- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الرياض تُصلح علاقاتها مع قطر في وقت تستعد فيه للتعامل مع إدارة بايدن.
يمكن لقطر أن تقوم بدورها كوسيط مهم بين المملكة العربية السعودية وبين البيت الأبيض الديمقراطي.
في الفترة التي سبقت انعقاد القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي وأثناء انعقادها في أوائل كانون الثاني /يناير 2021، أعربت المملكة العربية السعودية عن رغبة مفاجئة للمصالحة مع قطر، وهو ما يبدو انه يتعارض مع مصالحها في عدة نواحي. وعلى الرغم من أن قطر لم تبدى أي بادرة للامتثال لأي من الشروط التي وضعها الرباعي العربي لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، إلا أن السعودية دفعت دول الرباعي الأخرى إلى المصالحة مع قطر بحماس وتصميم كبيرين. ونظرا لأن هذا المجهود يبشر بفوائد ضئيلة على الساحة السياسة الإقليمية، فمن المحتمل أن يكون اهتمام السعودية بالمصالحة نابع في الأساس من محاولاتها لتحسين العلاقات مع إدارة بايدن الجديدة في واشنطن.
ولوحظ أن قمة التعاون الخليجي لم تعقد أي جلسة عمل ولم تعقد أي لقاءات ثنائية بين رؤساء الوفود التي شاركت في القمة – كما جرت العادة. وعوضاً عن ذلك، حصر ممثلي القمة إجراءات القمة هذا العام في جلسة واحدة وقعوا خلالها اتفاق مصالحة ينهي الأزمة الدبلوماسية مع قطر، ذلك إلى جانب إصدار بيان ختامي للقمة. ويذكر أن تلك الإجراءات والبيان الختامي قد تم إعدادهما مسبقًا، حيث توسطت الكويت بين المملكة العربية السعودية وقطر وذلك تحت مرأى وسمع دول الخليج الأخرى ومصر.
يمثل اتفاق المصالحة نهاية للنزاع الذي استمر ثلاث سنوات بين قطر والتحالف السعودية الذي يضم الإمارات والبحرين ومصر. وفي عام 2017، ونتيجة الدعم القطري للإخوان المسلمين واستضافتهم على أراضيها، وعلاقة قطر بإيران، فرضت الدول الأربعة في التحالف (المعروف باسم ``الرباعي العربي '')، حصارًا صارمًا على قطر وقاموا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع هذه الإمارة الصغير الغنية بالنفط. ومن ثم، طرحت تلك الدول قائمة مكونة من ثلاثة عشر مطلبًا وأشارت الى أن تلبية هذه المطالب ستساعد قطر على استعادة علاقاتها مع دول الرباعي وإنهاء الحصار المفروض عليها.
الآن، وحتى مع عدم ذكر المطالب الثلاثة عشر، فإن سلوك القيادة السعودية والهيكلة الحالية لقمة مجلس التعاون الخليجي يشيران الى اهتمام سعودي كبير برأب الصدع مع قطر. ووفق المعلومات المتوفرة خليجيا، كانت الرياض هي من دفعت من اجل تجديد الوساطة لتحقيق المصالحة وطلبت من الرئيس السابق ترامب التدخل والضغط على الدوحة للقبول بالمصالحة، الأمر الذي دعا قطر أن تشترط وقف حصارها أولا وهذا ما تم. وفى هذا الصدد،
أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان – استعادة الدول الأربع لعلاقاتها الديبلوماسية مع الدوحة وفتح أجوائها أمام الرحلات الجوية من والى قطر. كما ستفتح المملكة العربية السعودية حدودها البرية مع قطر، مما يتيح لأخيرة إعادة استخدام حدودها البرية الوحيدة.
وكجزء من النهج الحماسي الجديد الذي تتبناه المملكة العربية السعودية في علاقاتها مع قطر، رحب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي مثل المملكة العربية السعودية في غياب الملك سلمان الواضح (وان كان يعتقد أنها لأسباب مرضية عارضه)، بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ترحيباً حاراً. ولدى وصول الشيخ تميم إلى قمة العلا استقبله ولي العهد بالعناق على مدرج المطار كما اصطحب بن سلمان ضيفه في جولة في أنحاء المواقع الأثرية والطبيعية لمنطقة العلا.
ومما يثير الدهشة هو أن حماس ولى العهد لم يتطابق مع أي ذكر علني لالتزامات قطر تجاه السعودية وحلفائها مقابل إعادة فتح الحدود، واستعادة العلاقات الديبلوماسية بينهم. كما أعلن وزير الخارجية السعودي انه تم الاتفاق على طي صفحة الماضي وان الدول الأطراف أكدت تضامنها في عدم المساس بسيادة أي منها أو تهديد امنها، أو استهداف اللحمة الوطنية لشعوبها ونسيجها الاجتماعي باي شكل من الأشكال ووقوفها التام في مواجهة ما يخل بالأمن الوطني والإقليمي لأي منها " وأشار الأمير فيصل بن فرحان الى التزام كل الدول بإنهاء مواضيع الخلاف وان يتم ذلك من خلال المباحثات الثنائية والتي ستهدف الى تعزيز التعاون والتنسيق في ما بينها خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة بجميع صورها. "
ولم تنشر أي من الحكومتين تفاصيل عن أي آلية تتعلق بحل خلافاتهما أو معالجة الاتهامات التي حكمت علاقاتهما المريرة على مدى السنوات الثلاث الماضية. وبدلا من ذلك، وكما ذكرنا سالفا، أكد الطرفين على ضرورة التوقف عن التدخل في الشئون الداخلية لبعضهم البعض، والتوقف عن احتضان أي نشاطات للمعارضين السياسيين، ووقف حملات الحض على الكراهية للأنظمة. وهذا يعني أن كل مشاكل الخلاف التي أدت الى الأزمة مع قطر سيتم بحثها والتفاوض بشأنها أولا وأولها الاتهامات الموجهة للدوحة بالتدخل في الشؤون الداخلية لخصومها.
