية. وتظاهروا أيضًا ضد الفساد والنهب، وهما سمة سائدة في مؤسسات "الإدارة الذاتية" وفروعها العسكرية.
توضح المحادثات التي أُجريت مع مختلف النشطاء القبليين في المنطقة أن أفراد القبائل أدركوا أهمية الاستفادة إلى أقصى حد من التقارب الحالي بين تركيا والسعودية والإمارات. ويتطلع هؤلاء الزعماء بشكلٍ متزايدٍ إلى إنشاء قوة اقتصادية وعسكرية مستقلة تعتمد على موارد المنطقة من أجل تشكيل قوة رادعة ضد "قوات سوريا الديمقراطية" ونظام الأسد في حال اجتمع هذان الأخيران. وبالنسبة إلى هؤلاء النشطاء، تبدو هذه الخطوة ضرورية بناءً على تصريحات مسؤولي "قوات سوريا الديمقراطية"، وأعمال روسيا، والحاجة الملحة إلى الحد من نفوذ إيران، التي استغلت السكان على المستوى الاقتصادي. وذكرَ أحد السكان أن أنقرة تعرف مدى أهمية الدعم السعودي والخليجي لاقتصادها في ظل الأزمات والتحولات المتزامنة على الساحة الدولية. ويركّز زعماء القبائل أيضًا على تأمين المؤيدين الإقليميين بسبب تراجع نفوذ الولايات المتحدة في شمال سوريا ودعمها لها.
ستحدد علاقات القبائل أيضًا شكل طبيعة "قوات سوريا الديمقراطية" إذا حدثَ أي قتال. وسيقود التوغل على الأرجح "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، الذي يضم مجموعة كبيرة من العرب المنتمين إلى المجتمعات القبلية نفسها في دير الزور، بما فيها العكيدات والبقارة والبوسرايا والجبور. وأشارت أغلبية المليشيات التابعة لـ"مجلس دير الزور العسكري" – وهي ميليشيات تعمل تحت مظلة "قوات سوريا الديمقراطية" - إلى رفضها الانخراط في أي عمليات عسكرية لمواجهة التوغل التركي الوشيك في المنطقة. وهدد "مجلس دير الزور العسكري" بمغادرة "قوات سوريا الديمقراطية" تمامًا إذا اضطرت ميليشياته إلى المشاركة في مثل هذه العمليات. وسبق أن تم الإبلاغ عن عدد من حالات الانفصال. وفي 7 تموز/يوليو، وثّقت شبكات محلية حدوث حالات انشقاق لرجال القبائل عن "قوات سوريا الديمقراطية". وقالت شبكة "نهر ميديا" إن حوالى 11 مقاتلًا من الشبان الذين جُندوا حديثًا في "قوات سوريا الديمقراطية" قد فروا من معسكر "الفرقة 17" في الرقة.
في حين أن الروابط القبلية العربية كانت تشكل ذات يوم صلة وصلٍ بين "قوات سوريا الديمقراطية" والخليج، يتبين أن هذه الصلة ضعيفة ومتفككة. ولا يؤدي التقارب الجاري بين دول الخليج وتركيا سوى إلى زيادة عزلة "الإدارة الذاتية"، وبالتالي تتطلع القيادة الكردية إلى إنشاء شراكة مع نظام الأسد المدعوم من روسيا. إلا أن اتخاذ أي خطوة مشابهة سيؤدي على الأرجح إلى تفاقم التوترات أكثر وأكثر بين القوات القبلية العربية والكردية في المنطقة، وإضافة طبقة أخرى من التعقيد إلى الوضع المتدهور أساسًا.