- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
السعودية وكرة القدم: أكثر من مجرد لعبة
ها قد اقترب موعد المباراة النهائية في بطولة كأس العالم لكرة القدم، ولعل أبرز ما تميّزت به البطولة هذا العام هو مشاركة أربع دول شرق أوسطية في البطولة للمرة الأولى منذ سنوات عديدة. فقد نجحت كلٌّ من مصر والمغرب وتونس والسعودية في التأهل للبطولة بعد فشلها لسنوات في تحقيق ذلك، مع أن فِرق تلك الدول لم تتأهل إلى ما بعد دور المجموعات. ومع ذلك، وعلى غرار الكثير من الدول، حققت السعودية بفضل مشاركتها في المباريات مكاسب سياسية أكبر ممّا يوحيه أداء فريقها، إذ استخدمت المملكة كأس العالم للترويج لمبادرتها السياحية وكسب زخم سياسي مع استعراض صورة التقدم والإنماء الحديثين للدولة، وإثارة حرب دبلوماسية بينها وبين قطر.
فقد وطأ فريق "الصقور السعودية" الوطني الأراضي الروسية بعد عجزه عن التأهل لكأس العالم منذ العام 2006. والواقع أن السعوديين لم يهتمّوا سابقًا بالبطولات ولم يجعلوا من كرة القدم أولوية. ومع أن فريق "الصقور السعودية" أنشئ في خمسينات القرن العشرين، لم يشارك في أي منافسة حتى عام 1984 حين شارك في بطولة كأس آسيا. بيد أن هذا الاهتمام المفاجئ بالبطولات الدولية تصادف مع نهوض الاقتصاد السعودي نتيجة ارتفاع عائدات النفط. وهكذا، يبدو أن مشاركة المملكة في البطولة كان مرتبط بالتطورات المحلية التي طرأت على المملكة، مما يفسر جزئيا كيفية نجاح المملكة في الوصول إلى روسيا هذا العام.
وتجدر الإشارة إلى أن تجدّد الاهتمام بكأس العالم يعكس تحوّلاً مماثلاً في الأولويات السعودية: فقد بدأ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يروّج لخطته التي تحمل عنوان "الرؤية 2030" والساعية إلى دعم الاقتصاد في مرحلة ما بعد النفط وحكومة تُصنَّف بأنها أكثر شفافيةً وقائمةً على التكنولوجيا. والرؤية 2030 مصممة لتغيير صورة البلاد السيئة في الخارج واستقطاب الاستثمارات الأجنبية واتخاذ مكانة ريادية في المنطقة. ونظرًا لشعبية كأس العالم المنتشرة في كل مكان، فقد كانت رؤية الأمير محمد بن سلمان الظاهرية إزاء البطولة استراتيجيةً بالقدر نفسه.
والواقع أن تدريب فريق قادر على التأهل لكأس العالم هو استثمار جدّي، وخصوصًا بالنسبة إلى الدول التي تفتقر إلى المنشآت الحديثة والمدربين الموثوقين. وهاتان مشكلتان عانت منهما المملكة حيث بدّلت ثلاثة مدربين خلال السنة الماضية وافتقرت إلى البنية التحتية المحلية اللازمة لفريق ذي مستوى عالمي. ولكن في بطولة كأس العالم هذه، كان واضحًا أن الحكومة السعودية رأت في "الصقور السعودية" استثمارًا جديرًا، حيث دفعت للاعبين للانضمام إلى الأندية الإسبانية منذ شهر تشرين الأول من السنة الفائتة – وهذا مشروع مكلف حسّن العلاقات السعودية-الإسبانية.
ولكن يبدو أن هذه الاستثمارات أتت ثمارها، أقله على صعيد السياسات الخارجية. فقد قام ولي العهد بإطلالته العلنية الأولى منذ شهرين حين جلس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور المباراة الافتتاحية بين فريقَي دولتيهما. وفي حين مُنيت "الصقور السعودية" بالخسارة الكبرى في البطولة هذه السنة بمعدل خمسة مقابل صفر، استغلّ الأمير محمد بن سلمان الفرصة للتحدث مع بوتين حول اجتماع أوبك في حزيران/يونيو، علمًا أن الزعيمين انتقلا في وقت لاحق من اليوم نفسه إلى الكرملين لاستكمال النقاش.
