- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
السوريون العرب النازحون داخليًا من تل رفعت يرغبون هم أيضًا في العودة إلى ديارهم
قد يسمح تدخل القوات العسكرية التركية في شمال سوريا لآلاف السوريين بالعودة إلى منازلهم بعد أن أجبرتهم وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وكيانات أخرى على النزوح لسنوات عدة.
في حين أن الغرب يعارض بشدة عملية عسكرية جديدة يخطط لها "الجيش الوطني السوري"/التركي في شمال سوريا، رحّب العديد من العرب النازحين من تل رفعت ومنبج والقرى المجاورة بفكرة تحرير بلداتهم وقراهم. وفي الواقع، كانوا يطالبون "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا بتحرير منطقتهم منذ سنوات.
غالبًا ما تركز المقالات الخارجية حصرًا على السكان الأكراد في شمال سوريا وتشدد على أن أي عملية عسكرية أخرى ستعني حتمًا تشريد الأكراد. غير أن هذه المنطقة هي مزيج من البلدات ذات الأغلبية العربية والكردية، وللسكان العرب تاريخهم الخاص من النزوح. فخلال العام 2016، نزح كل العرب من تل رفعت، وهي بلدة ذات أغلبية عربية (تاريخيًا) تقع في الجزء الغربي من الفرات، بسبب عملية عسكرية منسّقة بين روسيا والنظام السوري ومقاتلي "وحدات حماية الشعب" من عفرين. وقد حاولت هذه الأخيرة ربط (أغلبية) الجيوب الكردية في كوباني وعفرين، عبر مناطق عربية (بأغلبها)، ما أسفر عن تدفق للاجئين العرب من هاتين البلدتين بشكل خاص والقرى المجاورة إلى الحدود التركية.
وفي آذار/مارس 2016، التقيتُ العديد من السوريين اللاجئين من تل رفعت والمنطقة المجاورة الذين كانوا يعبرون الحدود عند معبر باب السلامة، على بعد بضع كيلومترات شمالي أعزاز. وفيما افترضت أنهم يهربون من قذائف روسيا والنظام شرقي حلب، تفاجأت بأن السبب كان "استيلاء مقاتلي "وحدات حماية الشعب" على بيوتهم". ولاحقًا، سواء على الحدود وفي كلس وغازي عنتاب، شارك النازحون العديد من القصص المماثلة.
وخلال العام الفائت، التقيتُ في أعزاز عبدالله الحافي، المدير الكردي العربي لـ"وحدة المجالس المحلية السورية" في أعزاز، الذي اعتبر أن طرد سكان تل رفعت كان مسألة متعمّدة ومنظمة نسّقتها روسيا والنظام السوري و"وحدات حماية الشعب". وقال في هذا السياق: "من أجل السيطرة على تل رفعت، أمطرت القذائف الروسية والسورية المنطقة باستخدام الطائرات بينما فرض مقاتلو "وحدات حماية الشعب" القادمون من عفرين سيطرتهم على الأرض". كما تسبب القصف في فرار السكان، واندلعت حرب في المنطقة.
يُذكر أنه في العام 2016، كانت تل رفعت تحت سيطرة "الجيش السوري الحر". وفي هذا الإطار، أفاد كريستوفر رويتر، صحفي ألماني من صحيفة "دير شبيغل" أنه في البداية كان ثمة تنسيق بين هذا الجيش و"وحدات حماية الشعب" إلى أن سيطرت هذه الأخيرة على تل رفعت بدعم جوي من روسيا، ما تسبب بانهيار العلاقات بينهما بشكل كبير. واعتبرت التقارير الصادرة من المدينة مطلع العام نفسه أن "وحدات حماية الشعب" ونظام الأسد وجهان لعملة واحدة، وسط صدور عدد هائل من التقارير حول عمليات نهب وقتل مدنيين.
وفي السياق نفسه، صرّح بشير عليطو أبو الخير، رئيس المكتب السياسي في تل رفعت، لموقع "المونيتور" في 2019 بأنه تمّ تشريد أكثر من 100 ألف عربي من المنطقة كانوا يتمركزون بشكل خاص في منطقة أعزاز، سواء في البلدة نفسها أو في مخيّمات مؤقتة تُدعى "مخيمات شعوب تل رفعت"، في قرية سجو، قرب الحدود التركية. لقد مضى على وجودهم هناك أكثر من ست سنوات.
