- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
القضية الجنوبية - أمال وتحديات
سمح "مؤتمر الحوار الوطني" المنعقد عام 2014 بمناقشة مسهبة للقضية الجنوبية في اليمن. ويتعيّن اليوم على كافة الجهات المساهمة في تطبيق الحلول التي تمّ التوصل إليها في المؤتمر وفي اتفاق الرياض المبرم في الآونة الأخيرة من أجل ضمان تحقيق حل عادل للقضية الجنوبية.
في 25 كانون الثاني/يناير 2014 اختتم اليمنيون مؤتمر للحوار الوطني الشامل استمر أكثر من عشرة أشهر، ناقش فيه ممثلون عن مختلف القوى السياسية والاجتماعية أعقد القضايا والأزمات المزمنة التي يعاني منها اليمن، وفي مقدمتها القضية الجنوبية، وخرج المؤتمر -الذي شكل الجنوبيون نصف أعضائه- بوثيقة إجماع وطني حظيت بدعم وتأييد دولي كبير تمثل في قرارات وبيانات مجلس الأمن التي جسدت الإجماع الدولي تجاه اليمن، والتي كان أهمها القرار 2140 الذي صدر عقب الانتهاء من مؤتمر الحوار بأسابيع، وتضمن عقوبات تحت الفصل السابع ضد المعرقلين للعملية السياسية.
فتح مؤتمر الحوار الوطني مجالا واسعا لنقاش القضية الجنوبية وطرقها من جميع الجوانب التي تهم المواطن الجنوبي، لتخرج من كونها قضية طرف فقد السلطة إلى كونها قضية شعب بكل تنوعاته. وقد شارك في مراحل نقاش القضية الجنوبية التي اعتبرت من أهم قضايا الحوار الوطني فصائل وسياسيون من مختلف المكونات على امتداد المراحل السياسية التي مر بها الجنوب. كما طرحت مسألة البحث في جذور القضية الجنوبية، واستوعبت فيها رؤى المكونات والفصائل الجنوبية والوطنية المختلفة.
وبرعاية من رئيس الجمهورية ودعم أممي وبحكمة وصبر المتحاورين نجح مؤتمر الحوار الوطني في وضع حلول للقضية الجنوبية، هي أفضل ما أنتجه العقل السياسي اليمني، حيث تم التوصل الى صيغة مشروع لدولة مدنية اتحادية ضامنة لحقوق جميع المواطنين شمالا وجنوبا.
أما فيما يخص الجنوب فقد نجح مؤتمر الحوار الوطني في وضع حلول وضمانات من خلال مشروع الدولة المدنية الاتحادية لبت أهم ثلاثة مطالب مختلفة للجنوبيين وهي:
أولا: معالجة أخطاء إدارة الوحدة التي انتهجها نظام صالح بعد حرب 1994، حيث أعادت مخرجاتُ الحوار الوطني الجنوبَ الى قلب الشراكة الوطنية بالمناصفة مع الشمال في كافة سلطات الدولة العليا.
ثانيا: منح المحافظات الجنوبية - من خلال نظام الأقاليم المتعدد- حقها في الشراكة في الثروة والسلطة الذي حرمت منها منذ 1967
ثالثا: معالجة مشكلة الإقصاء وآثار الصراعات الجنوبية المتراكمة. من خلال إقرار المؤتمر لمبدأي المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ووضع أسس بناء نظام مدني تعددي في مختلف مستويات الحكم الولائية والإقليمية والمركزية.
لم تلق مخرجات الحوار الوطني طريقها الى التطبيق، حيث قام الحوثيون بدعم من ايران وتحالف مع الرئيس السابق صالح بانقلاب عسكري على مخرجات الحوار الوطني، وأسقطوا مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، وسيطروا على معظم مناطق الشمال وصولا الى مدينة عدن الجنوبية، الأمر الذي واجهته القيادة الشرعية بدعم المقاومة الشعبية واستدعاء تحالف عربي واسع بقيادة المملكة العربية السعودية في أذار/مارس 2015. وخلال أربعة أشهر نجحت المقاومة الشعبية بدعم التحالف من طرد مليشيات الحوثي صالح من مدينة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى.
