- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التوازن الفرنسي: إصلاح العلاقات وإنهاء القيود المفروضة على تأشيرات المغرب
ما بين إعلان فرنسا مؤخرًا عن إنهاء القيود التي كانت مفروضة سابقا على تأشيرات المغاربة والجزائريين، وزيارة ماركون المقررة إلى الرباط، تحاول فرنسا استعادة العلاقات مع المغرب فضلا عن استعادة موقعها الدبلوماسي في المنطقة.
بعد أكثر من عام من التوتر بين فرنسا والمغرب بشأن قضايا المهاجرين، أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إنهاء القيود المفروضة على التأشيرات لدخول مواطني المغرب إلى فرنسا خلال زيارتها للرباط في منتصف كانون الأول/ديسمبر. ويعكس هذا القرار جهود فرنسا المتزايدة لإعادة التوازن إلى العلاقات مع شركائها في شمال أفريقيا، إلى جانب معالجة استياء المغاربة المعلن من خفض عدد التأشيرات الممنوحة. وتُعد هذه الجهود ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى، في ظل احتمال تصاعد الخلافات في جميع أنحاء المغرب.
العلاقات الفرنسية المغربية تمر بفترة عصيبة
على الرغم من أن علاقة فرنسا مع المغرب في عهد إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون كان لها بداية موفقة على ما يبدو، خصوصًا بعد نجاح أول "زيارة صداقة" لماكرون للمملكة عام 2017، وصل الحوار بين البلدين إلى طريق مسدود بحلول العام 2020. وفي قلب الخلاف تقع قضية الهجرة المستمرة من شمال أفريقيا إلى فرنسا، بحيث دفعت فرنسا جيرانها في شمال أفريقيا إلى تنفيذ تدابير أكثر صرامة لإدارة تدفق المهاجرين، الذي يبلغ متوسطه حوالي 100 ألف وافد سنويًا. وبسبب إحباطها من عدم تعاون المغرب وتونس والجزائر في إعادة قبول المواطنين الذين حُرموا من التأشيرات بعد الهجرة، خفضت فرنسا في نهاية المطاف عدد التأشيرات التي أصدرتها لمواطني دول شمال أفريقيا الثلاث في أيلول/سبتمبر من العام 2021.
قوبلت هذه الخطوة غير المسبوقة باستياء كبير في الجزائر والمغرب، حيث تم تخفيض عدد التأشيرات إلى النصف. ووصف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة القرار بأنه "غير مبرر" و"لا يعكس واقع التعاون القنصلي في مكافحة الهجرة غير النظامية". وكان للتخفيض الجذري في عدد التأشيرات أيضًا تأثير كبير على المواطنين المغاربة، بحيث تم إصدار 98627 تأشيرة شنغن بنجاح للمغاربة في العام السابق. ويعيش أكثر من 700 ألف شخص من أصل مغربي في فرنسا. لذلك، فإن تخفيض عدد التأشيرات يعني صعوبة أكبر في زيارة أفراد الأسرة أو الدراسة في الخارج أو الحصول على الرعاية الطبية أو البحث عن فرص عمل لعشرات الآلاف من المغاربة.
خلال العام التالي، شهدت العلاقات المزيد من الفتور. على الرغم من أن التصريحات الرسمية من كلتي الحكومتين امتنعت عن معالجة التوترات بشكل مباشر، إلا أن القلق كان واضحًا في تردد فرنسا الظاهر في تعيين سفير جديد في المغرب بعد رحيل هيلين لو كال في أيلول/سبتمبر 2022. وبعد شهر واحد، رد المغرب باستدعاء السفير محمد بنشعبون من باريس بعد أسابيع فقط من تعيينه. ولم تؤدِ التحقيقات طوال عامي 2020 و2021 في تجسس المغرب المزعوم على المسؤولين الفرنسيين خلال فضيحة برنامج التجسس "بيغاسوس" سوى إلى تأزم الأمور.
