- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الشرق الأوسط المُثقل بالتاريخ وعملية السلام
لم يكن روي كايس من القناة الإسرائيلية 11 الرسمية الحكومية، أول إعلامي إسرائيلي يتصل بي لسؤالي في أمر يتصل بالسياسة في الشرق الأوسط، إلا أنه الأول في استخدام صفحة حسابي على تويتر من اجل ذلك بعد أن كتب أكثر من مرة "كيفك". وفي كل مرة كنت أجيبه "أنا بخير يا روي، كيفك أنت". بعدها يبدو أن روي قد تجاوز حاجز القلق من الرفض من طرفي ليسأل أن كنت أمانع في الحديث معه (ممكن ندردش). روي كان أحد الإعلاميين المرافقين لرئيس الوزراء الإسرائيلي في زيارته المفاجأة إلى العاصمة العُمانية مسقط، وهو مشغول باستطلاع أفق العلاقات المباشرة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإسرائيل.
الإسرائيليين يكثرون من استخدام كلمة (يا صديقي) عندما يتحدثون بالعربية مع العرب، ربما انهم مدفوعين برغبات شخصية في التجاوز على تاريخهم السياسي، أو ربما انهم يعانون مثلنا من الإجهاد المعنوي ولن أقول السياسي نتيجة طول هذا الصراع. والسؤال الأول بعد موافقتي على المشاركة في التقرير الإخباري الذي كان روي ينوي إعداده هو "ما هو موقفك من وجود علاقات طبيعية بين إسرائيل ودول مجلس التعاون، وما هو موقفك من زيارة بنيامين نتنياهو اللي عُمان". وكانت مشاركتي في الحوار مشروطة بأن يتضمن التقرير رأيي الخاص في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فبالنسبة لي، إن نتنياهو لا يملك صفات القائد، وأنه مشغول بتحقيق إرثه السياسي قبل صناعة السلام للإسرائيليين.
ربما حان الوقت لِيعطي الفلسطينيين والإسرائيليين الفرصة لشباب من عمر روي لأنهم الأقدر على تجاوز إرث ليسوا هم من صنعه، وعلى الإسرائيليين كذلك عدم افتراض أننا قد نقبل بوجود احتلال غير أخلاقي لشعب من قبل أخر. لذلك علينا إزالة كل العوائق من أمام شعوب هذه المنطقة والان.
قد يكون سبب اهتمام روى برأيي في هذه المسألة هو ما أثيرَ حولي في بعض الإعلام العربي بعد أن قلت "أن دول "مجلس التعاون الخليجي" لن تستأذن أحد في قرار بناء علاقات مباشرة مع إسرائيل أو سواها إن كان ذلك يخدم مصالحنا القومية".
وربما قد حان الوقت للتعاطي المباشر مع إسرائيل في ما يخص ملف السلام في الشرق الأوسط، خاصة أن البيئة السياسية في واشنطن لم تعد سياسية خالصة. ومرجع الفشل في تحقيق أي تقدم في هذا الملف تحديدا ليس مرده نقص الإرادة السياسية بل ضبابية تصنيع السياسة الناتجة عن تداخل مصالح مراكز الضغط والتأثير، ولاعتمادنا أكثر من اللازم على واشنطن في إدارة هذا الملف.
فبالنسبة للإدارات الامريكية المتعاقبة، هذا الشرق مثقل بتاريخ من الآلام غير القابلة للتصالح حولها، لأن اغلب محركاتها سماوي. وقد اتفق مع الأمريكان نسبيا في الكثير من الأمور نتيجة فشلنا في التعاطي سياسيا مع الذاكرة السياسية الامريكية الانتقائية بطبعها، فهي قصيرة جدا عندما يكون ذلك مناسباً لها. ولذلك تحديدا، يجب علينا إيجاد المحفزات المناسبة لتسويق مبادرة السلام العربية-الإسرائيلية بعيداً عن واشنطن.