هذا الخلل في اتخاذ إجراءات ملموسة بشأن قضايا الخلاف الرئيسية يعني انه رغم توقيع الدول الثلاث الحليفة للسعودية على بيان المصالحة إلا انه يبدو تماما أن هذه الدول "ليست راضية " على مصالحة قطر بدون أي شرط سوى تعهدات بشأن وقف التحريض الإعلامي القطري ضد هذه الدول والتنازل عن القضايا المرفوعة من قطر دوليا ضد الدول الأربع. وهذا ما أشارإليه وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بحديث صحفي بعد قمة العلا حين أعرب عن أمله في أن تحظى الدول الأخرى المتورطة في نزاع الخليج بـ "الإرادة السياسية ذاتها التي يتمتع بها السعوديون". ومع ذلك، وفى حال الفشل في تحقيق المطالب الملموسة التي تتبناها دول الرباعي، فمن غير المرجح أن تثير هذه الصفقة الحماس من جانبهم.
لذلك، يمكن وصف صفقة المصالحة على أنها تراجع من قبل السعودية عن مواقفها وشروطها المتشددة تجاه قطر، حيث تبدو هذه الخطوة غير منطقية ومتناقضة مع المصالح السعودية، لا سيما بالنظر إلى مواقف دول الرباعي الأخرى. فلماذا غيّرت السعودية موقفها العدواني ضد قطر وتراجعت عن شروطها وشروط حلفائها في إنهاء المقاطعة؟
وفي حين يرى بعض المحللين الخليجيين في هذه الخطوة على أنها إشارة لتوجيه ضربة "مؤلمة" لإيران، يبدو أيضًا أن الرياض كذلك تعمل على ترتيب أوراقها وأوضاعها للتعامل مع الرئيس الأمريكي جو بايدن. وترى السعودية أن علاقة قطر مع الإدارة الأميركية الجديدة ستكون الأفضل بكثير من علاقتها مع الرئيس السابق دونالد ترامب. وبالطبع، لا تريد الرياض أن تنسج قطر علاقات مع البيت الأبيض على حسابها، بل قد تريد الرياض أن تصبح قطر جسرا لها نحو الرئيس بايدن ما يسمح لها بالتعبير عن مخاوفها دون أن يمنعها الموقف الحالي المعادي لها من قبل الديمقراطيين في واشنطن.
وكما رأينا في التصريحات السعودية بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية 2020، صارت السعودية تؤمن بان المصالح الامريكية الاستراتيجية مع المملكة تجعل واشنطن لا تستغني عنها وعن استمرار العلاقات الاستراتيجية معها حتى ولو كانت أي إدارة أميركية "غير ودودة" تجاه الرياض. ولكن الرياض تعلم أيضا أن الإدارة الامريكية الجديدة والرئيس بايدن وكبار مسؤولي الحزب الديمقراطي لا ينظرون بـ "ود" تجاه ولي العهد السعودي لاسيما انه كانت له علاقات شخصية وطيدة مع الرئيس ترامب، وتعلم الرياض أن الحزب الديمقراطي هو الذي تبنى الضجة بشأن جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بمبنى القنصلية السعودية في إسطنبول قبل أكثر من عامين، وان قادة الحزب الديمقراطي هم من يثيروا قضايا المعتقلين السياسيين وحقوق الإنسان في المملكة. وبالنسبة لقضايا المعتقلين الحقوقيين لوحظ أن الرياض تستعجل الانتهاء من هذه القضايا من خلال إنهاء محاكمة بعضهم مثل (احمد فتيحي ولجين الهذلول) وهما أكثر اثنين من معتقلي حقوق الإنسان أثيرت حول اعتقالهما ضجة أميركية، وستواصل الانتهاء من محاكمة الباقيين قريبا أو الإفراج عنهم
ولذا يخشى المسؤولين السعوديين من أن علاقاتهم مع الإدارة الامريكية الجديدة ستكون صعبة، ولاسيما أن هذه الإدارة أعلنت أنها ستعيد العمل بالاتفاق النووي مع إيران -الذي رحبت الرياض بإلغائه من قبل الرئيس ترامب عام 2018 - وهذا الأمر طبعا يقلق المملكة لأنه يعني إعادة فتح الأبواب الامريكية أمام إيران للخروج من الحصار الذي فرضه عليها الرئيس ترامب.
وفى حين تتطلع المملكة العربية السعودية إلى ما يحتمل أن يصدر من الإدارة الجديدة التي قد تسيطر على البيت الأبيض لمدة ثماني سنوات قادمة، فإنها تتفهم الآثار التي قد تترتب على ذلك على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بإيران والحرب في اليمن. لذلك، فإن خطوة المصالحة مع قطر هي بالتأكيد محاولة لعزل إيران بشكل أكبر، ومن المحتمل أيضًا أن تكون مناورة لمنح المملكة العربية السعودية تواصلًا أفضل مع إدارة غير ودودة في واشنطن.
وبالأخذ في عين الاعتبار التعليقات الأخيرة التي ادلى بها أنتوني بلينكين بخصوص مراجعة الدعم الأمريكي للحملة العسكرية السعودية في اليمن، فإن العلاقة بين واشنطن والرياض تشهد بالفعل حالة من التوتر. ومن ثم، يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان القيادة السعودية استعادة الكثير من حسن النية في علاقتها مع الداعم الدولي الأكثر أهمية.