- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التعاطف الغربي مع أكراد سوريا لا يكفي
8 يناير/كانون الثاني 2018
تكاد لا تمر مناسبة يحضرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وغيره من المسؤولين الأتراك، إلا وتحدثوا عن الخطر الذي تمثله "وحدات حماية الشعب" للأمن القومي التركي، مواصلين تهديداتهم بأن تنفيذ حملة عسكرية ضد هذه الوحدات و"تدميرها" هي مسألة وقت.
وبدت التهديدات التركية أكثر جدية في نوفمبر الماضي، حين بدأت تظهر بوادر هجوم محتمل ضد منطقة عفرين في حلب من طريق إرسال تعزيزات للجيش التركي إلى الحدود السورية، وكذلك إلى مناطق سورية تسيطر عليها فصائل "درع الفرات". لكن يبدو أن أنقرة لا تزال تبحث عن شركاء لتشكيل تحالف ضد "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يقودها الأكراد في شمال سوريا. وربما يأمل اردوغان في إيجاد منفذ لضرب أكراد سوريا، عبر محاولة إنشاء تحالفات مع روسيا وإيران.
كما سيواصل الرئيس التركي مساعيه في إقناع الروس، الذين يعارضون حتى اللحظة استهداف عفرين، بإزالة هذه الحماية. ويبدو من تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو أن أنقرة لم تحصل بعد على الموافقة الروسية لضرب عفرين. فبعد يوم من زيارة بوتين الأخيرة إلى أنقرة، قال أوغلو: "ستنسق مع موسكو عملية عسكرية في عفرين إذا ظهرت الحاجة إليها". لكن الرئيس التركي لن يكف عن المحاولة، وهذا ربما يفسر كثافة اللقاءات والاتصالات بين أردوغان وبوتين.
ويرجح أن يكون سبب الصمت التركي اللافت حول إعلان روسيا مؤخراً، تقديم الدعم الجوي لـ “قوات سوريا الديمقراطية"، خلال المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في دير الزور، هو تفضيل أنقرة عدم التصعيد مع الروس، حيث يمكن أن تكون تكلفة هذه المواجهة كبيرة جدا. وعلى الرغم من أن موسكو تُركز وتُصر على وحدة الأراضي السورية، إلا ا أنها تفضل حكماً ذاتياً للأكراد. ويرجح أن يواصل الروس منع التحركات التركية ضد عفرين. ولا يستبعد أن يؤثر ذلك، مرة أخرى، في علاقة تركيا مع روسيا في سوريا، رغم أن القطيعة التامة بينهما غير محتملة.
حتى اللحظة يبدو أن الموقف الأمريكي هو أقرب للموقف الروسي من بين كل القوى الفاعلية في سوريا، سواء المتحالفة مع الرئيس السوري أو المعارضة له. فالطرفان يؤيدان انتقال سياسي جاد، ومنح دور مستقبلي للأكراد، وتقليل النفوذ الإيراني والتركي، وإبقاء خطر الحرب بعيداً عن حدود إسرائيل. وسبق أن نجح الروس والأمريكيون في منع تركيا من ضرب "قوات سوريا الديمقراطية" في مدينة منبج. وهناك من يرى أن لواشنطن وموسكو مصلحة في منع تركيا من التدخل في سوريا بأية صفة خارجة عن قتال تنظيم "الدولة الإسلامية". وربما تخشى أنقرة السيناريو الأسوأ في سوريا، والمتمثل في اتفاق أمريكي- روسي يقضي بمنح دمشق حكماً ذاتياً للأكراد؛ يعززه المجتمع الدولي. لكن يبدو أن الولايات المتحدة تفضل أن يتم كل ذلك على أساس تفاهم ما مع تركيا. وقد تحاول واشنطن دفع أنقرة مجدداً إلى استئناف عملية السلام الداخلي مع الأكراد، ما سينعكس ايجاباً على العلاقة بين تركيا وأكراد سوريا.
هناك أطراف إقليمية ربما تشارك الروس والأمريكيين دعم القوى المسيطرة في شمال سوريا. فهناك توجه سعودي- إماراتي لدعم "قوات سوريا الديمقراطية"، الذي قد يضمن وقف التمدد الإيراني - التركي، ويمنع أي دور رئيسي محتمل لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا. في حين لا يزال الموقف المصري غير واضح تماما حيال هذا الملف. أما في إسرائيل، هناك من يعتقد بأهمية التحالف مع الأكراد كطرف موثوق به في سوريا المستقبل. وانه إذا كانت إسرائيل تأمل، مع واشنطن، في منع طهران من إقامة ممر بري، فإنها ستحتاج إلى تعزيز نفوذها في المنطقة الكردية بسوريا لعرقلة طموحات إيران.
