- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التداعيات الإقليمية لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان
أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه ينوي سحب كافة الجنود الأمريكيين المتمركزين في أفغانستان، ويناهز عددهم الـ12 ألف جندي، وذلك بحلول العام 2021. وفي هذا السياق، كان الرئيس ترامب قد صرّح أنه ما كان يجدر مطلقًا بالولايات المتحدة أن تتورط في أفغانستان في الأساس. ولكن إذا سحبت الولايات المتحدة جنودها، من المرجح أن يُطلق هذا الانسحاب سلسلة تفاعلات لدى القوات الدولية التي لا تزال موجودة هناك، حيث أن هناك ما يقرب من سبعة آلاف جندي آخرين من دول أوروبية ستغادر أفغانستان في حال مغادرة الولايات المتحدة، شأنهم شأن القوات التركية والأردنية والإماراتية التي كانت متمركزة في أفغانستان وغادرتها مذّاك. تعكس وجهات نظر ترامب خيبة أمل عامة من قبل الكثير من الولايات المتحدة الجمهور حول المشاركة الأمريكية هناك. لا أحد يحب الحروب التي لها بداية ولكن بلا نهاية.
مع ذلك، يعتقد كافة المتابعين للشؤون الأفغانية تقريبًا أن الانسحاب الكامل للقوات العسكرية الدولية سيؤدي إلى نشوب حرب أهلية أفغانية أعنف مما هي عليه الآن. ومن المرجح أن مقاتلي "طالبان" المنتمين بشكل كامل إلى التنظيم والبالغ عددهم نحو 60 ألف مقاتل، والميليشيات المختلفة، وما تبقّى من الجيش الأفغاني، سوف يتنافسون كلهم على السلطة في الداخل وعلى السيطرة على كابل، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من النزاع في البلاد.
من شبه المؤكد أن تنهار الحكومة الأفغانية الحالية في حال سحب المجتمع الدولي دعمه المالي الراهن أو وجد صعوبة كبيرة في توزيعه بسبب مشاكل متعلقة بالسلامة. والملفت هو أن الحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من الاتحاد السوفياتي صمدت عند الانسحاب العسكري السوفياتي عام 1989، لتعود وتنهار عام 1992 حين أوقفت موسكو دعمها المالي عنها.
وفي الحرب الأهلية التي قد تنتج، سينشأ خط الصدع الرئيسي بين "طالبان" التي يسيطر عليها البشتون، وما يُعرف بـ"التحالف الشمالي" ويتألف بالدرجة الكبرى من الطاجيك – الذين يتحدثون بلغة مشتقة عن الفارسية – في الغرب والشمال، ومن الأوزبك في الشمال، والهزارة الشيعة ذوي الروابط بإيران في وسط أفغانستان. يعتبر "التحالف الشمالي" تجمّعًا ضعيفًا للقوى السياسية أكثر مما هو منظمة متماسكة، وهو يمثّل أكثرية بسيطة من السكان في حين أن البشتون يمثلون نحو 40 في المائة وهم بالعادة أكبر مجموعة عرقية في البلاد.
وبينما ستركّز حركة "طالبان" بمعظمها، كما والقوى المتخاصمة الأخرى، على السيطرة على أفغانستان، ستزداد في الوقت نفسه جرأة بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى التي، بالرغم من وجودها في أفغانستان، تتفرّغ للاعتداء على الحكومات الغربية والإسلامية ومدنييها خارج البلاد. وتشمل هذه التنظيمات فرع "الدولة الإسلامية" في أفغانستان ومخلفات "القاعدة" في أفغانستان وباكستان. وبحسب التقرير الصادر للتو عن مجلس الأمن، لا تزال العلاقة وطيدة بين حركة "طالبان" – وبالأخص "شبكة حقاني" التابعة لها – وتنظيم "القاعدة"، وهي علاقة قائمة على الصداقة وعلى تاريخ مشترك من النضال والتعاطف الإيديولوجي والتزاوج".
غير أن الانسحاب الدولي سيتيح لتلك التنظيمات الكلام عن انتصار جهادي، وهذا ما سيستقطب على الأرجح المزيد من المجندين. ويشار إلى أن الكلام نفسه تردد في أعقاب الانسحاب السوفياتي عام 1989، حين قال الجهاديون، وبقدرٍ كبير من التبرير، إنهم هزموا قوةً عظمى، مع أن أقاويلهم لم تعترف بالمساعدة الكبيرة التي حصلوا عليها من الولايات المتحدة وأوروبا.
