- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التقارب الأمريكي-المصري بعد وقف إطلاق النار في غزة: ردود الفعل الإعلامية والتداعيات
في حين تفاوتت ردود أفعال وسائل الإعلام حول التقارب بين مصر والولايات المتحدة من جهة وبين مصر وحماس من جهة أخرى، فمن الواضح أن السيسي استغل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس لتحقيق مصالحه.
طالما كانت مصر شريكة مهمة للولايات المتحدة وحصلت على مساعدة عسكرية أمريكية ملحوظة ناهزت 1.5 مليار دولار سنويًا. ومع ذلك، منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة في كانون الثاني/يناير 2021، تم تجاهُل السيسي تمامًا وتهميشه. فلم تتصل إدارة بايدن به أبدًا ولا دُعيَ إلى واشنطن. كما أنه ما من مسؤول أمريكي زار القاهرة. وعلاوةً على ذلك، أعلن بايدن في خلال حملته أن " ديكتاتور ترامب المفضَّل لن يتلقى بعد الآن شيكات على بياض"، مشيرًا إلى السيسي. وباختصار، شهدت العلاقات الأمريكية-المصرية انتكاسة كبيرة منذ تولي بايدن منصبه.
مع ذلك، بعد اندلاع العنف بين إسرائيل وحركة "حماس"، والاتصال الافتتاحي الذي أجراه بايدن مع السيسي لاحقًا في 20 أيار/مايو، تمكنت مصر من التوسط لوقف إطلاق النار بين الجهتين. وفيما ناقش الاثنان تعزيز وقف إطلاق النار في غزة، تطرقا أيضًا إلى التطورات الأخيرة في مفاوضات سد النهضة الأثيوبي الكبير، ومسألة حقوق الإنسان في مصر و"التزامهما بالدخول في حوار شفاف... في هذا الصدد".
انقسمت ردود الفعل الإعلامية المصرية إزاء التقارب الواضح بين الولايات المتحدة ومصر: فصورت إحدى الروايتين هذا التقارب كعلامة على الدور الإقليمي الحيوي الذي تؤديه مصر، فيما وصفت الرواية الأخرى وقف إطلاق النار بسخرية على أنه "تكليف جديد" من الولايات المتحدة لمصر. وإلى ذلك، قدّمت وسائل الإعلام أيضًا قراءات مختلفة حول خطاب مصر المعتدل بشكل مثير للدهشة إزاء حركة "حماس". وبررت المصادر الموالية للنظام هذا الخطاب بشكل أساسي على أنه نتيجة لكل من التحولات الإقليمية وتبديل حركة "حماس" سلوكها. ومع ذلك، يُتوقَع أن يوجه التقارب الأمريكي-المصري ضربة شديدة إلى المجموعات المعنية بحقوق الإنسان في مصر. وما يبدو واضحًا، سواء من ناحية الأهمية العالمية أو قضايا حقوق الإنسان، هو أن السيسي خرج منتصرًا من دور الوساطة الذي أدته مصر في وقف إطلاق النار.
ردود الفعل الإعلامية إزاء التقارب الأمريكي-المصري
صوّرت كافة الأطراف الموالية للنظام من وسائل الإعلام والمفكرين والمسؤولين التقارب المصري الحالي كمؤشر أساسي على الأهمية الإقليمية الحيوية لمصر على الصعيدين السياسي والجيوسياسي. وفي هذا السياق، ارتأى المحلل السياسي وعضو مجلس الشيوخ، الدكتور عبد المنعم سعيد، أن الإدارة الأمريكية بدأت تدرك أخيرًا أهمية الدور الإقليمي الذي تؤديه مصر وقدراتها على الأرض، لا سيما تعاملها الحرفي مع الوضع في ليبيا، حيث دعمت الاستقرار. وقال كذلك مصطفى كامل السيد، وهو أستاذ علوم سياسية في "جامعة القاهرة"، إن الرئيس المصري "أظهر للولايات المتحدة أنه فعال في مشهد الشرق الأوسط".
