- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التعلم من إرهابي مصري: إلقاء القبض على عشماوي ومحاكمته في هذا السياق
في أوائل أيام تشرين الأول/أكتوبر، داهمت "القوات المسلحة الليبية" ملكيةً سكنيةً في مدينة درنة، ونجحت في إلقاء القبض على المقاتل المصري الهارب هشام عشماوي، الذي عمِل كقائد تكتيكي لكلٍ من "أنصار بيت المقدس" والمجموعة المنبثقة عنها المدعوة "المرابطون". وفور انتشار خبر التوقيف، دعت السلطات المصرية إلى تسليمه، آمله استجوابه على تخطيط وتنفيذ ما يقارب عشرين هجوماً مسلحا. وعلى عكس التوقعات، مر أكثر من شهرٍ على توقيف عشماوي و لم تُسلّم بعد القوات المسلحة الليبية أكثر المطلوبين داخل مصر" إلى القاهرة. وفي الواقع، ووفقًا لبعض المصادر، ربما تتم محاكمة عشماوي على الأراضي الليبية قريباً.
لا يتّضح كيف سيؤثّر تعذّر تسليم عشماوي على العلاقة بين القاهرة و"القوات المسلحة الليبية". ففي السنوات الأخيرة، دفعت الهجمات التي نفّذها المتمرّدون في ليبيا وانعدام الاستقرار العام في البلاد مصر إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية على طول الحدود مع ليبيا وتوفير الدعم إلى شركاء استراتيجيين مثل قائد "القوات المسلحة الليبية" خليفة حفتر، الذي يسيطر بالفعل على شرق ليبيا.
من ناحية، يدلّ نجاح "القوات المسلحة الليبية" في توقيف شخصيةً مثل عشماوي على فعاليتها كحليفٍ ويشير نوعًا ما إلى أن استراتيجية مصر تجني ثمارها. مع ذلك، بما أن جاء طلب تسليم عشماوي مباشرةً من الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، الذي نقلت حكومته أن التسليم "سيجري في مهلة أسبوع" من التوقيف. ومع ذلك، ربما تؤدي مناورات ومماطلة القوات المسلحة الليبية في عملية التسليم إلى توتر علاقتها مع القاهرة.
بغض النظر عمّا إذا تمّ تسليمه إلى مصر أو حوكِم في محكمة ليبية، قد يصبح تورّط عشماوي الكبير مع الخلايا الإرهابية في كلٍ من مصر وليبيا مصدر معلوماتٍ ثمينٍ للسلطات، التي تستطيع استخدام تلك المعلومات لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب.
إن عشماوي، أحد أبرز المقاتلين في المنطقة، هو شخصية مهمة بشكلٍ خاص بسبب خبرته العسكرية كرائد في "قوّات الصاعقة" المصرية. ورغم طرده على خلفية التطرف الديني في سنة 2011، خدم عشماوي في القوات العسكرية المصرية لخمسة عشر عامًا كما تلقّى التدريب في الولايات المتحدة عبر برنامج قوات الـ "نافي سيلز".
كنتيجة لهذه الخبرة العسكرية، ساعد عشماوي "أنصار بيت المقدس" على تطوير برامج للتدريب القتالي، شملت أساليبَ مثل الكمائن والصواعق، التي أودت بحياة عدد كبير من الجنود. وبفضل معرفته الوثيقة بجغرافيا الصحراء الغربية تمكن عشماوي من تهريب أسلحة ثقيلة عبر الحدود الطويلة بين مصر وليبيا. فضلاً عن ذلك، نجح عشماوي في تجنيد عددٍ من المنشقّين الآخرين عن القوات المسلحة المصرية، من بينهم الضابط السابق عماد عبد الحميد، الذي تورّط في التخطيط لهجوم الواحات في سنة 2017 وغيره.
عمشاوي نفسُه مسؤولٌ عن عددٍ من الهجمات الإرهابية، بما فيها هجوم الواحات البحرية في تشرين الأول/أكتوبر 2017، عندما قُتِل عددٌ من العناصر الأمنية واختُطف أحدها، وعملية الفرافرة التي نُفّذت سابقًا في تموز/يوليو 2014، التي أسفرت عن مقتل 28 ضابطًا وجنديًّا. واستهدف عشماوي أيضًا شخصيات رفيعة المستوى، منها محاولة اغتيال محمد إبراهيم الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في سنة 2013، وتمكن بالفعل اغتيال المدّعي العام المصري هشام بركات قرب منزله في مصر الجديدة في حزيران/يونيو 2015.
عبر هذه الهجمات وغيرها، أثبت عشماوي قدرة جماعته على دمج التكتيكات العسكرية مع إيديولوجيات "القاعدة" ونتج عن ذلك خسائر بشريه كبيرة بين القوات المسلّحة المصرية.
سبق أن أصدرت المحاكم المصرية حُكم الإعدام الغيابي بحق عشماوي كعقاب مستحق نتيجة عملياته الإرهابية الكبيرة، ومما يدعو للسخرية حقاً هو أن زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي أصدر حُكمًا مشابهًا بسبب التزام هذا الأخير بتعاليم زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري. فرفض عشماوي إعلان ولائه للبغدادي كخليفة تماشيًا مع باقي أعضاء "أنصار بيت المقدس"، ما أدّى إلى انفصاله عن المجموعة المسلحة في سيناء وتشكيل جماعة "المرابطون" في تموز/يوليو 2015.
بالفعل، وصل عشماوي منذ ثلاث سنوات إلى حد التصريح على قناة "يوتيوب" الخاصة به أن خلافة البغدادي "غير شرعية" وأنه "لم يعترف بتلك الخلافة، وأنه يجب ألّا يُعلن المسلمون ولاءهم إليها". واضطرّ عشماوي بسبب ضُعف "المرابطون" النسبي بعد انفصالهم عن "أنصار بيت المقدس" إلى الهرب إلى ليبيا، إلّا أنه واصل أنشطته الإرهابية إلى حين إلقاء القبض عليه مؤخّرًا.
بعد أن أصبح عشماوي الآن بين أيدي "القوات المسلحة الليبية"، تحظى قوى الأمن بفرصة التعرّف أكثر إلى أعضاء "المرابطون" وحلفائهم وخلاياهم النائمة، فضلًا عن عمليات المجموعات الجهادية الأخرى في المنطقة. وفعلًا، أفصح عشماوي منذ توقيفه بحسب التقارير عن معلوماتٍ حول ما يقارب أكثر من 100 مقاتل يختبئون حاليًّا في درنة، وحول مقبرة جماعية في المدينة تحتوي على بقايا محاربين بارزين من "القاعدة"، وحول الأساليب التي استخدمتها "القاعدة" لتجنيده وتشكيل خلايا داخل القوات المسلحة المصرية.
الآن، ورغم الضغوطات لإعدام عشماوي، ستتصرف السلطات بحكمة إذا تركت عشماوي سالمًا. فنظرًا إلى التفاصيل الدقيقة والمعلومات الأساسية التي قد يوفّرها عشماوي عن بنية الخلية الإرهابية والابتكارات التكتيكية وتكتيكات التجنيد، يجب أن تستخدم السلطات المصرية والليبية عشماوي كدراسة حالة. فباستطاعة هذا الإرهابي إذا بقي على قيد الحياة أن يساعد السلطات في فهم الأسباب والظروف التي مكّنت "القاعدة" من زرع عملائها داخل الجيش المصري ونجاح المجموعات الإرهابية في تجنيد العناصر من أجل ردع نجاح مثل هذا التكتيك في المستقبل.