لكن في المقابل، تسعى تركيا، التي تعمل على تأمين سلامتها الوطنية وإعادة بناء جيشها وتقوية اقتصادها، إلى توسيع نفوذها في المنطقة. فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة، قام أردوغان بتطهير الجيش وإعادة هيكلته بما يخدم نهجه السياسي، إذ سارع إلى تطهير الدولة من أنصار فتح الله غولن، بالتزامن مع خنق المعارضة السياسية، ولاسيما الكردية، ما أكسبه ود القوميين، الذي سعى هو نفسه إلى تشتيتهم. ويعتقد الساسة في أنقرة أن الفوضى الآن ليست في تركيا بل حولها وأن على تركيا الاستفادة من هذه الفوضى والسماح لجميع المتحاربين في الجوار بإضعاف بعضهم البعض. وعلى الرغم من اعتقاد أردوغان أن أسوأ ما في أزمة محاولة الانقلاب قد مر، وبدأت تركيا تتجه نحو الاستقرار مع تراجع عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" وعودة السياحة تدريجياً، إلا انه ما زال يواجه العديد من التحديات أبرزها الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2019.
تتمركز تركيا، مع روسيا وإيران، في مواقع جيدة للمشاركة في رسم مستقبل سوريا. لكن التسوية حول مستقبل البلاد هي حالياً موضوع خلاف بين أنقرة وطهران من جهة وبين موسكو من جهة أخرى. فإيران وتركيا لا تؤيدان جهود روسيا نحو تشكيل سوريا اتحادية، ما سيسمح ببروز تهديد جديد للقوتين الإقليميتين اللتين ترفضان تماماً إقامة أي كيان كردي في سوريا. وما حدث في كردستان العراق مؤخراً كان أبرز مثال على تعاون تركيا وإيران، رغم خلافاتهما. لكن رغم التقارب التركي الإيراني المفهوم في الملف الكردي، تعلم كل من روسيا وإيران جيداً دوافع أنقرة للتقرب منهما في سوريا. فإلى جانب مواصلة واشنطن التعاون مع أكراد سوريا، تحول الواقع العسكري لصالح نظام الأسد في ظل تراجع نفوذ حلفاء تركيا من العرب السنة، في سوريا، وفي المنطقة.
منذ هزيمته في حلب، بدأ أردوغان يركز كل اهتمامه على فرض خطه الأحمر: لا دولة كردية في سوريا. كما توقعت أنقرة الاستفادة من محادثات استانا وانتزاع تنازلات من روسيا وإيران حول وضع أكراد سوريا. وحاولت أطراف استانا الثلاثة استخدام طرق تكتيكية لتحقيق بعض المكاسب، ولكن هذه ليست تحالفات طويلة الأجل. ورغم الاعتقاد بأن تقارب تركيا مع منافستيها التاريخيتين، إيران وروسيا، هو تحول مهم في السياسة الخارجية التركية، ومؤشر على أن أنقرة قد يئست من واشنطن، فان تركيا تراهن على أن تقاربها مع طهران وموسكو سيكون من أسباب تراجع واشنطن عن دعمها للأكراد. ورغم أن الولايات المتحدة أرضت تركيا بعض الشيء عبر رفضها لاستفتاء كردستان العراق، إلا أن أنقرة ستواصل رؤية دعم واشنطن لأكراد سوريا كضربة لأمنها القومي، وستستمر في حث واشنطن على تغيير سياستها، واستمرار التلويح باستخدام سياسات معادية للمصالح الأمريكية في حال لم تستجب واشنطن. يريد أردوغان الاستفادة من "القيمة المزعجة" لتركيا في المنطقة. فمثلاً القوى الغربية المعنية بإعادة الاستقرار إلى سوريا تعلم تماماً أن تركيا ستجعل من الصعب ضمان تحقيق استقرار دائم في هذه الدولة من خلال معارضتها المفتوحة للأكراد.
لا يزال أردوغان يعول على فكرة أنه عندما يحين وقت الحسم، لن تفضل القوى الغربية، الأكراد، كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية محدودة في المنطقة، على حساب الدولة التركية، الحليف القوي في الناتو. ويرى أن ضرورات تركيا تتفق بشكل أفضل مع رؤية الولايات المتحدة للمنطقة. وسبق أن وصف مسؤولون أمريكيون بأن العلاقة مع وحدات حماية الشعب "مؤقتة وانتقالية وتكتيكية" في حين أن العلاقة مع تركيا "استراتيجية ومتينة". ورغم غياب الثقة الكاملة بين أنقرة من جهة وبين واشنطن وعواصم أوروبية فاعلة من جهة أخرى، فان الطرفان لا يستطيعان الابتعاد عن بعضهما البعض، حيث تجمعهما علاقات دبلوماسية وأمنية واقتصادية كبيرة. وسيسعى الغرب قدر إمكانه إلى تجنب زيادة التوتر مع تركيا. وليس خافياً التعاطف الغربي الكبير مع الأكراد في المنطقة، لكنه لن يكون كافياً للأكراد في مواجهاتهم مع تركيا.