- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الشباب العربي يقاطع الانتخابات الإسرائيلية: "احتجاج مزدوج" على الحكومة والقادة العرب
اختار حوالى نصف المواطنين العرب في إسرائيل عدم ممارسة الحق في التصويت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل في شهر نيسان/ أبريل وأثّر ذلك بشكل هائل في نتائج الانتخابات وعكس في الوقت عينه بعض الاتجاهات الأساسية الفعالة في المجتمع العربي في إسرائيل. وبالرغم من أن نسبة التصويت التي بلغت 49 في المئة قد تجاوزت النسبة المتوقعة نظرًا للمخاوف من مقاطعة المواطنين العرب في إسرائيل الانتخابات على نطاق واسع، إلا أنها أظهرت تراجعًا في المشاركة العربية في اللعبة الديمقراطية. ومع اقتراب الانتخابات المقبلة، يبقى السؤال حول استمرار هذه المقاطعة أحد أهم التساؤلات التي تحيط بالانتخابات التي ستجري في أيلول/ سبتمبر 2019. ويُعتبر إدراك المخاوف الاجتماعية والسياسية الكامنة خلف هذه المقاطعة أمرًا أساسيًا لقلب هذا الاتجاه السائد في السياسة الإسرائيلية.
شكّلت مقاطعة الانتخابات الأخيرة آخر تجليات عملية تستمر منذ أكثر من عشرين عامًا وتشهد ازديادًا في أعداد العرب الذين يدعون إلى المقاطعة، إلا أن انتخابات عام 2001 شذّت عن القاعدة عندما لم يصوّت العرب الإسرائيليون سوى بنسبة 18 في المئة فقط في أعقاب احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2000. ولكن في الانتخابات الأخيرة، مارس الجيل الشاب في المجتمع العربي نفوذًا نسبيًا كان في غاية الأهمية. وتعدّ هذه الشريحة من المجتمع كتلة ديموغرافية كبيرة وتضمّ أغلبية المقاطعين، وقد يُعزى ذلك جزئيًا إلى علاقتها مع كلّ من الحكومة الإسرائيلية والقادة السياسيين العرب في إسرائيل.
وفي الوقت الحالي، لا يرى معظم الشباب العربي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة جدوى من التصويت، ويعود ذلك في المقام الأول إلى اعتقادهم بأنهم غير قادرين على التأثير في النظام السياسي أو تشكيله. ولكن هذا لا يعني أن الشباب العربي غير مكترث بما يجري من حوله، بالرغم من هذه الصورة التي يرسمها البعض في الأوساط السياسية والإعلامية والأكاديمية. وبالمقابل، تعتمد مشاركة هذه الفئة مستقبلًا في السياسة والانتخابات على رضاها تجاه الحكومة والنظام السياسي، كما تعتمد على قدرة الأطراف السياسية على حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها هذه الأجيال الصاعدة.
يثير نمط سلوك الشباب العربي في الانتخابات الأخيرة تساؤلات أساسية متعددة يجب أخذها في الاعتبار في الانتخابات المستقبلية، بما في ذلك مكامن القيمة في التمثيل السياسي وحس التأييد أو انعدامه في النظام السياسي وما يمكن تغييره في النظام السياسي الحالي لزيادة المشاركة.
تثبت الصورة الاجتماعية لأبناء هذا الجيل أنهم لا يشبهون الأجيال السابقة، فقد بلغ الكثيرون منهم سن الرشد في فترة الأحكام العرفية في إسرائيل وشكّلتهم الأحداث الجوهرية في الحملات العسكرية (1948، 1967، 1973، 1982) والتوترات الصادمة بين المواطنين العرب والدولة (مثل مذبحة كفر قاسم في عام 1956 ويوم الأرض الفلسطيني في عام 1976). وبالمقابل، يتأثر جيل الشباب بشدة بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية ويتمتع بوعي سياسي عميق. ويعبّر الكثيرون منهم عن مواقف واضحة ومترابطة بشأن مسائل أساسية تعني المجتمع العربي في إسرائيل. ويشعرون بشكل خاص بالقلق إزاء ارتفاع معدلات الجريمة وأزمة الإسكان والأراضي "وقانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل" والقانون المعروف "بقانون كامينتس" لبناء المدن والقرى العربية.
