- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
التحليل الإعلامي للقاء الأمير تركي الفيصل واللواء عميدرور
تباينت آراء الصحف العربية بشكل كبير في تغطيتها للحوار الذي نظمه "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى " في الخامس من أيار/مايو الجاري حسب توقيت واشنطن، بين الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العامة في السعودية والسفير السابق في واشنطن، و اللواء المتقاعد في "جيش الدفاع الإسرائيلي" الجنرال يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد هاجمت بعض هذه الصحف ذلك الحوار، مع توجيهها انتقادات حادة إلى القائمين على السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية. وفي مقدمة هذه المصادر الإعلامية: صحيفة "رأي اليوم" المستقلة، و"وكالة أنباء براث" العراقية، وموقع "تحالف قوى المقاومة الفلسطينية". وقد شنت هذه المؤسسات الإعلامية حملة شرسة تتهم السعودية بالسعي إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتآمر على مقدسات المنطقة واستقرارها. أما على الجانب الآخر، فقد كانت هناك بعض الصحف والمواقع الإخبارية العربية التي تلقت خبر اللقاء بين الجانب السعودي والإسرائيلي بصدر رحب، في حين أظهر بعضها تحفظاً شديداً في التعامل مع حيثيات الخبر، بل هناك من تعمد إهمال أغلب جوانب الحوار الذي دار بين الفيصل و"عميدرور"، مع الاكتفاء بإفراد صفحاتها فقط، لما طرحه الفيصل حول القضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية. وكمثال عن ذلك، نذكر: صحيفة "الأهرام" المصرية الرسمية، وصحيفة "الحياة" السعودية، وصحيفتا "الرأي" و"الأنباء" الكويتيتان، إلى جانب بعض الصحف التي مرت على الخبر مرور الكرام، ولم تتناوله بالتحليل المعمق، ونعني بذلك، الصحف الإماراتية.
وبالنظر إلى فريق المنتقدين والمشككين، فقد ذكر عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة "رأى اليوم" المستقلة، أن اللقاء الذي تم بين الأمير تركي الفيصل والجنرال الإسرائيلي "عميدرور"، قد أظهر رغبة الطرفين ـ السعودي والإسرائيلي ـ في الشروع في بداية مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات بينهما. فكل منهما يهدف إلى تكوين تحالف مشترك، سعياً إلى مواجهة الخطر والتهديد المشترك المتمثل في إيران والإرهاب، بشقيه السني والشيعي. كما يرى "عطوان" أن الفيصل حاول عمداً، تضليل الرأي العام حينما أعلن على أنه: "بالعقول العربية وبالمال اليهودي، يمكننا المضي قدماً بصورة جيدة في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية"، حيث أن الأمير تركي تغافل عن حقيقة امتلاك العرب للعقل والمال معاً، إذ هم ليسوا بحاجة لا للمال، ولا للعقل اليهودي، وإنما مشكلتهم في القادة العرب ـ وعلى رأسهم قادة المملكة العربية السعودية ـ الذين بددوا ذلك المال، وأضاعوا العقول. كما يرى "عطوان" أن الخمسة عشر مليون يهودي حول العالم، لا يمتلكون المال الذي يمتلكه العرب الذين يصدرون أكثر من ثلثي إنتاج منظمة الأوبك، والذين يمتلكون ثلثي نفط العالم. وفى هذا الصدد، يرى موقع "إيوان 24" الإعلامي المستقل، أن تلك المقولة هي أخطر ما قاله الفيصل، نظراً لأنها تنطوي على المنطق نفسه الذي تروجه الدعاية الصهيونية، والتي تجمع المال العربي مع العقلية الإسرائيلية، إلى جانب اليد العاملة العربية. كما نشرت " وكالة أنباء براث " العراقية خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني "حسن نصر الله"، والذي أشار فيه إلى اللقاء المذكور، حيث قال: "إن مسألة الجزيرتين المصريتين [«تيران» و«صنافير» في البحر الأحمر اللتين ستعيدهما القاهرة إلى السيادة السعودية] هي شأن مصري، لكنها ستفتح الباب إلى مزيد من الاتصال والتعاون بين الجانب السعودي والإسرائيلي". كما أكد "نصر الله" على أن تلك اللقاءات تعكس وجهة النظر السعودية والتغير الواضح في سياستها الخارجية، وليس كما يدعي البعض بأن اللقاء هو بين طوائف المجتمع المدني فحسب، وبأنه لا علاقة له بالأجهزة الرسمية لكلا البلدين. ويرى "نصر الله" كذلك، أنه لا يجب أن نتوقع من السعودية أن تتخذ موقفاً مما يحدث في غزة أو غيرها، إلا إذا أرادت فقط، حفظ ماء وجهها.
