- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الرسالة الخاطئة في التوقيت الخاطئ
Also published in "تابليت"
على الرغم من أن بعض الآراء التي تدعو إلى خفض المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل تنبع من دوافع مفهومة، إلّا أن تنفيذ مثل هذه الأفكار حالياً لن يؤدي سوى إلى تشجيع الأعداء وزيادة احتمالية النزاع.
عندما يتفق ثلاثة كتّاب يختلفون في الرأي مثل نيكولاس كريستوف وجاكوب سيغل وليل ليبوفيتز على إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل، فهذا أمر جدير بالملاحظة. لقد كتب سيغل وليبوفيتز في مجلة "تابليت" عن قناعتهما بأن المساعدة تمنح الولايات المتحدة حق النقض ضد الأعمال الإسرائيلية، وتدر الأرباح لمصنعي الأسلحة الأمريكيين، وتعزز الفكرة الخاطئة السائدة لدى النقاد الإسرائيليين بأن إسرائيل مُنحت صلاحية تامة. ويناقش ليبوفيتز وسيغل عن حق النقطة الأخيرة باعتبار أنها غير صحيحة وأنها تخدم أيضاً أهداف الذين يتهمون المدافعين عن إسرائيل في الولايات المتحدة بخدمة مصالح إسرائيل على حساب أمريكا. ولا يخفى على أحد هنا التلميح إلى الولاء المزدوج الذي لطالما شكل تعبيراً مبتذلاً معادياً للسامية. ويرى سيغل وليبوفيتز في إنهاء المساعدة العسكرية لإسرائيل طريقة للتخلص من هذه الحجة المهمة التي يعتبرانها سبباً ثانوياً يدعو إلى إنهاء المساعدة. وفي هذا الإطار، يعتقد سيغل وليبوفيتز أن إسرائيل ستكون أفضل حالاً بدونها إذ سيقلّ النفوذ الأمريكي على إسرائيل، وهذا يعني أن واشنطن لن تقيّد حرية تصرف إسرائيل، وأن هذه الأخيرة ستحظى بحرية "التسوق في السوق المفتوحة" من دون أن تبقى متقيّدة بالمعدات الأمريكية وتجاوزات التكلفة والمشاكل الفنية.
وفي السياق عينه، ظهرت بعد بضعة أيام وجهة نظر مختلفة لكريستوف في صحيفة "نيويورك تايمز". فهو يرى التكاليف المرتفعة البالغة قيمتها 3.8 مليارات دولار سنوياً من المساعدات العسكرية لإسرائيل على أنها غير ضرورية لأن إسرائيل لم تعد دولة فقيرة وهي تتفوق على اليابان وعدد من دول أوروبا الغربية في "حلف شمال الأطلسي" من ناحية نصيب الفرد من الدخل. وعلاوةً على ذلك، يبحث كريستوف في كيفية استخدام هذه الأموال لمساعدة البلدان الفقيرة مثل النيجر التي هي في أمس الحاجة إلى المساعدة. ومن الإنصاف القول إن كريستوف يتحدث عن البدء بنقاش وليس عن وقف المساعدة الأمريكية العسكرية لإسرائيل فجأة، ولكن من الواضح أن الهدف هو التوصل إلى إنهائها.
لعل سيغل أو ليبوفيتز أو كريستوف لا يقصدون الانضمام إلى أولئك الذين ينتقدون إسرائيل بشكل متزايد - والذين يرغبون في رؤية الولايات المتحدة تمارس ضغطاً حقيقياً عليها من خلال قطع المساعدات العسكرية وإنهاء الدعم السياسي لها. لكن هذا هو بالتأكيد التأثير الذي ستتركه مقالاتهم. نعم، حتى الذين يؤيدون إسرائيل عموماً قد يفضلون ممارسة الضغط في وقت تضم فيه حكومة إسرائيل قوميين مسيانيين وأحزاباً دينية متشددة - وتدفع لتنفيذ أجندة يَعتقد العديد من الإسرائيليين أنها تهدد الهوية الديمقراطية للبلاد. ويريد هؤلاء الإسرائيليون ومؤيدوهم في الولايات المتحدة أن يظهروا الكلفة الباهظة لسياسات حكومة نتنياهو والضرر الكبير الذي تلحقه بمناصرة إسرائيل في أمريكا والعالم. وجاء اعتماد الكنيست مؤخراً للقانون الذي يلغي بند المعقولية في قرارات المحاكم ليعزز هذا التوجّه.