علاوة على ذلك، وصف الصحافي والكاتب البارز، عبد العظيم حماد، الاتصال بين الرئيسين الأمريكي والمصري بأنه "ليس مكرمة شخصية ولا منحة أمريكية للدولة المصرية. وإنما هو [بالمصطلح القانوني] اعتراف مقرِر بدور مصر الإقليمي ووزنها وخبراتها المتراكمة وتشابُك أمنها [ومصالح أخرى لها] مع القضية الفلسطينية-الإسرائيلية".
ردود الفعل الإعلامية للمعارضة إزاء التقارب الأمريكي-المصري
في المقابل، لا تعترف بعض وسائل إعلام المعارضة التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" وشخصيات المعارضة العلمانية بدور السيسي في الأزمة. وفي هذا الصدد، ارتأى الصحافي معتز مطر أن تقارُب الولايات المتحدة من السيسي شجعه أصلًا نتنياهو، الذي حث بايدن على الاتصال بالسيسي وطلب منه التوسط لوقف إطلاق النار بعد فشله في استخدام الإمارات العربية المتحدة كوسيط. وأضاف أنه لو خُيِّر الفلسطينيون بين مصر والإمارات، لفضّلوا مصر على الإمارات، بما أن هذه الأخيرة بدأت مؤخرًا عملية تطبيع مع إسرائيل وعملت على تجفيف مصادر التمويل الخاصة بحركة "حماس".
وفقًا للمؤرخ والأكاديمي المصري، الدكتور عاصم الدسوقي، إن محادثات بايدن مع السيسي ليست سوى مجرد "تكليف جديد" لمصر، التي بإمكانها تهدئة "حماس" والسيطرة عليها فحسب وليس فرض شروط على إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، زعمَ الكاتب والسياسي حسن حسين أن "الاتصالات بين مصر وأمريكا بشأن القضية الفلسطينية خلال الخمسين سنة الأخيرة كانت دائمًا تصب في’ الكيان الصهيوني‘" وأن "السيسي لم يدخر وسعًا في تقديم نفسه بوصفه خادمًا مطيعًا في المحراب الأمريكي-الصهيوني".
تداعيات التقارب الأمريكي-المصري على حقوق الإنسان في مصر
فيما شددت المحادثات بين بايدن والسيسي على "أهمية الحوار البنّاء حول مسألة حقوق الإنسان"، كانت المنظمات المصرية غير الحكومية عرضة لالتزام إدارته بقضية حقوق الإنسان هذه وبالديمقراطية في مصر. فبحسب مقابلة هاتفية مع عدة رؤساء لهذه المنظمات، أثار م.م. – وهو رئيس منظمة مصرية غير حكومية تركّز على مراقبة الانتخابات ونشر الوعي العام – القلق من أن يشكل التقارب المصري-الأمريكي تهديدًا جديًا لحركة حقوق الإنسان في مصر. وأشار إلى أنه يفتح كذلك المجال لشن المزيد من الحملات القمعية ضد المنظمات غير الحكومية، التي تقيّدها أصلًا مجموعة من التشريعات القاسية.
إلى ذلك، اعتقد م.م. أن المشكلة الجدية المتعلقة بشح التمويل الأجنبي – وهو تدفق للإيرادات تحتاج إليه المنظمات غير الحكومية التي ينقصها النقد – ستستمر، بما أن تضاؤل الضغط الأمريكي سيسمح للنظام بالإشراف على تمويل هذه المنظمات، أو رفض التمويل، أو تحديد كيفية توزيعه. وقد يدفع تجفيف مصادر تمويل المنظمات غير الحكومية عددًا كبيرًا منها إلى الإغلاق، بسبب شح التمويل المحلي.