وتقرر في اجتماع أوبك فرض سقف إنتاج النفط الخام جزئيًا، حيث يرى بعض المحللين انه يمكن زيادة الإنتاج إلى 600 ألف برميل في اليوم. وقد عارضت العديد من الدول هذه الخطوة، خاصة تلك التي لديها امل في أن تحقق زيادة في عائداتها النفطية، بما في ذلك إيران التي تواجه عقوبات أمريكية وشيكة.
والجدير بالذكر أن المخطط السعودي بتوسيع العلاقات مع الدول الخارجية بواسطة سياسة الرياضة لم يتوقف على روسيا. ففي محاولة للارتباط بالقوى العالمية، عمدت السعودية إلى دعم المزايدة التي قامت بها أمريكا الشمالية لاستضافة كأس العالم عام 2026 وقد قاد الحملة رئيس "الهيئة العامة للرياضة" في السعودية تركي الشيخ، مع أن غالبية دول الشرق الأوسط بما فيها قطر، التي قطعت السعودية علاقاتها مع العام الماضي بزعم تمويل الإرهاب، أيّدت المزايدة المغربية. وقد انتقد الشيخ المغرب على عدم ووقوفه إلى جانب المملكة العربية السعودية في خلال أزمة مجلس التعاون الخليج، كما أثنى على الولايات المتحدة على تويتر طوال العام الماضي، وأعلن عن دعمه لاستضافة الولايات المتحدة الأمريكية كأس العالم 2016، وذلك خلال مقابلة تليفزيونية في أيار/مايو الماضي مع قناة" سي ان ان".
بيد أن الفيفا ألقت المزيد من الأضواء على هذه الدولة الخليجية هذا العام، وسمحت لهم بتقديم أنفسهم على الساحة الدولية بشكل أكثر إيجابية. فقد أظهرت السعودية حماسةً جديدةً إزاء السياحة الدولية بما يتعدى دورها التقليدي كمقصد للحجاج، وجاء كأس العالم ليصب في خدمة هذه الخطط تمامًا. إذ كانت السعودية قد شرعت لتوها بإصدار تأشيرات دخول سياحية عامة – إلكترونية – للمرة الأولى منذ سبع سنوات لتصبح زيارة السعودية أسهل من السابق حين كانت تأشيرات الدخول حكرًا على رجال الأعمال والحجّاج.
ويشار في هذا السياق إلى أن المبادرة السياحية المدرجة في رؤية ولي العهد للعام 2030 تشمل إقامة فنادق جديدة ووحدات سكنية ومنتجعات ووسائل نقل، ومن الممكن ألا يكون بعضها مثل "مشروع البحر الأحمر" خاضعًا لقوانين السعودية بشأن الكحول واللباس، وهذا قرار هدفه زيادة جاذبية الدولة أمام الأجانب. وبالرغم من الظهور المحزن لفريق "الصقور السعودية" في كأس العالم هذه السنة، إن استمرار استعراضاته وازدياد نجاحاته قد يساهمان في إنشاء وبيع ملاعب جديدة ومعدات رياضية خاصة بكرة القدم فضلاً عن الحقوق الدعائية ومبيعات التذاكر. ومع أن كأس العالم لم يكن مفيدًا بالكامل للدول التي حاولت أن تحذو حذو السعودية، تختلف هذه الأخيرة عن غيرها في أنها تستخدم كرة القدم لتشجيع قطاع سياحي جديد تستطيع دعمه بواسطة الأموال المتوافرة لديها.
وإن المشاركة في البطولة هو جزء من طموح الأمير محمد بن سلمان بجعل الفريق السعودي واحد من أهم سبع نوادي في العالم بحلول عام 2020. إن حقيقة احتضان قطر لكأس العالم 2022 ستجعل من الصعب على ولى العهد مواصلة هذه الخطة إذا استمر الصدع بين البلدين. ومع ذلك، فإن الاستفادة من المشاركة في البطولة تعتمد كلياً على تحسين أداء الصقور.
