- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التعامل مع امتداد الهند الدفاعي في الخليج
في حين تسعى الهند إلى تحقيق النمو من خلال اعتمادها على الذات، فإن تطوير علاقات أكثر توازناً مع دول الخليج سيعزز من تلك الروابط وسيساعد على موازنة النفوذ الصيني في المنطقة.
في أيار/مايو 2020، أعلن رئيس الوزراء ناريندا مودي أن الهند ستسعى إلى تنفيذ مبادرة "أتمانيربار بهارات" أو مبادرة "الهند المعتمدة على نفسها" - وهي دعوة لتعزيز استقلالية الهند في تلبية متطلبات أمنها القومي وصناعاتها الدفاعية. ومع خوض غمار هذه المبادرة الجديدة، من المفترض أن يؤدي التركيز على "الهند المعتمدة على الذات" إلى توسيع نطاق مبادرة "أتمانيربار بهارات" لتشمل علاقات الهند مع الخليج. وفي حين تعتبر الخطوات الأولية، على غرار زيارة قائد الجيش الهندي غير المسبوقة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضرورية ومهمة في هذا الإطار، إلا أنه يجب العمل بشكل أكبر على تطوير العلاقات الهندية الخليجية وضمان توازنها، مع التركيز على تحقيق استقلالية أكبر للهند وتعميق العلاقات الإقليمية ومراعاة الجهود الصينية المتزامنة في المنطقة.
والجدير بالذكر أن الخليج يؤدي أصلاً دورًا جوهريًا في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والهيمنة السياسية في الهند. كما أن خطة السلام السرية التي توصلت إليها مؤخرًا الهند وباكستان بوساطة إماراتية بشكل خاص تلقي الضوء على الدور الجديد الذي يرجَّح أن تلعبه دول الخليج في الوساطة الحازمة والانخراط في المسائل المتعلقة بأمن الهند القومي.
غير أن تركيز الهند المستمر على نهج "ثلاثية الاقتصاد والطاقة والمغتربين" في علاقاتها بدول الخليج سيعيق سعيها نحو مستقبلٍ تعتمد فيه على ذاتها. وقد اتضحت بشكل خاص عواقب التبعية الناتجة عن هذه الاستراتيجية خلال تفشي الوباء العام المنصرم حين عانت البلاد لإعادة المغتربين الهنود الذين يعملون في الخليج إلى بلادهم، ما أدى إلى تسخير قدر كبير من الموارد والوقت لإجلائهم. وحيث أن غياب السياسات الخاصة بالإقامة الدائمة كتلك المتوفرة في الغرب يطال المغتربين الهنود في المنطقة، لا يمكن تجنب التعقيدات المماثلة.
غير أن الهند بحاجة بدلاً من ذلك إلى إقامة علاقة أكثر توازنًا مع دول الخليج، علاقة لا تعتمد إلى هذا الحد على المجموعات الكبيرة والضعيفة من المغتربين. ومن خلال استعراض قدراتها في مجال الاستثمار المالي والابتكار التكنولوجي في المنطقة، ينبغي للهند أن تعمل على تنويع علاقتها بدول الخليج، وبالتالي تعزيز وجودها في المنطقة.
فضلاً عن ذلك، وبالرغم من دور الهند في أمن الخليج الغذائي ودبلوماسية التلقيح المطورة حديثًا، يجب على نيودلهي توطيد علاقاتها العسكرية والتكنولوجية والمالية مع دول الخليج بما يمنحها موطئ قدم حقيقي في المنطقة. ومن المحتمل أن يشتمل هذا النوع من الامتداد على الاستثمارات ومشاريع التنمية والتعاون العسكري. في هذا الإطار، لا تحتاج الهند إلى الاستثمار بشكل ناشط في المنطقة فحسب، بل عليها أيضًا إقناع الأطراف الإقليمية بالاستثمار في الهند والانخراط بشكل أكبر في مجالات أخرى غير تقليدية.
وتعتبر هذه المسألة ملحةً بشكل خاص في ضوء استثمارات الصين الكبيرة في الخليج وتعاونها العسكري معه في إطار "مبادرة الحزام والطريق"، إضافة إلى مبادرة "طريق الحرير الصحي" التي أطلقتها الصين مؤخرًا لتسويق جهودها الدبلوماسية الطبية والمتعلقة بالتلقيح في المنطقة، والتي تعد بمثابة مواجهة ملحوظة لجهود التواصل الدبلوماسي المماثلة التي تبذلها الهند. وبالمثل، أظهرت الزيارة التي قام بها مؤخرًا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أربع دول في الشرق الأوسط من بينها إيران الجهود الدبلوماسية الصينية المستمرة في المنطقة.
وفي حين تعاملت الصين مع الشرق الأوسط بحذر ودقة، فإن سياسة الصين تجاه "مبادرة الحزام والطريق" – على حد ما لاحظه آيك فرايمان – قد تجنبت الدعاية المفرطة حول مبادراتها الإقليمية في الشرق الأوسط، وذلك بخلاف التغطية الدعائية التي تخصصها لحركاتها الأخرى.
مع اخذ تلك الجهود في الاعتبار، فمن الضروري معرفة أن منافسة الاستثمارات الصينية قد لا تؤدي أبدًا إلى تفوق الهند على النفوذ الإقليمي الصيني في الخليج. ومع ذلك، يجب على الهند العمل على زيادة استثماراتها في بناء علاقاتها مع الخليج بغية موازنة الاستثمارات الصينية.