من المحتمل أيضًا أن ينشط الإرهابيين الذين يعيشون حاليًا في مكان آخر في العالم الإسلامي وفي الغرب، حيث انهم قد يروا في أفغانستان مكانًا جديدًا يتهافتون إليه، ربما للانضمام إلى فرع "الدولة الإسلامية" في أفغانستان (أي "تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان") أو للانتقال إلى المناطق الخاضعة لحكم "طالبان" من أجل تلقّي التدريب والتلقين العقائدي. وسيكون هذا السيناريو تكرارًا لما حصل في أواخر تسعينات القرن العشرين حين غادر أسامة بن لادن السودان وأنشأ معسكرات تدريب في جنوب أفغانستان في ظل حكم "طالبان".
فضلاً عن ذلك، من المرجح أن تستفيد التنظيمات الإرهابية في أفغانستان وغيرها من تشتت مخزون الجيش الأفغاني والقوات الجوية الأفغانية، مع العلم بأن هذا المخزون يحتوي على بعض الأسلحة المتقدمة. ومن المتوقع أن تتدفق هذه الأسلحة إلى السوق الرمادية الدولية للأسلحة.
مع انسحاب التحالف الدولي، من المحتمل أيضًا أن تكون هناك سياسة جغرافية سياسية مجانية للجميع في أفغانستان مع قوى خارجية تسعى إلى زيادة نفوذها. كما في التسعينات، ربما تفضل إيران الطاجيك والهزارة، وتركيا الأوزبك، وروسيا، والهند، وجمهوريات آسيا الوسطى الأخرى، وربما حتى الولايات المتحدة قد تدعم جميع أطراف التحالف.
في المقابل، فإن باكستان، وربما أيضًا السعودية والإمارات – الدول الثلاث الوحيدة التي اعترفت بحركة "طالبان" بعد استلامها الحكم عام 1996 – قد تحاول توسيع نفوذها في أفغانستان من خلال جماعة البشتون الأفغانية، بمن فيها "طالبان".
ويبقى السؤال مفتوحًا عمّا إذا كانت إسلام أباد ستدعم "طالبان" بالقوة نفسها التي دعمتها بها في التسعينات حين أرسلت ضباطًا عسكريين لمساعدتها في الاستحواذ على أكثر من 90 في المائة من البلاد. وبما أن باكستان باتت تحتوي اليوم على تنظيمها المعارض الخاص على عكس فترة التسعينات، يعتبر بعض الخبراء المعنيين بالشؤون الأفغانية أن دعم إسلام أباد لحركة "طالبان" الأفغانية سيكون مدروسًا بشكل أكبر، وستفضّل تحالفًا ضعيفًا مؤلفًا من القوى المختلفة الموجودة في كابل.
بأي حال، من شأن الحرب الأهلية المطولة أو انهيار الحكومة المركزية الأفغانية أن يؤجج العداوات الإقليمية، كتلك التي تدور بين إيران والسعودية وتركيا.
خاتمة
وبغض النظر عن مدى سوء الأمور حاليًا في أفغانستان، قد يشتد العنف ويتفاقم بعد الانسحاب الكامل للتحالف الدولي، ومن المحتمل أن يضيع سدىً التقدم الملحوظ الذي أحرزته أفغانستان خلال العقدين المنصرمين، بما في ذلك النمو الاقتصادي في المدن، والتقدم الاجتماعي في مجال التعليم ومكانة المرأة، وحتى التطور السياسي في البلاد، مهما كانت انتخاباته الوطنية محل نزاع. وإذا كنت تبحث عن إشادة حول قدرة التحمل البشري، فاطلع على وضع الأفغان اليوم.
من المرجح أن يُبطل الانسحاب هذه المكاسب وسيشكل انتكاسةً في المناطق الأخرى من العالم الإسلامي ككل.
تعليق انور عشقي: "إن انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من أفغانستان قد يشعل فتيل الحرب الأهلية هناك في البلاد وسينتهي بسيطرة حركة طالبان على البلاد. لكن عندما يتحسن الوضع سيتعامل العالم مع طالبان الدولة عوضا عن الميليشيات، حيث ستتغير طالبان وتصبح كيانًا سياسيًا. وفى حال عدم تغيير طالبان سياستها، سيرغم الشعب الأفغاني دولة طالبان على التغيير. أما بالنسبة لروسيا، سيكون من المستحيل أن تتدخل في أفغانستان في هذه المرحلة نظرا لأن تدخلها سيؤدي إلى استنزاف مواردها."