وربما يمكن تفهّم هذا التفكير، ولكن هل أن وقف المساعدات العسكرية هو الأداة المناسبة لتحقيق ذلك؟ كلا. ويتصرف سيغل وليبوفيتز وكريستوف عموماً كما لو أن وقف المساعدة لن يؤثر بطريقة تُذكر في قراءة الإيرانيين و"حزب الله" للوضع والدعم الأمريكي لإسرائيل. فقد ترجم الطرفان بالفعل الاضطرابات في إسرائيل على أنها ضعف إسرائيلي، وتعددت عمليات "حزب الله" على مدى الأشهر القليلة الماضية وشملت العمل الإرهابي الذي نفذه أحد النشطاء في منطقة مجيدو والسماح لحركة "حماس" بإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، فضلاً عن أعمال تزداد استفزازاً على طول الحدود، مما يدل على أن حسن نصر الله أصبح أكثر استعداداً للمجازفة. فإذا أوقفت الولايات المتحدة مساعدتها الآن أو عقدت النية على ذلك، سيزيد الإيرانيون و"حزب الله" من مجازفاتهم ويعززون احتمالية الصراع. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل تحتاج إسرائيل إلى صراع متعدد الجبهات؟ وهل يخدم ذلك مصالح أمريكا؟
لا يريد كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين خوض الحرب الآن، وهم يعارضون بالإجماع وقف المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل، علماً أن معارضتهم لا تنبع من مصلحة مالية مرتبطة بهذه المساعدة. لقد استشهد سيغل وليبوفيتز بالجنرال المتقاعد غيرشون هكوهين لدعم دعوتهما إلى إنهاء المساعدة، ولكن هذا الأخير لا يمثل تفكير القيادة الأمنية العليا في إسرائيل. علاوةً على ذلك، إن الحجة القائلة إن إسرائيل يجب ألا تتقيد بالمعدات العسكرية الأمريكية هي حجة خاطئة، لأن كل قائد إسرائيلي يريد الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وهذا يتحقق بالمعدات الأمريكية. فلا تزال الأسلحة الأمريكية متطورة ومطلوبة بشدة من الجميع، وإسرائيل لا تحتاج إلى طائرات من طراز "إف-35" فحسب بل أيضاً إلى طائرات من طراز "إف -15 أي" للقيام بمهام بعيدة المدى. علاوة على ذلك، فإن تطوير إسرائيل لنظام "الشعاع الحديدي" (وهو نظام دفاعي قائم على الليزر يمكن أن يكون وسيلة فعالة من حيث التكلفة لتغيير قواعد اللعبة في مواجهة عشرات الآلاف من صواريخ "حزب الله" وطائراته المسيّرة) يتطلب مزيداً من المساعدة الأمنية من الولايات المتحدة لتشغيله في أسرع وقت ممكن. (سيكون نظام "الشعاع الحديدي" مفيداً أيضاً للجيش الأمريكي وهو مثال آخر على الكيفية التي تفيد بها مساعدة الولايات المتحدة الأمنية لإسرائيل القوات الأمريكية أيضاً.)
لا ينبغي التفكير في تأثير وقف المساعدة الأمنية على إسرائيل وإيران أو "حزب الله" فحسب، بل على الآخرين في المنطقة أيضاً. فقد قال رؤساء الولايات المتحدة مراراً وتكراراً إن التزام أمريكا تجاه إسرائيل "راسخ وثابت" - وبطبيعة الحال يمكن ربط قطع المساعدة العسكرية بإعادة التأكيد على التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل. ولكن في الوقت الذي يشك فيه السعوديون والإماراتيون وغيرهم في المنطقة بقدرة الولايات المتحدة على الصمود في المنطقة، فإن الإعلان عن وقف المساعدة العسكرية لإسرائيل سيعزز وجهة نظرهم بأن الولايات المتحدة ستغادر الشرق الأوسط، وسيعزز ذلك بالتأكيد ميلهم الفطري إلى حماية أنفسهم من المزيد من الرهانات الوقائية - وهو أمر بالكاد من المحتمل أن يخدم المصالح الأمريكية.
باختصار، سواء فكر المرء في مصلحة الولايات المتحدة أو في مصلحة إسرائيل، فإن وقف المساعدة العسكرية لإسرائيل في هذا الوقت هو أمر خاطئ لأنه سيرسل إشارة خاطئة في الوقت الخاطئ وسيزيد من خطر نشوب صراع في المنطقة.
دينس روس هو وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن، وعمل سابقاً في مناصب رفيعة في الأمن القومي الأمريكي مع إدارات ريغان وبوش وكلينتون وأوباما، شملت منصب كبير مبعوثي كلينتون للشؤون العربية الإسرائيلية. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "تابليت".