فقد بدأت الصين انخراطها الفاعل عبر التوقيع على "شراكات استراتيجية شاملة" مع كبرى الاقتصادات الخليجية بعد انطلاق مشروع "مبادرة الحزام والطريق" في العام 2013. وفي هذا السياق، يعتبر الاتفاق الاستراتيجي الذي أبرمته الصين مع إيران العام الماضي بقيمة 400 مليار دولار مهمًا لأنه ينطوي على جانب واضح للتعاون العسكري. وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية التي تعاونت معها الصين في تدريبات مشتركة عسكرية/لمكافحة الإرهاب، حيث تفيد التقارير أيضًا أنه بعد الهجوم على أرامكو السعودية، استنحت الصين الفرصة لتزويد السعودية بطائرات مسيرة من طراز "سي إتش-4" وطائرات بدون طيار مشابهة للطائرات الأمريكية الصنع من طراز "أم كيو-1" التي يملكها النظام السعودي. هذا وقد اشترت الإمارات وباكستان والسعودية طائرات "وينغ لونغ" من الصين. وفي شهر آب/أغسطس من العام الماضي، تعاونت الصين والسعودية على بناء منشأة نووية لاستخراج كعكة اليورانيوم الصفراء من خام اليورانيوم. وبينما يُنظر إلى هذه الاستثمارات على أنها محاولة لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، فمن غير المرجح أن يردع ذلك مخاوف الهند بشأن الوجود الصيني المتزايد في الخليج.
وفى المقابل، تجدر الإشارة إلى أن الهند هي ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم، وتشتري أسلحتها من روسيا وفرنسا وإسرائيل بالدرجة الكبرى. وما يزيد الأمور سوءًا هو أن الهند هي أيضًا ثالث أكبر دولة من حيث الإنفاق الدفاعي. بالتالي، ونظرًا للمشهد الجيوسياسي المتغير، لا تحتاج الهند إلى تنويع شركائها التجاريين في مجال الدفاع فحسب، بل إلى بذل جهود كثيفة للتحول نحو الإنتاج المحلي. في هذا الإطار، لا يقتصر دور الخليج على توفير سوق نابضة للمعدات الدفاعية والأسلحة والذخائر الهندية التي يمكن توفيرها بأسعار تنافسية ومعقولة، بل يوفر أيضًا فرصة للمشاريع المشتركة والاستثمارات في مجال الدفاع. وهذا هو سبب اختيار الخليج كالمنطقة المفضلة الثانية في مبادرة "أتمانيربار" بعد جنوب آسيا.
بحسب مقابلة مع مسؤول دفاعي معني بصياغة "مبادرة أتمانيربار بهارات"، تتوفر أمام الهند عدة وسائل للاستثمار بنجاح في مصانع بناء السفن، مع التركيز على البلدان الساحلية على غرار سلطنة عمان. وتستطيع الهند أيضًا توفير طائرات مسيرة هندية قصيرة المدى كطائرات "آيديا فورج" التي تحلق على ارتفاعات تترواح ما بين العالية والمتوسطة ويمكن استخدامها لتقدير الحالة العسكرية على الأرض، بالإضافة إلى الذخائر المتسكعة على غرار "ميداس" التي تستخدم على المستويات التكتيكية ويمكن للقوات البرية استعمالها. وعلى النحو نفسه، يمكن تعزيز قطاع الطيران عن طريق إنتاج طوافات هندية على غرار مروحية "دروف" المتقدمة الخفيفة. ولأغراض التنبؤ بالأحوال الجوية، قامت شركة "ويذر سيرفيس إنترناشيونال فيوجن" وشركة "هندوستان أيرونوتيكس ليمتد" بإنتاج طائرات مقاتلة خفيفة من الجيل الرابع متعددة المهام وذات محرك واحد. ومن الممكن أيضًا أن تجد دبابات القتال والمناورة مثل "أرجون أم كي1" وأنواعها المختلفة سوقًا جيدة لها في الخليج. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إقناع الشركات الخاصة العملاقة، أمثال شركة "أو أن جي سي فيدش ليمتد" التي تستحوذ أصلاً على 10 في المائة من حقول النفط البحرية في الإمارات، بدخول قطاع الدفاع لتحقيق النتائج المثلى. وبما أن تلك الأطراف الفاعلة في القطاع الخاص هي شريكة موثوقة في المنطقة في مجال استخراج النفط، يمكن توسيع نطاق عملها ليشمل قطاع الدفاع ككل.
علاوة على ذلك، قد ترغب الهند أيضًا في إقامة "شراكة استراتيجية دفاعية" حصرية مع دول الخليج الكبرى. ولا تقتصر أهمية هذه الخطوة على كونها توفر الزخم لخدماتها الدفاعية في هذه الدول والعكس بالعكس، ولكنها تساعد أيضًا تلك الدول على العمل عن كثب على حماية خطوط الاتصال البحرية من أي حصار صيني محتمل في المستقبل. وهنا يمكن استخدام ميناء الدقم الذي عرضته عُمان على الهند ليكون القاعدة الهندية الأولى في المنطقة حيث تتم مراقبة الأعمال الصينية عن كثب وكذلك تسهيل خطة عمل الهند في المنطقة.
من ناحية الهند، يفترض أن يشكل هذا النفوذ المتنامي لخصم إقليمي في منطقة حيوية لاقتصاد الهند و- بشكل متزايد - لأمنها القومي، حافزًا قويًا لنيودلهي. وبالفعل، فيما تعمل الهند بناءً على سياسة الاعتماد على الذات، فإن وضع سياسة طويلة الأمد تعزز الانخراط الهندي في الخليج من خلال الاستثمار والتكنولوجيا والتعاون العسكري هي طريقة استباقية لدعم هذه الأهداف، لا سيما في ضوء الاهتمام الذي تبديه الصين.