إعادة تقييم فرنسا والتوازن المغربي
لذلك، كان إعلان كولونا في كانون الأول/ديسمبر بمثابة خطوة مهمة نحو إصلاح العلاقة التي كانت في حالة تدهور. وجاءت الإشارة الأولى لمحاولة التقارب في المغرب العربي في وقت سابق من شهر آب/أغسطس، عندما زار ماكرون الجزائر للمرة الأولى منذ أن أدلى بتصريحات مثيرة للجدل انتقد فيها الجزائر في العام السابق. خلال الزيارة، عبّر عن رغبة فرنسا في "شراكة متجددة" مع الجزائر وناقش دور فرنسا المستمر في التطورات الإقليمية. وبعد وقت قصير من إنهاء قيود التأشيرة للمغاربة، أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين أن تخفيض عدد التأشيرات للجزائريين سينتهي أيضًا.
ومن المقرر أن تستمر هذه الجهود الرامية إلى العودة إلى الدبلوماسية المباشرة. يقال إن ماكرون سيزور المغرب في أوائل العام 2023 للمرة الأولى منذ ما يقارب خمس سنوات. في غضون ذلك، أعيدت العلاقات القنصلية الطبيعية بين البلدين. وقد عينت فرنسا سفيرًا جديدًا في الرباط، ممهدةً بذلك الطريق للمزيد من التقارب على الساحة الدبلوماسية.
في حين أن المغرب والجزائر أذعنا ربما إلى حد ما بشأن قضية المهاجرين من خلال التعاون مع الأوامر الفرنسية بإعادة قبول المهاجرين، تعكس هذه المحاولة الواضحة لعكس المسار والحرص على تسهيل الأمور على الأرجح مخاوف فرنسا بشأن الخلاف المتزايد بين هذين البلدين الواقعين في شمال أفريقيا.
يخشى بعض المراقبين من "سباق تسلح" محتمل بين الجزائر، وهي أكبر منفق على الدفاع في أفريقيا، ومنافسها المغرب، مع استمرار العلاقات في التدهور على خلفية نقطة التوتر الدائمة في الصحراء الغربية. تتوقع الرباط ربما لغة أكثر صرامة من فرنسا دعمًا لـ "خطة الحكم الذاتي" المغربية في الصحراء الغربية، لكن يبدو أن نهج فرنسا المتوازن في الأشهر الأخيرة مصمم لإعادة البلاد إلى وضع يمكّنها من الدعوة إلى حلول مستدامة للصراع من خلال القنوات القانونية الدولية.
لا تزال فرنسا تشعر بالارتياح في التعبير عن رأي مشابه لجيرانها الأوروبيين مثل إسبانيا، واصفةً خطة الحكم الذاتي بأنها "أساس يمكن أن تُبنى عليه محادثات جادة وذات مصداقية"، على الرغم من أنها لا تصل إلى حد الولايات المتحدة، ولكن محاولاتها لإصلاح العلاقات بين الطرفين تسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب على فرنسا السعي لتحقيقه. في غضون ذلك، يقوم المغرب بفعل موازنة خاص به. في ظل نزاع الصحراء الغربية الذي يمثل حجر الزاوية في سياسة الرباط الخارجية، تتطلع الرباط بشكل متزايد نحو شركاء دوليين اقتصاديين وسياسيين متنوعين لتطوير علاقات أكثر استقرارًا وحشد الدعم لخطة الحكم الذاتي.
تسلط هذه المخاوف المتشابكة الضوء على سبل تداخل القضايا الثنائية، مثل مسألة تأشيرات المهاجرين، مع القضايا الإقليمية والعالمية. ويصبح فعل التوازن الذي تقوم به فرنسا أكثر صعوبة مع تغير الظروف العالمية ومع إيجاد جيرانها في شمال أفريقيا استراتيجيات جديدة لتحقيق أهدافهم. وستستمر هذه التحديات إلى ما بعد زيارة ماكرون المقبلة.