ومن جهته، أدان "موقع تحالف قوى المقاومة الفلسطينية" هذا اللقاء، حيث أصدر ـ على موقعه ـ بياناً، اعتبر فيه اللقاء بمثابة تطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني، وأنه يمثل استمراراً لسلسة من اللقاءات السرية التي تمت في السابق، بين المسؤولين الإسرائيليين والسعوديين. كما أشار البيان أيضاً، إلى أن السعودية لعبت ـ بالتعاون مع الكيان الصهيوني ـ دوراً كبيراً في "تغذية الفتن المذهبية"، وفي استمرار العدوان على شعوب اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا. وقد ادعى البيان أن التنسيق السعودي-الإسرائيلي؛ يهدف إلى تقسيم شعوب المنطقة، وإلى تجزئتها، تمهيداً للشروع في القضاء على القضية الفلسطينية. وطالب ذلك البيان الأمةَ العربيةَ بمواجهة هذا التطبيع مع العدو الإسرائيلي، محذراً من المخطط السعودي الذي يهدف إلى الترويج لعملية التطبيع تلك، وإلى تنفيذ مخطط يسعى إلى النيل من الشعوب العربية. ومن ناحية أخرى، رأت صحيفة "الصباح " التونسية، أن اللقاء السعودي -الإسرائيلي هو بمثابة "كارت أخضر" يسمح لإسرائيل بالترويج الإعلامي والدعاية لصالح الدبلوماسية الإسرائيلية، كما أنه سيساعد إسرائيل على الترويج لخطابها الذى ما فتئت تردده، منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، حيث ظلت تكرر تحذيراتها من الخطر الإيراني المتزايد، مبدية رغبتها في تعاون مشترك، وفي تحالف مع دول التعاون الخليجي، لمواجهة وردع هذا الخطر الإيراني. أما "وكالة القدس للأنباء" فقد رأت في ذلك اللقاء الذي جمع الفيصل بالجنرال الإسرائيلي، خطراً جسيماً على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وأنه حدث كشف عن نية إسرائيل رفض مبادرة السلام السعودية، وكان ذلك جلياً في حديث "عميدرور" حين قال: "إن الوضع تغير الآن، فيما يتعلق بالمبادرة التي قدمتها السعودية عام 2002، فهل ترون الآن، "الأسد" يتفاوض مع إسرائيل؟! وهل سترون اللبنانيين يقومون أيضاً، بالتفاوض مع إسرائيل؟!". وترى صحيفة "السفير اللبنانية"، أن ذلك اللقاء جاء ليؤكد على أن المملكة العربية السعودية قد تخلت عن ثوابتها، وأنها أصبحت تسعى وراء تطبيق رؤيتها الجديدة، والتي تهدف إلى تكوين تحالفات قوية، تعوض الفراغ الذي سيتسبب فيه "الرحيل" الأمريكي عن منطقة الشرق الأوسط، وذلك من أجل أن تضمن استمرارية العائلة الحاكمة، وأن تحافظ على مصالحها مع جيرانها التاريخيين في دول «مجلس التعاون الخليجي»، وتحمي أمنهم الاقتصادي. وتضيف الصحيفة على أن هذا اللقاء الذي يجمع "صقور" الأجهزة الأمنية في المنطقة، لا يمكن أن نعتبره مجرد "حلقة بحثية" تسعى لإبراز حسن النوايا، فالخلفية الأساسية والأمنية التي يتمتع بها الأمير تركي الفيصل والجنرال "عميدرور" تعكس الرؤية الواقعية للمسؤولين عن صنع القرارات في كلا البلدين.