وعلاوةً على دعم العلاقات الدولية، استخدمت السعودية كأس العالم لتعميق خلافها مع دولة قطر التي ستستضيف البطولة عام 2022. حتى أن تركي الشيخ وجّه تهديدات قانونية إلى قطر بسبب طريقة تغطيتها للمباراة الأولى التي خاضها فريق "الصقور السعودية"، فغرّد على تويتر قائلاً إن شبكة "بي إن سبورتس" أساءت إلى السعودية والرياضيين والمسؤولين الرياضيين السعوديين عبر "استغلال الرياضة لتحقيق أهداف سياسية". هذا وقد تسببت التوترات الناتجة عن المباراة بخسارة مالية لقطر: فمع أن شبكة "بي إن سبورتس" القطرية حصلت على الحق الحصري لبث مباريات كأس العالم في الشرق الأوسط، رفضت السعودية بث هذه القناة القطرية بعد انهيار المفاوضات، لتصبح بذلك إحدى قنوات "بي أوت كيو" المقرصنة القناة المحلية الوحيدة التي تبث مباريات كأس العالم في السعودية. ويشار إلى أن "بي أوت كيو" تلقى تغطيةً دعائيةً كثيفةً على الصعيد المحلي، وقد أفيد بأنها حصلت على "موافقة ضمنية" من السلطات بالرغم من المحاولات الفاشلة التي قامت بها الفيفا وقطر لإقفال القناة.
وفي الحادي عشر من يوليو الجاري، أصدرت الفيفا بيانا يفيد بانها تعمل مع شبكة "بي إن سبورتس" لإغلاق قنوات "بي أوت كيو" وطالبت السلطات السعودية بمساعدتها. وقد استجابت وزارة الإعلام السعودية في اليوم التالي، ورحبت بالتحقيق لوقف قنوات "بي أوت كيو" وعمليات القرصنة في المملكة. كما زعمت الحكومة السعودية أن الشبكة المقرصنة ليس لها مقر في المملكة وان موقع الجزيرة الإخباري القطري كان وراء تلك الرسائل الخاطئة. وألقت المملكة العربية السعودية اللوم على قطر واتهمتها بالقرصنة و"القصور التكنولوجي" نظرا لان "بي إن سبورتس" فشلت في حماية شبكتها. كما لفت الإعلان الانتباه إلى مزاعم التزوير التي صدرت عن الفيفا وشبكة "بي إن سبورتس"، ومحاولة التقليل من مزاعم المنظمة.
وأظهرت التحركات السعودية حتى الآن اهتمام الحكومة الجديد بالرياضة كأداة سياسية، وهو تكتيك لم تبدُ الدولة مهتمةً به في السابق. وفيما تستغل المملكة كرة القدم وكأس العالم على حدٍّ سواء، يبقى الواقع أن السعودية تنضم إلى اللعبة متأخرةً لتصبح واحدة من الدول الكثيرة التي سبقتها في استغلال كرة القدم لدعم اقتصاداتها وتحقيق المكاسب السياسية، فالمناقصات التي قامت بها الدول المضيفة الأخيرة كالبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا كانت متداخلة مع آمال النهوض بقطاعاتها السياحية والاقتصادية – لكن هذه الأحلام لم تتحقق دائمًا. كما أن هذه الفرق كانت تسجّل أداءً أفضل من "الصقور السعودية" الذي لم يتخطَّ دور المجموعات إلا مرة واحدة. لذلك، وحتى إذا قدمت السعودية أداءً جيدًا في بطولة كأس العالم، فقد تكون مخططاتها بتحويل النجاح الرياضي إلى مكاسب سياحية محدودة. وإنّ السعي إلى القيام باستثمارات سياسية جدية في كرة القدم يعكس التناقض الحاصل في أن هذه الرياضية المحبوبة لكلفتها الميسورة وروحها الجماعية أصبحت وسيلةً مكلفةً لدى الحكومات للتنافس على النفوذ والسلطة على الساحة العالمية.