يستمدّ الشباب العربي الإلهام من الاستخدام الكبير للمجال الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي ويتمتّع، مثل أقرانه في كل مكان، باطّلاع واسع على الشؤون الدولية. ويعطي أهمية كبيرة لقيم يعتبرها آباؤه وأجداده أقل أهمية مثل تحقيق الذات والتطور المهني وبذل الجهود لإصلاح الأعراف الاجتماعية وهوية جماعية جديدة تركز على تجاربه عبر الأجيال.
وتشكل الآن الشابات العربيات بشكل خاص قوة بارزة جدًا في جميع نواحي الحياة. ويلتحق معظمهن بجامعات إسرائيلية وينخرطن في القوى العاملة بمعدل غير مسبوق. ونظرًا إلى هذه التطورات الاجتماعية، تنشأ فجوات كبيرة بين الشباب ومصادر السلطة كافة المحيطة بهم: مؤسسات الدولة والقيادة السياسية العربية وجيل الآباء.
بناءً عليه، يشعر الشباب العربي بتهميش مزدوج في حياتهم اليومية: من المؤسسة الحاكمة ومن القادة السياسيين العرب. ونتيجة لذلك، تعيش نسبة كبيرة من الشباب العرب حياة تهميش حقيقية ويحيط الغموض بمستقبلها على الرغم من زيادة الوعي السياسي والقيم المجتمعية الواضحة.
إنه وضع مزٍر في ما يتعلق بالمؤسسة الحاكمة الإسرائيلية والمجال العام. ويُظهر الكثير من الشباب العربي، وبخاصة أولئك الذين بلغوا مستويات عالية في التعليم، رغبة في الاندماج الكامل في المجتمع الإسرائيلي على مختلف الصعد، سواء في مكان العمل أو في المجالات الأكاديمية أو الثقافية. ولكنهم يواجهون عراقيل حقيقية، مثل "قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل" والثغرات الاجتماعية والاقتصادية بينهم وبين أقرانهم من اليهود. وتولّد هذه العراقيل بدورها شعورًا بالتوتر والخوف واليأس: يواجه المواطنون العرب عقبات كبيرة تعيق مشاركتهم، لا سيّما عندما يظهرون رغبة غير مسبوقة في الاندماج في مختلف نواحي المجتمع.
وفي الوقت عينه، يشعر الشباب بأن الأحزاب السياسية في المجتمع العربي في إسرائيل تهمّشهم، ويشك الكثيرون بقدرتها على معالجة معظم المشاكل العويصة التي يواجهها السكان العرب. وقد أظهرت استطلاعات للرأي العام أجريت قبيل انتخابات نيسان/ أبريل أن معظم المواطنين العرب يتوقعون أن يواجه الأعضاء العرب في الكنيست ارتفاعًا مستمرًا في معدلات الجريمة وتدمير المنازل في المدن العربية. وشكلت خيبة الأمل الجماعية من الأولويات الفعلية للأعضاء العرب في الكنيست أحد أسباب مقاطعة الانتخابات، وبخاصة لدى جيل الشباب. ويتفاقم التهميش نظرًا إلى التمثيل المحدود للشباب في القيادة السياسية في معظم مراكز السلطة، على صعيد الحكومة المحلية والحكومة الوطنية على حد سواء، إذ تبلغ هذه النسبة 10 في المئة فقط. فمن بين ممثلي الأحزاب السياسية العربية الأعضاء في الكنيست والبالغ عددهم عشرة مثلًا، يبلغ عضو واحد فقط من العمر أقل من 40 سنة.