علاوة على ذلك، رأى إ. أ. – وهو رئيس منظمة مصرية غير حكومية تعمل في مجال دعم الشفافية والحكم الرشيد – أن النظام المصري سيستفيد كثيرًا من التقارب الراهن، بما أنه سيرتاح من التعرض للضغط الأمريكي. لذلك، إذا أدى التقارب الراهن إلى الإعفاء من الضغط الأمريكي على مصر، لن يتوافر أي سبيل لإبقاء النظام خاضعًا للمساءلة عن انتهاكاته لحقوق الإنسان الملحة. وشدد إ. أ. أيضًا على أن الضغط الأمريكي يجب أن يكون أكثر فعاليةً وثباتًا. وإذا لم يتحقق ذلك، سيواصل النظام المناورة عبر تطبيق إصلاحات وتشريعات شكلية، أو إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين، من أجل تحسين صورته بالنسبة إلى حكومة الولايات المتحدة من دون إحداث تغيير حقيقي.
بالإضافة إلى ذلك، أكد ح. ي.، وهو أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان ورئيس منظمة مصرية غير حكومية تعمل في ميدان التوعية القانونية، أن النظام المصري نجح في التكيف مع الإدارات الأمريكية المتتالية والتهرب من الضغط الأمريكي الجدي، وبالتالي ضمان استمرار تدفق المساعدة العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار. فتَحكّمَ النظام المصري بمهارة بالهواجس الأمريكية المتعلقة بالإرهاب الديني والسياسي من أجل إبطال مفعول قضية حقوق الإنسان، والمحافظة على الحد الأدنى من الضغط الأمريكي. كما أضاف ح. ي. أن تقدير بايدن للجهود التي بذلها السيسي على الأرض في غزة ربما يؤكد على نجاح الأنظمة المصرية في تطويع الإدارة الحالية.
ردود الفعل الإعلامية إزاء التقارب مع حركة "حماس"
رغم عدم توقف التواصل أبدًا بين الحكومة المصرية وحركة "حماس"، ولو اقتصر على الاجتماعات الأمنية الخاصة، اعتمد الإعلام المصري بشكل عام خطابًا عامًا عدائيًا تجاه حركة "حماس". لكن بعد اندلاع النزاع في غزة، بدا أن الخطابات الإعلامية والرسمية غيرت هذه النبرة وظهرت كأنها في وئام مع "حماس".
كذلك، سارعت مصر إلى توفير المساعدة المباشرة لِغَزّة – التي شملت تقديم 500 مليون دولار أمريكي – واعتمدت موقفًا راعيًا للفلسطينيين. فبدأت بفتح حدودها مع غزة من أجل نقل الجرحى الفلسطينيين إلى المستشفيات المصرية، وإرسال أسطول سيارات إسعاف إلى غزة. وإلى ذلك، كانت بعض التعابير مثل "الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية، والشهداء" تظهر بشكل منتظم في معظم وسائل الإعلام الرسمية المصرية. والجدير بالذكر هو أن صحيفة "الأهرام" الرسمية المصرية نعتت إسرائيل بقوة "الاحتلال" في حين أنها استخدمت كلمة "المقاومة" للإشارة إلى "حماس".
أشار هذا التبدل في النبرة إلى التقارب السلس وغير المتوقع تجاه "حماس"، ما أثار دهشة المراقبين السياسيين وحتى المواطنين العاديين الذين كانوا عرضة لتقارير إعلامية عدائية ومنهجية بشأن "حماس" منذ عام 2013. فمنذ وصول السيسي إلى السلطة، تم تصوير حركة "حماس" على أنها تنظيم إرهابي يدعم التمرد في شمال سيناء. كما اتهم الإعلام المصري حركة "حماس" – بالتنسيق مع "الإخوان المسلمين" – باقتحام مراكز الشرطة وإحراقها في خلال الثورة ومحاولة إطلاق سراح الرئيس السابق محمد مرسي.
لتفسير هذا التبدل الملحوظ في العلاقات بين "حماس" ومصر، نسبَ أستاذ العلوم السياسية في "جامعة القاهرة"، مصطفى كامل السيد، هذا التغير إلى التعديلات السياسية الأوسع نطاقًا التي تحدث حاليًا في المنطقة. فأثارت موجات التطبيع الراهنة بين بعض البلدان العربية وإسرائيل قلق مصر بشأن دورها التاريخي في عملية السلام، وتداعيات هذه التحولات على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية. فحفّز ذلك مصر على انتهاز الفرصة واستعادة دورها في العملية، من خلال إظهار نبرة استرضائية إزاء "حماس" وأيضًا إزاء القضية الفلسطينية الأكبر.
