- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التطبيع على المحك: الرسالة الإماراتية إلى الإسرائيليين
في السنوات القليلة الماضية، ازداد مستوى التعاون الاقتصادي والأمني غير المسبوق بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وذلك في ظل التهديدالمشترك المتمثل في إيران. كما وستبقى البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية الموجودة داخل مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي، إضافةً إلى مكتب تجارة غير رسمي في دبي، على المحك. وخلال شهر أيار/مايو الفائت، قامت شركة الاتحاد للطيران بتسيير أول رحلة تجارية مباشرة بين أبو ظبيوتل أبيب من أجل تقديم المساعدات للفلسطينيين المتضررين من فيروس كورونا. وبغض النظر عن الغرض من هذه الرحلة، فقد كشفت عن نوع التطبيع الممكن حدوثه في المرحلة المقبلة. وإذا كانت إسرائيل ترغب في خطوات إضافية من الطرف الآخر، فملاقاة الإمارات في منتصف الطريق هو استثمار طويل الأمد يجب على إسرائيل أخذه بعين الاعتبار إن لم يكن تبنّيه.
يرى الإماراتيون في أي تحرّك، ولو رمزي، نحو حل الدولتين، تهديدًا جسيمًا على الأمن القومي الإماراتي وتعقيدًا لكافة المساعي التي تبذلها الإمارات منذ عقدَين لتحقيق الأمن الإقليمي. وهم يتوقعون قيام دولة واحدة تعاني من استقرار متزعزع للغاية وتحفل بالنزاعات، إلى جانب انتصار دعائي أولي، وفرصة العمر أمام وكلاء إيران الخبثاء في لبنان وغزة وأي مكان آخر في المنطقة.
من هذا المنطلق، لم تتوانَ الإمارات عن توجيه تحذيرات علنية غير مسبوقة للإسرائيليين من تبعات ضم الأراضي. ففي 13 حزيران/يونيو، تصدّر السفير الإماراتي النافذ في الولايات المتحدة يوسف العتيبة عناوين الصحف حين نشر مقالةً بالعبرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية خاطب فيها الشعب الإسرائيلي مباشرةً حول مسألة الضمّ وتداعياتها المضرّة على العلاقات مع العالم العربي. وهذه خطوة أكثر جرأةً من أي خطوة تجرّأ السفيران الأردني والمصري المتمركزان في تل أبيب على اتخاذها.
ثم صدر في أعقاب هذه المقالة بيانٌ بالعبرية عن المديرة في وزارة الخارجية هند العتيبة، طلبت فيه من الشعب الإسرائيلي إعادة النظر في خطط ضم الأراضي. وبعد أسبوعين، أضاءت صراحةً على إشارات التطبيع بين الدولتين حين نشرت التغريدة التالية على تويتر: "شركتان من القطاع الخاص في الإمارات توقعان اتفاقًا مع شركتين في إسرائيل لتطوير تكنولوجيا الأبحاث من أجل مكافحة وباء كوفيد-19". وعلاوة على ذلك، أصبح وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش المسؤول العربي الأرفع مستوىً الذي يلقي كلمة في المؤتمر السنوي للّجنة اليهودية الأمريكية – الذي انعقد الشهر الفائت – حيث تحدّث صراحةً عن إمكانية السلام مع إسرائيل.
تعكس هذه التصريحات العلنية توجهًا سائدًا مفاده أن موظفي الدولة الإماراتية لم يخجلوا من التواصل علنًا مع إسرائيل ومع العالم اليهودي ككل على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى قبل أن تصبح مسألة الضم قضيةً ملحّة. فخلال أيلول/سبتمبر الماضي، غرّد وزير الخارجية والتعاون الدولي عبدالله بن زايد عبارة "شانا توفا" بمناسبة رأس السنة اليهودية، ونشر أيضًا في كانون الثاني/يناير تغريدة عن الهولوكوست بالعربية.
الآن وقد أصبح موضوع ضم الأراضي مطروحًا بالنسبة لصانعي السياسات الإسرائيليين، يلمح المسؤولون الإماراتيون من ذوي المراتب العليا إلى استخدام مقاربة الترغيب والترهيب (الجزرة والعصا) إزاء مسألة الضم، بحيث يعرضون درجةً أكبر من التطبيع، فيما يشددون على بطلان هذه السياسات في حال المضي قدمًا بالضم.