توفر تعليقات الشباب العربي على وسائل التواصل الاجتماعي نافذة إلى مزيد من التهميش في الساسية بشكل عام ومن قبل ممثليهم في المجلس النيابي بشكل خاص. ويعكس الخطاب الإعلامي توقًا واسع النطاق للمشاركة في العمليات الديمقراطية كالانتخابات والمطالبة بمؤسسة أو كيان ما يستجيب لرغباتهم ومشكلاتهم (بخاصة الاجتماعية والاقتصادية منها)، ولا سيّما الرغبة في الشعور بالانتماء. ولكن نظرًا لتشكيكهم الكبير أيضًا بقدرتهم على تحسين وضعهم عبر صندوق الاقتراع وبما أن شعورهم بالانتماء متقلقل جدًا، يزخر الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي إلى حدّ كبير بدعوات للتركيز على المصالح الشخصية وتجنب المشاركة في اللعبة السياسية الرسمية.
تعكس أنشطة الشباب العربي الذين يدرسون في المؤسسات التعليمية الإسرائيلية ومواقفهم صورة مصغرة عن النقاشات المحتدمة في المجتمع العربي بشأن الانتخابات، وبخاصة الدعوات المتزايدة لمقاطعة الانتخابات. وكشفت المحادثات التي أجريت مع طلاب الجامعات قبل الانتخابات الأخيرة عن تأييد شامل للمقاطعة وتوقع امتداد المقاطعة على نطاق واسع. وظهر ذلك جليًا أيضًا في مشاركة فئة الشباب، وبخاصة الطلاب، بنسب غير متكافئة في حملة المقاطعة قبل أشهر من الانتخابات، وشمل ذلك نشر الرسائل ومقاطع الفيديو على نطاق واسع عبر الإنترنت وكذلك عبر اللوحات الإعلانية في المدن العربية. وأظهرت مقاطع الفيديو والصور شبابًا يرتدون قمصانًا تحمل شعار مقاطعة الانتخابات ويعلّقون ملصقات ولوحات إعلانية تحمل الرسالة عينها.
أثمرت هذه الجهود في خلال يوم الانتخابات. اتسمت الاجتماعات السياسية التي أقيمت قبل الانتخابات في المجتمعات العربية بغياب المشاركين الشباب من بين الجمهور، على خلاف السنوات السابقة التي شهدت حضورًا كبيرًا لهم. وفي مدينة باقه الغربية، على سبيل المثال، لم يحضر الشباب مؤتمر "القائمة العربية الموحدة – التجمّع الوطني الديمقراطي" (تحالف بين الحزب الإسلامي والحزب القومي العربي) التي أُجري قبل بضعة أيام من الانتخابات؛ في الماضي، كان هذا النوع من الأحداث يستقطب حشودًا كبيرة من الناخبين الشباب. كان غيابهم ملحوظًا جدًا في يوم الانتخابات. وكما جرى في أيام الانتخابات البرلمانية السابقة، استخدم نشطاء الحزب العربي وسائل التواصل الاجتماعي وسيارات مجهزة بمكبرات صوت لحث أفراد المجتمع المحلي على الذهاب للانتخاب، وذلك على مدى ساعتين أو ثلاث ساعات قبل إغلاق مراكز الاقتراع. ولكن بدا أن هذه الجهود المبذولة في اللحظة الأخيرة لم تحضر سوى الناخبين الكبار في السن، في حين لازم الناخبون الشباب جميعًا منازلهم.
ولكن، وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة، لم "يضِع" جيل الشباب في المجتمع العربي. يتمتع شباب اليوم بالكثير من الصفات الشخصية الحسنة ويرغبون في الاندماج في عملية سياسية تمثلهم والمشاركة فيها. ولكنهم يكافحون لإيجاد الطرق المناسبة للمشاركة وإحداث فرق، ما يفاقم شعورهم بالتهميش ويدفعهم إلى الاحتجاج على مصادر السلطة من حولهم.
وحرصًا على عدم هدر قدرات هؤلاء الشباب وعلى إمكانية إقناعهم بالاعتراف بالعملية الانتخابية والتصويت باعتبراها طريقة فعالة لإحداث تغيير، يجب على الحكومة تحمل المسؤولية واتخاذ خطوات مهمة تتمحور حول الشباب، قبل بلوغهم سن الاقتراع وبعده. وإلى جانب الحكومة، يتعيّن على الأحزاب السياسية الإسرائلية العمل على دمج الشباب العربي من الإناث والذكور في عمليات صنع القرار نظرًا لتأثير هذا الجيل في المجتمع العربي. وما إن تظهر سبل التمثيل إلى العلن، من الضروري إلهام الشباب العربي لمعرفة أهمية دوره في حماية الديمقراطية وسيادة القانون.