وأما على الطرف الآخر، فقد كانت هناك بعض الصحف والمواقع الإلكترونية الهامة التي اتخذت موقفاً غير هجومي، حيث أهملت أغلب مضامين الحوار، فركزت فقط، على ما تم تناوله بخصوص القضية الفلسطينية، مع خلو تقاريرها من أي اتهامات تتعلق بالتطبيع. فقد تناولت صحيفة "الأهرام" ـ التي لا تكاد تخلو أعدادها اليومية من مقالات تهاجم فكرة التطبيع مع إسرائيل، مع اتهام كل من ينادي به، بالخيانة والعمالة ـ تناولت اللقاء المذكور على أنه مجرد مناظرة، وليس مؤشراً على بداية تطبيع وحوار جاد، بل انتصرت الصحيفة للأمير الفيصل على نظيرة الإسرائيلي، فأثنت على مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية، كما سردت بنودها، وبالمقابل، رأت أن إسرائيل كانت تهدف من ذلك اللقاء إلى بث الخوف والرعب في نفوس دول الخليج، محذرة إياهم من التهديد الإيراني، وهي تمني النفس أن يدفعهم ذلك إلى حروب سنية- شيعة تستنزفهم وتضعف قدراتهم.
أما صحيفة "الحياة" السعودية المستقلة، فقد تناولت اللقاء تحت عنوان:" تركي الفيصل يؤكد في واشنطن رفض أي تعاون مع إسرائيل"، حيث ألقت الضوء على بعض جوانب اللقاء التي تبرز اهتمام الملكة العربية السعودية بالقضية الفلسطينية، وتظهر تمسكها بالمبادرة العربية للسلام. حيث ركزت على كلمة الفيصل التي قال فيها: «بأنه لا تعاون من أي نوع، مع إسرائيل في ظل استمرار احتلال فلسطين». في حين أصدرت صحيفة "الأنباء الكويتية" تقريراً ألقت في أغلبه، الضوء على كلمة الأمير تركى الفيصل التي تعلقت بموضوع العلاقات الأمريكية السعودية، وموضوع مبادرة السلام العربية. كما أشار ذلك التقرير إلى تأكيد الفيصل على أهمية الأخذ بالمبادرة العربية للسلام، كأفضل آلية لتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل ووضع حد للمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني والحد من التوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية. وقد سارت على المنوال نفسه، صحيفة "الرأي الكويتية"، حيث خصصت أيضاً، أغلب مساحتها لعرض كلمة الفيصل دون أن تتناول اللقاء بالنقد والتحليل.
هكذا تضاربت مختلف الجرائد والصحف العربية في تغطياتها، ومواقفها من اللقاء الذي جمع بين السعودي تركي الفيصل والجنرال الإسرائيلي يعقوب "عميدرور"، من حيث مساحة وحيز وقوة التغطية والمتابعة الصحفية، لا من حيث نوعية المواقف تجاه ذلك الحدث. ولعل هذا التضارب راجع إلى تباين زوايا نظر هؤلاء الإعلاميين، وإلى تباين مصالح المتحكمين ـ خلفهم ـ في تلك المؤسسات الإعلامية، وإلى نوعية علاقاتهم ـ عن قرب أو عن بعد ـ بالمملكة العربية السعودية أو بإسرائيل، دون إغفال نوعية علاقاتهم بالقضية الفلسطينية.
محمد عبد العزيز هو محرر اللغة العربية بـ "منتدى فكرة" حالياً و مسؤول برامج بـ "مؤسسة بيت الحرية" سابقاُ. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"