انفتح الرئيس هادي بشكل كبير على المكونات الجنوبية التي لم تقبل بمخرجات الحوار من قبل، وسعى لإدماجها في العملية السياسية وإشراك قياداتها في السلطة بمنحهم مقاعد في الحكومة وتسليمهم إدارة العاصمة المؤقتة عدن وعدة محافظات أخرى، بهدف تجسيد مشروع الدولة اليمنية الاتحادية واقعا من المحافظات الجنوبية وصولاً لتحرير العاصمة صنعاء.
لكن الأمور لم تسر بالشكل المطلوب، حيث لم ينته عام 2016 حتى بدأت الخلافات تظهر بين الحكومة اليمنية وبعض دول التحالف وتحديدا دولة الإمارات العربية المتحدة، وأصبحت المناطق المحررة ساحة للتنازع والاستقطاب بين الحكومة الشرعية وأحد حلفائها، و في مثل هذه الأجواء تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم إماراتي كامل، ليصبح منذ تأسيسه في أيار /مايو 2017 بمثابة الواجهة السياسية للتشكيلات العسكرية الخارجة عن الشرعية في المحافظات الجنوبية، وليدخل الجنوب منذ هذا التاريخ دوامة جديدة من الصراع بلغت ذروتها في آب/ أغسطس 2019 بطرد الحكومة الشرعية من مدينة عدن ثم حاولت قوات المجلس الانتقالي التمدد شرقاً باتجاه أبين وشبوة وحضرموت لكنها انكسرت وعادت للتمترس في العاصمة عدن وأجزاء من محافظات أبين ولحج والضالع.
وجدت المملكة العربية السعودية نفسها بصفتها قائدة تحالف دعم الشرعية مسؤولة أمام هذا الوضع الذي أحد طرفيه دولة عضو في التحالف، فوجهت دعوة للحكومة الشرعية وللمجلس الانتقالي لحوار تمخض عنه اتفاق سياسي وعسكري تم توقيعه في مدينة الرياض في نوفمبر 2019، يقضي بسحب المجلس الانتقالي لقواته من مدينة عدن مقابل اشتراكه في الحكومة الشرعية ومشاورات الحل السياسي.
تعثرت اللجان المشتركة المكلفة بتنفيذ اتفاق الرياض، بسبب انسحاب المجلس الانتقالي عن تنفيذ الشق العسكري، وهنا دخل الطرفان مجددا في مواجهة مسلحة كانت ساحتها محافظة أبين التي شهدت معارك دامية لم تحسم لأي من الطرفين، ثم تصاعدت الأحداث في جزيرة سقطرى الاستراتيجية انتهت بسقوط الجزيرة في يد قوات تابعة للمجلس الانتقالي، وأصبحت الجزيرة خارج سلطات الحكومة الشرعية.
عادت الوساطة السعودية من جديد بخطوة أطلق عليها آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض، قبلت بها الحكومة الشرعية وتم تعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن من مرشحي المجلس الانتقالي، مقابل ضمانات سعودية أن يتم تنفيذ الشق العسكري وخروج قوات المجلس الانتقالي من عدن وعودة الأوضاع في جزيرة سقطرى الى وضعها السابق خلال شهر، يتم بعدها تشكيل حكومة يشارك فيها المجلس الانتقالي.
مع دخول شهر أيلول/سبتمبر الجاري انتهت المدة المحددة في الاتفاق ولم يتحقق أي تقدم في الملف العسكري والأمني ولا في جزيرة سقطرى، وهذا يعقد المشهد ويجعل القيادتين اليمنية والسعودية أمام تحديات صعبة، فإما أن ينجحا في تنفيذ اتفاق الرياض وتشكيل حكومة وعودتها الى عدن، أو أنهما سيقفان أمام كارثة تعم اليمن بشكل عام بسبب تردي الاقتصاد اليمني وتدهور الجانب الصحي والتعليمي وغيره من الجوانب الخدمية، وتنامي الكيانات المسلحة الخارجة عن القانون والمزعزعة للسكينة والأمن، ويهيئ ذلك كله المناخ لجماعات العنف والإرهاب للعمل في ظل غياب مؤسسات الدولة.