أن إحراز أي تقدم في مبادرة السلام سيحفز الولايات المتحدة الامريكية على إعادة تقييم علاقاتها البينية والاستراتيجية مع كافة حلفائها في الشرق الأوسط، وهو ما قد يؤدى إلى تطوير علاقات أكثر وضوحا بما يخدم المصالح المشتركة للجميع. وتمثل عملية إعادة التقييم تلك الضمانة الوحيدة لشرق أوسط مستقر.
وعلى النقيض من ذلك، فإن انتقال هذا الملف بين العُهد الرئاسية لم ولن يخدم إنهاء هذه الأزمة القائمة منذ أكثر من سبعون عاماً وإلى يومنا هذا، كذلك، لا يمكن لإسرائيل الادعاء بوجود تهديد وجودي لها من قبل جيرانها العرب بعد توقيعها على مواثيق سلام مع أهم دول محيطها الجغرافي.
إن أكبر التحديات المعيقة لتحقيق السلام والاستقرار المطلوبين في هذه المنطقة، هو الموروثات التاريخية والعقائدية. لذلك بات لزاماً علينا تحيد تلك الموروثات ولو مؤقتا لتحقيق استحقاقات المستقبل. وقد كان ذلك الإرث التاريخي وسيلة الأدعياء بتمثيل إرادة الله على هذه الأراضي، الذين ليس لديهم ما يقدمونه سوى تكريس إرث الماضي الذي لا ينتمي لواقعنا اليوم أو بما يتناسب وتحديات المستقبل. فالتيارات اليمنية الراديكالية لا تختلف عن بعضها في هذا الشرق المُثقل بإرثه الرافض للتصالح مع التاريخ، وجله يروج للكراهية والعنف، بمن فيه اليمين الإسرائيلي الراديكالي.
أما ما يساق من اتهامات لدول الخليج بالهرولة باتجاه التطبيع مع إسرائيل، فأنه محض افتراء خائب من أطرافاً فشلت في تقديم أي إسهاماً حقيقي في هذا الملف. ولو سُأل الإسرائيليون قبل غيرهم عن سبب فشل التطبيع على المستويين الإنساني والثقافي مع دول مثل مصر والأردن بعد مضي عقود على اتفاقيات السلام، فأن الجواب سيكون لافتقار العملية للإرادة الشعبية في الجانب العربي نتيجة عدم تحقق السلام العادل للجميع. لذلك علينا التخلص من إرث الأمس بكل صوره النمطية عند توظيفنا لدبلوماسيتنا الجديدة في هذا الملف الحيوي.
فإن كانت جملة التحديات اليوم قائمةٍ على أساس الأمن والجغرافيا، فأنها سوف تختلف في المستقبل، مما يحتم مد جسور التواصل بين الشعوب لإيجاد حلول لازمة استدامة الحياة الناتجة عن شح الماء والتحولات المناخية وما قد يصاحبها من هشاشة في التوازنات الجيوستراتيجية.
يجب أن لا نكتفي بديبلوماسية برغماتية فقط، بل إن تكون استباقية وجسورة في توظيف ما بيدها من محفزات بما في فيها الدبلوماسية خارج أطر الغرف المغلقة. وعلى الإسرائيليين توخي الحصافة في قراءة رسائل الدبلوماسية الخليجية، فهي في الأساس موجهة لعموم الشعب الإسرائيلي وليست بهدف مغازلة تحالف اليمين الذي يمثله بنيامين نتنياهو.
كما يجب أن تُفعل الدبلوماسية الخليجية جميع أدواتها السياسية في الدفع بإعادة الاستقرار في الشرق الأوسط أو حتى فرضه إن لزم الأمر ذلك. كانت دول الخليج العربية على مر تاريخ هذه الأزمة أكبر الداعمين للفلسطينيين على المستويين السياسي والإنساني. إلا أن مسؤوليتنا اليوم يجب أن لا تقف عند حدود ذلك، لأننا نملك تقديم المزيد لجميع الأطراف.