وأضاف السيد أيضًا أن نجاح الجهود المصرية في المصالحة الفلسطينية، والجهود لإجراء الانتخابات الفلسطينية التي تم إرجاؤها منذ زمن طويل، لعبت دورًا كبيرًا في تحسن العلاقات بين مصر و"حماس". والأهم من ذلك هو توقف العمليات الإرهابية في سيناء تقريبًا. ومن ثم، أدركت السلطات المصرية أن مَن نفذوا هذه العمليات الإرهابية لم يكونوا فلسطينيين من "حماس"، ولا كانوا مدعومين من هذه هذه الحركة، بل كانوا كلهم مصريين.
في السياق نفسه، أكد المحلل السياسي والأكاديمي المصري حسن نافعة أن السبب الأساسي الكامن خلف تبدُّل الخطاب المصري إزاء "حماس" هو إدراك مصر أن حركة "حماس" لم تعُد فصيلًا تابعًا لجماعة "الإخوان المسلمين"، بل هي "فصيل يدافع عن قضيته".
اختلفت نظرة بعض الأشخاص في المعارضة إلى الخطاب المصري إزاء حركة "حماس"، واعتقدوا أن هذه الحركة لم يكن أمامها سوى خيار الامتثال لاقتراح وقف إطلاق النار المصري. فوفقًا لمعتز مطر، إن سيطرة مصر على معابرها الحدودية مع غزة – وهي المنفذ الوحيد لسكان غزة نظرًا إلى السيطرة الشديدة التي تفرضها إسرائيل على الحدود الأخرى لغزة – سمحت للحكومة المصرية بالتحكم بالأسعار ودخول السلع التجارية الأساسية إلى غزة.
بالتالي، خشيت حركة "حماس" أن يؤدي رفضها اقتراحات مصر لوقف إطلاق النار إلى رد سلبي، وأن يدفع هذه الأخيرة إلى إحكام قبضتها على المعبر. وبالإضافة إلى ذلك، لجاءت بعض وسائل الإعلام التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" الى نظرية المؤامرة، حيث ادعت أن الشركات المصرية التي يُتوقَع أن تشارك في إعادة إعمار غزة، تخطط للتجسس على "المقاومة" لصالح إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
في حين أن التفسيرات الخاصة بأحداث الأسابيع القليلة المنصرمة تتنوع، ما يتضح هو أن السيسي حقق ربحًا في النهاية. فاقتصرت شرعيته، التي كانت قائمة في الأصل على الوعود الفضفاضة بتوفير الأمن الكامل والنمو الاقتصادي للمصريين، على الترويج للخوف من "الإخوان المسلمين"، ومكافحة الإرهاب، وحماية الاستقرار. وأدت هذه السياسات إلى انهيار قطاع السياحة المصري الذي يساهم في تأمين 11.3% من إجمالي الدخل القومي، وإلى حلول أمنية ألحقت المزيد من الضرر بوضع حقوق الإنسان في مصر. لذلك، نظرًا إلى أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة إلى معظم المصريين، وبروز السيسي بمثابة المنقذ المزعوم للشعب الفلسطيني، ستشهد شرعية السيسي على الأرجح تقدمًا ملحوظًا – على الأقل بين أنصاره الحاليين.
في حين أن الولايات المتحدة لها حق السعي خلف مصالحها الخاصة ومصالح حلفائها، على إدارة بايدن أن تعمل على تحقيق التوازن بين مصالحها الإقليمية والتزامها بدعم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. وفي المقابل، قد يؤدي الالتزام الأمريكي غير المتسق بهذه القيم في مصر إلى تأزيم وضع حقوق الإنسان في البلاد وإعطاء الضوء الأخضر للنظام لمواصلة حملته القمعية ضد الصحافيين والناشطين المعنيين بحقوق الإنسان.