أما قصة منبج، فتختلف بعض الشيء. لقد بدأ التدفق الهائل للاجئين من منبج إلى تركيا وأوروبا في 2014 حين استولى تنظيم "داعش" على المدينة. وعندما حرّرت "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادة "وحدات حماية الشعب" المدينة من قبضة التنظيم قادمةً من الشرق واستولت عليها، حصلت موجة أخرى من اللاجئين. صحيح أنه ما بين 400 إلى 500 أسرة من المدينة وما بين 1000 إلى 1500 أسرة من القرى المحيطة لا تزال في المناطق المجاورة، إلا أن عددًا أكبر بكثير فرّ باتجاه تركيا وأوروبا. وأشار جاسم السيد، صحفي هرب من منبج في 2014 ويعيش في أعزاز، إلى أن "المشكلة الأكبر تكمن في الخدمة العسكرية التي تفرضها "قوات سوريا الديمقراطية" على الشباب، ولا سيما خارج المدينة. والآن، تصل مجموعة كل يوم إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني السوري"، خوفًا من التجنيد الذي تفرضه "قوات سوريا الديمقراطية" عمومًا والنظام خصوصًا، ومن أن تسلّم هذه القوات منبج إلى النظام".
واستنادًا إلى رئيس "رابطة المستقلين الكرد السوريين"، عبد العزيز تمّو، فإن "نسبة الأكراد في منبج تتراوح بين 1 و3 في المئة على الأكثر ". ففي بداية عام 2018 وقبل العملية العسكرية التي نفذها الجيش الوطني السوري/التركي وخلالها، فرّ الأكراد بأعداد كبيرة من عفرين. ووفق الأمم المتحدة، فرّ ما يقرب من 151 ألف شخص في 2018، وذلك بشكل رئيسي من تل رفعت ومنطقة الشهباء إضافةً إلى القرى المحيطة بتل رفعت. وبحسب الرابطة، فإن أكثر من نصف الأكراد الذين فروا من عفرين إلى تل رفعت وحلب ودهوك وإربيل في 2018، عادوا إليها ومعظمهم في غضون أربعة أشهر من فرارهم.
إلا أن هذا لا يعني أن كل الأمور بخير. فقد قال لي أحد أعضاء الرابطة في عفرين إن "الأمر يختلف من لواء إلى آخر؛ ففي بعض المناطق كل شيء جيد وفي بعضها الآخر الأوضاع معتدلة، في حين لا تزال الظروف سيئة في مناطق أخرى". وتابع قائلًا: "أولئك الذين فروا مع أفراد من "وحدات حماية الشعب" إلى منطقة الشهباء عليهم أن يدفعوا رشوي الآن ليتمكنوا من العودة، إذ لا يسمح لهم "حزب الاتحاد الديمقراطي" بذلك. لا شك في أن سلوك بعض جماعات "الجيش الوطني السوري" السيئ غير مشجع أيضًا، لكن الوضع قد تحسّن منذ الفوضى التي عمّت عام 2018، بعد إنشاء المجالس الكردية المحلية هناك".
من جهته، أخبرني أزاد عثمان، رئيس "رابطة المستقلين الكرد السوريين" وأحد أعضاء المجلس المحلي في عفرين أنه "منذ لحظة الحديث عن عملية عسكرية وشيكة، عادت الأسر الكردية سواء من الشهباء أو من حلب. صحيح أن الأعداد لم تكن كبيرة، لكن الأسر كانت تعود كل يوم. والأمر الجيد هو وجود تواؤم، فحتى "الجيش الوطني السوري" يدعم عودتها". ووفقًا للمهربين، "كانت الأسر تأتي من أماكن مختلفة، وبخاصةٍ من أماكن تواجد "فيلق الشام" أو "الجبهة الشامية". إذًا عمومًا، كان ثمة تنسيق حيث ترغب كافة الجهات بعودة السكان". (يُذكر أن "الجبهة الشامية" التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" تضم أكرادًا في صفوفها).
إلى ذلك، تقول وكالة "روتيرز" إن "الهدف من عرض مثال تل رفعت ليس تبرير أو حتى التقليل من أهمية أعمال النهب والتشرّد في عفرين، بل المساعدة على شرح السبب الذي يدعو العديد من مقاتلي تل رفعت والمنطقة المجاورة إلى القتال تحت الراية التركية؛ فالعديد من بينهم كانوا يقاتلون من أجل العودة إلى بلدتهم. غير أنه بعد الاستيلاء على عفرين، دخل الروس مدينة تل رفعت ووفروا ملاذًا آمنًا لمن تبقى من أفراد "وحدات حماية الشعب"".
