- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
السويد وعملية السلام - علاقة متوترة
في 30 تشرين الأول/أكتوبر، اعترفت حكومة السويد الجديدة بدولة فلسطين لتصبح أول دولة كبرى داخل الاتحاد الأوروبي تقوم بذلك. وهذا الإعتراف يجعل السويد الدولة الثالثة في "الاتحاد" بعد أيسلندا في عام 2011 والفاتيكان، التي وقعت معاهدة دبلوماسية مع فلسطين في حزيران/يونيو 2015 كُرّست للاعتراف بها كدولة (يذكرأن قبرص ومالطا قد اعترفتا بفلسطين في عام 1988 قبل انضمامهما إلى الاتحاد الأوربي).
لقد احتجت إسرائيل على الاعتراف وقامت بسحب سفيرها من ستوكهولم لبعض الوقت. ففي نظر إسرائيل، دعمت السويد والاتحاد الأوروبي ككل منذ فترة طويلة عدم تبنّي أي سياسة خارجية حول النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني التي قد تهدد المفاوضات بين الطرفين. ورأت إسرائيل أن تصرفات السويد لا سيما التوقيت الذي تم فيه الإعلان عن الاعتراف يشدّ من عزيمة الفصائل الفلسطينية التي تُظهر القليل من الاهتمام أو النية بالتفاوض مع إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإن الاعتراف بحكومة محمود عباس يزيل أي دافع لها لمواصلة المفاوضات حيث يمهد الأمر للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجهات دولية أخرى بممارسة الضغط على إسرائيل لتقديم التنازلات من دون الحصول على أي شيء في المقابل.
ومن جهتها، اعتبرت السويد أن الاعتراف بفلسطين يفسح المجال للمضي قدماً لأجراء مفاوضات عادلة بين دولتين بدلاً من الخلل الحالي حيث تقوم دولة واحدة بالتفاوض مع حكومة تفتقر الاعتراف الكامل بها كدولة.
وكما هو الحال في أي قرار كبير يتعلق بالسياسة الخارجية، فإن صدى السياسات الداخلية تردد في منطقة تختلف فيها وجهات النظر والتحديات بشكل جوهري وأساسي. فمن الناحية الفكرية، إن حكومة السويد (التي هي ائتلاف من "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" و"حزب الخضر") بعيدة كل البعد عن إدارة بنيامين نتنياهو، وربما ليست أقرب بكثير من إدارة عباس. لكن علاقات السويد مع الحكومتين تغيرت بشكل مبدئي نتيجة تسرّب فكر جديد إلى النظام السياسي السويدي. ويغلب حالياً على إدارة حكومة السويد اليسار الفكري الناشط (واليسار المتشدد) لـ "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، والأمر نفسه يقال عن "حزب الخضر" الذي يعد فكرياً أكثر "نقاءً" من "الحزب الاشتراكي الديمقراطي". وعلى الرغم من أن التوجه الفكري في السياسة الحزبية ليس جديداً في السويد، إلا أن أفكار سياسات الهوية والتركيز على الأيديولوجية، بدلاً من البراغماتية، تحول مؤخراً إلى نهج يسيطر على الحزبين، فكلاهما يمثل نظرة للعالم تحدد بشكل واضح وحاد الفرق بين "الحق" و "الباطل". وليس من الغريب أن تجد حكومة السويد في سياسات إسرائيل ما يستدعي التنديد نظراً لتاريخ هذين الحزبين. فالأفراد المتواجدين حالياً في مناصب مسؤولة قد شحذوا مهاراتهم السياسية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حين تحولت إسرائيل من بلد اشتراكي ضعيف ومهدد إلى دولة جوار "متنمرة" تحتل بلاد فلسطين وتُحرض على معظم الصراعات في المنطقة.
وتعد وزيرة الخارجية السويدية الحالية مارغوت والستروم نموذجاً مثالياً عن هذه الطبقة من المفكرين السياسيين. وفي تصريحات أخيرة، ربطت والستروم بين اعتداءات باريس التي وقعت في 13 تشرين الثاني/نوفمبر والإحباط الفلسطيني حيال الوضع في منطقة الشرق الأوسط، معتبرة أن "مواجهة التطرف تتطلب العودة إلى الوضع في الشرق الأوسط حيث، ومن أقل الأمور، لا يرى الفلسطينيون أي مستقبل لهم: علينا إما أن نتقبل وضعاً من اليأس أو أن نلجأ إلى العنف". ووجهت بعد ذلك اتهاماً لإسرائيل باستخدام "القتل خارج إطار القانون" وممارسة ردّ "غير متناسب" على سلسلة الاعتداءات بالسكاكين والدهس بالسيارات في إسرائيل خلال الأشهر الماضية، بربطها بين هذين النوعين من العنف.