يجب على القادة أيضًا معالجة انعدام ثقة الشباب العربي بالنظام السياسي الحالي - بالحكومة بشكل عام وبالأحزاب السياسية – لا سيّما الشعور بأن القادة السياسيين لا يتذكرونهم سوى قبل الانتخابات. يبحث هؤلاء الناخبون المحتملون عن حزب يهتم بحاجاتهم وتحدياتهم الفريدة ويلهمهم في النهاية للمشاركة في العملية السياسية. وفي الانتخابات الأخيرة، اتضح أن الأحزاب السياسية، ومن ضمنها الأحزاب العربية والقادة السياسيون، فقدوا الاتصال مع هذه الشريحة السكانية الأساسية. وسيستمر الشباب بالتالي بعدم المشاركة لشعورهم بأنهم ليسوا سوى أصول انتخابية مؤقتة طالما أن الأحزاب السياسية تواصل تجاهل المشاكل الأساسية المرتبطة بهذه الفئة.
ولكن من الضروري أيضًا القيام بتغييرات مجتمعية جذرية. فعلى سبيل المثال، يركز المنهاج التعليمي في النظام المدرسي العربي في إسرائيل بشكل عام على المعرفة القائمة بين الشباب وفهمهم للسياسة ليس إلا. ويجب على المنهاج التعليمي أيضًا تعزيز الثقة الجماعية بالنظام السياسي وقدرته على التأثير في التغيير عبر المشاركة. وقد تقتضي الضرورة إذًا النظر في برامج التربية المدنية المعتمدة في المدارس وتقييم مدى تشجيعها على النشاط الديمقراطي لدى أجيال المستقبل.
وخارج النظم المدرسية، يجب على المؤسسات السياسية زيادة برامج التدخل في صفوف الشباب الذين لا يحصلون على فرصة المشاركة في أنشطة ومنصات تبادل المعرفة لتشجيعهم على المشاركة في المؤسسات الديمقراطية. وفي عام 2018، أطلقت وزارة الداخلية ووزارة التعليم حملة مشتركة تحث الشباب على التصويت في الانتخابات الحكومية المحلية، ما شدّد للطلاب على أهمية التصويت. ولا بدّ أيضًا من بذل هذه الجهود التعليمية قبل الانتخابات النيابية.
وفي عشية الانتخابات المقررة في شهر أيلول/ سبتمبر، يجب على القيادة الإسرائيلية أن تستفيق على واقع المجتمع العربي بشكل عام ووضع الشباب بشكل خاص. لا تزال النية الواضحة بالاندماج في المؤسسات السياسية والمجتمع قائمة، ولكن يزداد معها خطر تنامي الشعور المفهوم بالإحباط، ويؤدي ذلك إلى المزيد من التهميش والاحتكاك بين الحكومة والمواطنين العرب في البلاد. لا تزال الجهات الفاعلة الأساسية كافة في الحلبة السياسية الإسرائيلية تتمتع بالجرأة للاستجابة لدعوة الشباب العربي. وفي السنوات التالية، يجب على الأحزاب العربية تعيين أفراد من جيل الشباب في مناصب ملائمة. وفي هذه الأثناء، يجب على الأحزاب اليهودية إيجاد طريقة لفتح صفوفها بهدف منح ممثلي المجتمع العربي، وبخاصة فئة الشباب، مناصب واقعية والبدء بخطاب المساواة مع هذه الفئة من المجتمع الإسرائيلي.
لا يرغب الشباب العربي في إسرائيل من جهته في البقاء كأداة سياسية من دون تمثيل حقيقي، سواء بسبب أفعال الحكومة أو بسبب سياسات القادة العرب. ومن دون إقرار شامل بمشاكل الشباب العرب والاستجابة لها، سيضطر إلى البحث عن بدائل لتمثيله على الصعيد السياسي الرسمي والمشاركة في حركة سياسية خارج إطار الحكومة الرسمية.