- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
القوة في الحوار: هذه هي حال برلمان حكومة إقليم كردستان
من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية الكردية في 30 أيلول/سبتمبر، إلا أنّ حكومة إقليم كردستان تواجه عددًا من الأزمات - السياسية والاقتصادية والاجتماعية بصورة عامة. وتتراوح تلك الأزمات ما بين عدم كفاية الخدمات، والبيروقراطية المختلة ، والتفتت السياسي، وانعدام الثقة بين النخب السياسية على نطاق واسع ، والتدخل الإقليمي القوي ، وأكثر من ذلك. ويظهر تأثير هذه الأزمات بشكل واضح على شعب كردستان، وقد يؤثر على إقبال الناخبين ومشاركتهم، وكذلك على الثقة العامة في المؤسسات السياسية. وإن لم يسلّط السياسيون الضوء على هذه القضايا ويضمنوا قدرًا أكبر من الشفافية بين العملية السياسية والشعب الكردي، فإن الثغرة بين المواطنين والنخبة ستستمر في الاتساع. كما أنّ التأكيد على دور البرلمان وضمان قوته - بدلاً من التحول إلى شكل من أشكال الحكومة يوفر صلاحيات متزايدة للرئيس - يشكّل أحد السبل الرئيسية لضمان عكس مسار الاتجاهات السلبية في السياسة الكردية.
وتشكّل المؤسسة البرلمانية قلب الأزمات الحالية في الحياة السياسية الكردية. وفي حين تتوقع فيه أصوات عامة الشعب في غالب الأحيان أنه سيتم منح البرلمان المزيد من السلطة، تحاول النخب السياسية الآن "ترشيد" المؤسسة على النمط الفرنسي، ما يُضعف قدرة الهيئة التشريعية على الحكم. وتمثّل المعركة التي تدور حول دور البرلمان المستقبلي في ما يتعلق بالسلطة التنفيذية أحد التحديات الكثيرة التي تواجه المنطقة، لكن الحفاظ على هذه المؤسسة أمر حاسم من أجل تزويد حكومة إقليم كردستان بالسلطة الحاكمة المناسبة لمواجهة التحديات الأخرى. كما يعمل البرلمان كمساحة هامة حيث يمكن للجهات المختلفة أن تجتمع وتتعامل مع اختلافاتها بسلام بدلاً من الاعتماد على حروب وسائل الإعلام أو حتى القوة. فعندما تم تطبيق هذين التكتيكَين في الماضي، تمزّقت المنطقة، وقد يحدث ذلك مجددًا. لذلك، من خلال السماح بوجود مساحة يمكن فيها الاستماع إلى جميع أطراف النقاش على قدم المساواة، لن يشعر أي جانب بالتهميش الذي بدوره يدفع المجموعات بعيدًا عن السياسة ويأخذها نحو أخطر أشكال النقاش.
ومن الضروري عقد اجتماعات وجهًا لوجه وإجراء مناظرات وتبادلات لضمان صحة السياسة الكردية أكثر من أي وقت مضى. ولطالما واجه الأكراد تحديات خارجية، لكن الاحتكاك الداخلي في الوقت الراهن أصبح يشكل خطرًا على المصالح الكردية أكثر من أي طرف آخر. وتجدر الإشارة إلى إنّ عدم توافر السبل للتوسط في النزاعات السياسية يعني أن الحجج السياسية تستهلك بشكل متزايد وقت السياسيين وطاقتهم، حيث بإمكانهم أنّ يركزوا على تحديات عدة أخرى تواجه إقليم كردستان، مثل التضخم والبطالة. كما أنّ إسناد الأولوية للنزاع السياسي بدلاً من التحديات التي تواجه عامة الشعب ينفّر الناخبين، ولا سيما الشباب منهم. أمّا الشباب الذين يشكلون أغلبية السكان في إقليم كردستان فلا يرون أمامهم الآن سوى فرصةً ضئيلةً للاستفادة من ثروة المنطقة، الأمر الذي يؤدي إلى إحباط شديد.