وفي تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وفيما كنتُ أنتظر على الخطوط الأمامية إلى جانب "قوات سوريا الديمقراطية" وقوات النظام قرب بلدة كفر خاشر، على بعد ميليْن فقط جنوبي أعزاز، تحدثت إلى ثوار ("الجبهة الشامية") المتواجدين هناك. وكان أربعة من الأفراد الخمسة في ذلك المركز يتحدرون من تل رفعت أو قرية مجاورة، وكلهم كانوا يرغبون في العودة إلى ديارهم. لقد كان باستطاعتهم رؤية قراهم فقط – إذ يمكن للمرء أن يرى المنطقة المطلّة، بما في ذلك قرى عين دقنا ومرعناز ومنغ وقاعدة منغ الجوية العسكرية وما بعدها – ولكن ليس العودة إليها.
وفي الوقت الراهن، أصبح نحو 90 في المئة من سكان تل رفعت السابقين وسكان أكثر من 40 قرية محيطة بها خضعت لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في عام 2016 نازحًا داخليًا. فعدد سكان أعزاز حاليًا يفوق 250 ألف سوري، وبحسب تقديرات "منظمة الأطباء المستقلين" و"مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، فإن 80 في المئة منهم نازحين داخليًا. كما تنتشر مخيمات للنازحين حول المدنية ومخيمات مؤقتة وأخرى تضم مرافق. والحال نفسه تقريبًا في القرى الأخرى في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري/التركي. في هذا السياق، قال لي كوران أحمد، رئيس منظمة "بهار" السورية غير الحكومية إن "95 في المئة من سكان تل رفعت هربوا بسبب العملية العسكرية ومن المحتمل ألا يعود إلا عدد ضئيل من الأسر"، موضحًا أن بعض النازحين من تل رفعت يقيمون حاليًا في عفرين.
فأولئك الناس، سواء الذين يعيشون في مخيمات أو في أعزاز أو في مكان آخر من المنطقة وحتى في تركيا، لا يريدون سوى العودة إلى مناطقهم، وفق مدير مكتب أعزاز الإعلامي عبد القادر عثمان، الذي ذكر أيضًا أن "حزب العمال الكردستاني" فتح جبهة على بعد ثلاثة كيلومترات فقط جنوبي أعزاز، في قرية مرعناز، يقصف منها سكان أعزاز.
وقد تركزت العملية العسكرية التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأول من حزيران/يونيو على هاتين البلدتين، أي تل رفعت ومنبج. وعلى نحو مماثل، صرّح أحد مسؤولي المعارضة السياسية في سوريا للمؤلف بأن "العملية العسكرية التركية ستكون محدودة وتقتصر على تل رفعت". وفي الآونة الأخيرة، رُفعت أعلام النظام وصور لبشار الأسد في تل رفعت، إلى جانب علم إيراني على أحد أبراج الاتصالات. وبحسب وسائل إعلام محلية، انتشرت ميليشيات إيرانية من الجيبين الشيعيين - نبل وزهراء، جنوبي تل رفعت - على الخطوط الأمامية إلى جانب متمردي الجيش الوطني السوري، كما انتشر جنود النظام على الجبهات الأمامية قرب منبج.
ونتيجة هذا التاريخ، وفي ظل الظروف السائدة، يدعم النازحون من تل رفعت والمناطق المحيطة بها وغيرها شن تركيا لعملية عسكرية. وحتى في بلدات أخرى ذات أغلبية عربية شمالي محافظة حلب، حيث يتعرض السكان لهجمات من المنطقة الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" – على غرار مارع والباب وحتى ردعا، انطلقت تظاهرات
في جنوب سوريا ترحب بعملية عسكرية جديدة يشنها الجيش الوطني السوري/التركي.
وليس من المفاجئ أن يرحب نازحو سوريا المشردون من منازلهم بـ"تحرير" بلداتهم وقراهم. وفي ظل المساعدات الغربية المتضائلة وتهديد روسيا المستمر باستخدام حق الفيتو لمنع الأمم المتحدة من تقديم المساعدات في هذه المناطق، لا يريد أولئك الناس، الذين هم بأغلبهم مزارعون لا يجيدون القيام بأي مهنة أخرى ويعيشون من المساعدات، سوى العودة إلى منازلهم.