والملفت هو أنهم يعترضون مباشرةً على حجج نتنياهو وحلفائه اليمينيين داخل إسرائيل، التي تعتبر أن حكومات عربية كثيرة ستوافق على عملية الضم، أو أن هذه الحكومات لم تعد مهتمةً كثيرًا بحقوق الفلسطينيين.
ويبدو أن الدافع وراء هذه الخطوات هو النظرة القائلة إن الدولتين العربيتين الأكثر انخراطًا في العلاقات مع إسرائيل – أي مصر والأردن – لم تعودا قادرتين على إدارة علاقاتهما بإسرائيل بشكل فعال. والمبرر الآخر لهذه الخطوة على الرغم من ثمنها السياسي المحتمل الهائل في المنطقة، هو أن عملية الضم تشكل تهديدًا مباشرًا وبالأخص للأردن الذي يُعتبر ملكه حليفًا قويًا للإمارات.
وبالفعل، يرى الإماراتيون في عملية الضم تهديدًا لميزان القوى الإقليمية. فهذه العملية ستكون متنفّسًا لإيران ووكلائها، وفي الوقت نفسه ستمنح تركيا أدوات القوة الناعمة، سيما وأن أردوغان يصوّر نفسه على أنه المدافع عن القدس. وتشير الرسائل المتداولة في الآونة الأخيرة باللغة العربية حول مسألة تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد خلال هذا الأسبوع إلى أن هذه الخطوة جاءت في إطار "استعادة حرية" المسجد الأقصى في القدس.
وعلى النحو نفسه، سيكون لدى الأصوات الراديكالية والرفضية في الشرق الأوسط مسألة جديدة تستخدمها لتجنيد العناصر – مطلقةً مساعٍ إماراتية حثيثة لمكافحة التطرف. وحتى حلفاء الإمارات، كالسعودية، قد يحرفون عن مسار التطبيع الحالي إذا استمر العمل بالضم.
مع ذلك، ومع أن تعليل الحسابات السياسية للتصريحات الأمريكية الأخيرة واضح، قد يجد الإماراتيون جمهورهم المستهدف غير متجاوب معهم. في إسرائيل، تساءل سياسيّو اليمين والناشطون المؤيدون للضم عن الفارق بين عملية الضم – التي انطلقت شرارتها مع خطة ترامب للسلام – واعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل أو اعترافها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. في كلتا الحالتين، لم يبدر أي رد فعل عن الإمارات. ولكن بالنسبة للإماراتيين، ثمة اختلاف كبير بين الموافقة تلقائيًا على واقع قائمٍ، وبين إجراء تغيير جديد على الأراضي بما يهدد مستقبل الدولة الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر مناصرو الضم في إسرائيل ميّالين أكثر من الإسرائيليين اليساريين إلى التشكيك في الوعد الإماراتي بتعميق التطبيع في حال عدم استكمال عملية الضم. إذ غالبًا ما يلفت المتابعون اليمينيّون في إسرائيل إلى النواحي التي فشلت فيها معاهدات السلام مع مصر والأردن في الإتيان بأي تطبيع إضافي.
كما أن موقف الحكومة الإسرائيلية التي يسيطر عليها حزب الليكود، من التطبيع جاء نتيجة الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد العرب وإلى العداء الذي جوبهت به دولة إسرائيل عند قيامها عام 1948.
أما بالنسبة للإجماع الحالي بين الإسرائيليين على أن القضية الإيرانية يمكن الاستفادة منها إلى الأبد في التطبيع مع الإمارات، فهذا ليس صحيحًا، حيث أن هناك ضرورة لتأسيس ركائز أخرى للعلاقات من أجل تجنب أي تغيير مستقبلي في سياسة الإمارات تجاه إسرائيل، وذلك في حال سارت الأمور في الاتجاه الإيجابي مع إيران. ويمكن الإسراع في تحقيق ذلك من خلال تأسيس ركائز أخرى لاغتنام الزخم الحالي والمصالح الأمنية المشتركة مع الإمارات،وإظهار بعض التقدم على الساحة الفلسطينية. ويبدأ ذلك بوقف خطط الضم،إن لم يكن حتى بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. فالتاريخ يخبرناأن العلاقات الإسرائيلية - الخليجية يمكن أن تنقلب رأساً على عقب بشكل غير متوقع بسبب القضية الفلسطينية كما كان الحال في التسعينات بعد اتفاق أوسلو.