ومن الحجج الشائعة التي قُدّمت لإضعاف النظام البرلماني أن برلمان حكومة إقليم كردستان لا يعمل بشكل مثالي، غير أنّ البرلمان الذي يعمل بطريقة سليمة لا يأتي تلقائيًا، بل يتطور مع مرور الوقت من خلال الممارسة والتعلم من أخطاء السياسيين السابقين. وفي نهاية المطاف، لم يتم تأسيس البنية البرلمانية في إقليم كردستان سوى من ربع قرن. فبدلاً من التركيز على عيوبها، ينبغي فهم النظام في سياق بدائله، أي الثورات والانقلابات. وإنّ هذه البدائل معقدة، إذ في الشرق الأوسط غالبًا ما يكون هناك التباس بين الاثنين.
وفي المقابل، يقدم النظام البرلماني عادةً الاستقرار والتطوير المُقاس للأهداف السياسية. فتكون هيبة السلطة والسياسة غير متمحورة حول بضعة أشخاص فحسب، كما يتم تشجيعها على الارتباط بنجاحات الأطراف عند التشريع. وفي هذا الإطار، يجادل العالِم الإيراني همايون كاتوزيان بأن الافتقار إلى البرلمانات الفعالة والقوية هو أحد العوامل الرئيسية لغياب الاستقرار في الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، وهي حقيقة يمكن تطبيقها على إقليم كردستان العراق أيضًا. أمّا إحدى العقبات الرئيسية في المنطقة، بشكلها الحالي، فتكمن في استمرار الاقتتال بين السياسة - كما تشجع البرلمانات على التسويات السياسية والتحالفات التي يمكن أن تحمي من الأساليب القبلية المعتمدة في السياسة والتي تفضل مصلحة الجماعات الأصغر على المصالح الفردية والإقليمية. وإذا كانت الديمقراطية هي النموذج السياسي المطلوب، فعندئذ لا بد من وجود برلمان فعال.
وبالنظر إلى الأهمية الشديدة للنظام البرلماني في التوصل في النهاية إلى نتيجة إيجابية بالنسبة إلى السياسة الكردية، تظهر بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل تحسين الأزمة الحالية. أولاً، يجب أن يتم التركيز على تعزيز المؤسسة بهدف جعلها مركز تنسيق لكافة القضايا الإقليمية، ومن بينها التحديات مثل القوى المجزأة، وغياب العلاقة المدنية - العسكرية، وسيادة القانون، والحكومة الرشيدة، إلى جانب التحديات الأخرى التي تتم مناقشتها في الكثير من الأحيان في أطر غير منظمة خارج البرلمان. ثانيًا، يجب منح البرلمان مجالاً أكبر للعمل بصورة سليمة، أي منحه سلطة الحكم لوضع حلول تشريعية من أجل توحيد قوات البشمركة، ودعم المجتمعات المدنية، وتعزيز القضاء والتنظيم المنهجي للاقتصاد على أساس مناقشات المؤسسة.
ويحتل البرلمان الكردي مكانةً فريدةً في المنطقة. فعندما يعمل بشكل فعّال، يمكن أن يكون قدوةً لعملية إرساء الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، ولا سيما بصفته البرلمان الوطني الفرعي الوحيد. ومن ناحية أخرى، يشير ضعف البرلمان إلى ضعف الديمقراطية في الشرق الأوسط. وإذا كانت سياسة الولايات المتحدة داعمةً لـ"كردستان قوي وعراق قوي"، فلا بد من إقامة برلمان فعّال يمثّل الشعب في أربيل.
وفي الماضي، عندما تعاملت القوى الخارجية مع حكومات تنفيذية قوية وأصحاب نفوذ في الشرق الأوسط، تجلّت الحكومات الهشة التي قمعت مواطنيها ردًا على ضعفها هي، وأقصت الكتل التي لا تثق في حكوماتها. وفي حين قد يبدو النظام الرئاسي للولايات المتحدة نموذجًا جذابًا يُحتذى به، يتطلب تاريخ العراق ومجتمعه نظامًا - وليس فردًا - من أجل الجمع بين مختلف الأطراف مع تجنب التجزئة أو المركزية القمعية. فمن خلال برلمان فعّال قوي، يمكن للحكومة العمل من أجل تقليص الفجوة بين الشعب والنخب الحاكمة – ما يدل على وجود حكومة قوية بحق.