وقد تابع تصريح رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين في 7 كانون الأول/ديسمبر مناقشة موضوع الاعتداءات الأخيرة بالسكاكين، معتبراً أن تلك الاعتداءات ليست إرهاباً. إلا أن لوفين حاول التراجع عن تصريحه، مستنكراً في بيان صحافي مشترك مع والستروم بقوله إن تعليقاته قد "أسيء فهمها"، مؤكداّ أن "الوضع في الشرق الأوسط صعب بما فيه الكفاية ولا ينقصه أي سوء فهم لنوايا أي شخص".
وتكشف مواقف والستروم ولوفين كيف أن السويد قد شرعت في مسار لم يلحق الضرر خلال العام الماضي بالعلاقات الدبلوماسية بين السويد وأسرائيل فحسب، بل أيضاً بين ستوكهولم ودول متعددة في الشرق الأوسط ودول اسكندنافية مجاورة لها. إن هذا الفكر عن ' الأغلبية الأخلاقية ' قد وضع مبادئ تمهيدية للعلاقات البراغماتية مع دول أخرى. وتستند هذه المبادئ، ليس على المعتقدات الأخلاقية العالمية المتجذرة على سبيل المثال في هيئات كبرى كـ "إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، بل على قراءة ضيقة للعالم كثيراً ما تتجاهل حقيقة أن دول أخرى تفشل في مشاركة رؤية الحكومة السويدية الحالية للشؤون العالمية.
ويبرز ذلك بوضوح في معالجة الحكومة الراهنة للعدد كبير من التحديات المتصاعدة التي يواجهها المجتمع الدولي في الشرق الأوسط. وبالنسبة لأشخاص مثل مارغوت والستروم، فإن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني يطغى على وضع المنطقة و ' يفسّر ' الإرهاب الدولي والنزاعات الحالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، إن الأطراف منقسمة بشكل متساو على جانبي محور الخير والشر. يجب إلقاء اللوم بشكل لا يقبل الشك على الشر لما يقترفه من أفعال سيئة، بينما يرتكب الخير أخطاء لا يمكن لومه عليها. وفي النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، تعتبر والستروم وآخرون الفلسطينيين ضعافاً، وهم بالتالي ' الخير '، نصف الازدواجية. لذلك فإن العنف والفظائع اللاحقة معذورة بلا استثناء لا بل هي لا تحمل التأويل، وتُبرر من خلال الاعتقاد بأن الاحتلال الإسرائيلي هو سبب العنف وإذا ألغي توقف العنف. إن هذه النظرة المبسطة لا تعطي عوامل أخرى حقها بما آلت إليه الأمور.
وغني عن القول أن التحول الأخير للسويد في السياسة الخارجية وضعها على خط المواجهة مع بعض الدول في الاتحاد الأوروبي في عدد من المسائل المتعلقة بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. فبعد أن أصبحت السويد أول بلد رئيسي في الاتحاد الأوروبي يجري تغييراً على سياسة تفادي أي فعل يعيق التوصل إلى اتفاق بين الهيئات الحكومية لكل من إسرائيل وفلسطين، قدّمت السويد توزيعاً بديلاً للقوى والقضايا المطروحة على طاولة المفاوضات. وفي هذه الصورة الجديدة، ترى السويد أن الاعتراف بدولة فلسطين واقع سيساعد في المفاوضات بدلاً من أن يكون نتيجة لها.
لقد أكدت حكومة السويد بوضوح أن هدف الاعتراف بدولة فلسطين هو المساعدة في بناء مستقبل يمكن فيه لإسرائيل وفلسطين "التعايش معاً بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها". ومع ذلك، قد تؤثر السياسات الأخيرة للحكومة على التحولات الديمغرافية في السويد نفسها، و"وكالة الغوث الدولية" ("الاونروا")، وتحقيق حل الدولتين.
وفي الجزء الثاني من المقال يناقش نوريل الآثار التي قد يسببها هذا التحول الأيديولوجي في السياسة السويدية على الجوانب المختلفة لعملية السلام.