- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
العواقب السياسية لتطبيع الدول العربية مع نظام الأسد
Also published in "معهد الشرق الأوسط"
يستند اندفاع عدد من الدول العربية في الآونة الأخيرة إلى تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد إلى فرضية خاطئة مفادها أن الحرب قد انتهت، وأنه من الضروري إعادة العلاقات مع دمشق للضغط عليها لتغيير علاقتها مع إيران. على الإدارة الأمريكية أن تشرح لحلفائها في المنطقة أن إعادة تمكين عميلٍ إيراني هي حتماً ليست سبيلاً مقبولاً لاحتواء طموحات طهران الإقليمية، مهما كانت صعوبة المسار لتنفيذ انتقال ديمقراطي في سوريا والسعي لتحقيق العدالة ضد مجرمي الحرب.
يستند اندفاع عدد من الدول العربية في الآونة الأخيرة إلى تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد إلى فرضية خاطئة مفادها أن الحرب قد انتهت، وأنه من الضروري إعادة العلاقات مع دمشق للضغط عليها لتغيير علاقتها مع إيران. وفي هذا الصدد، هناك دور للديناميكيات الأخرى في المنطقة: على سبيل المثال، ترى الإمارات في هذا التطبيع ثقلاً موازناً ضرورياً تجاه ما تعتبر أنها أعمال معادية من قبل تركيا مع «هيئة تحرير الشام» - الجماعة الجهادية السورية في إدلب. إلّا أن هذه الأسباب المنطقية لإعادة تأهيل نظام الأسد خاطئة تماماً. فالسلبيات وعواقب السياسة لن تؤثر على الدول العربية فحسب، بل ستضر بالمصالح الأمريكية أيضاً، مما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة التركيز بشكل كامل على معالجة التهديد المتزايد من الصين.
لن تُغير سلوك النظام
لا يخفى أن روسيا وإيران، باعتبارهما أقرب حلفاء نظام الأسد، دعمتا حافظ وبشار الأسد خلال فترات مختلفة من عزلة النظام السوري. ففيما يتعلق ببشار، أيدتا محاولته البقاء في السلطة إزاء الحشد الجماهيري ضد حكمه. ويدين بشار ببقائه في الحكم لروسيا وإيران وشبكة الوكلاء التابعة لهذه الأخيرة. وحتى لو قامت الدول العربية بتطبيع العلاقات، فالأسئلة التي تطرح نفسها هنا، لماذا يثق الأسد بأي من هذه الدول، بالنظر إلى أن العديد منها في منطقة الخليج عارضته بشدة خلال الحرب؟ وكيف سيؤدي التعامل مع الأسد إلى إخراج إيران من سوريا بينما تساعد طهران في السيطرة على العديد من المحاور [التي تتحكم] بالدولة والأراضي في أجزاء مختلفة من البلاد؟ كما لن يؤثر التطبيع على الديناميكيات في إدلب مع «هيئة تحرير الشام» لأن تركيا هي الجهة الفاعلة الرئيسية هناك. ولن يؤدي التطبيع إلّا إلى إضفاء شرعية زائفة على نظام الأسد وانتصاراً دعائياً له لكي يحافظ على الوضع الراهن. وكما يتضح من 50 عاماً من الأدلة، فإن هذا النظام لا يغيّر سلوكه بناءً على الدبلوماسية الخارجية. وحتى في أضعف جوانب نظامه خلال الحرب الأهلية، بقي الأسد مخلصاً لسبب وجوده: البقاء في السلطة بأي ثمن.
تُقوّض القواعد الدولية
سيؤدي التعامل مع نظام الأسد إلى مزيد من تآكل المعايير الدولية. وكانت صفقة الخط الأحمر للأسلحة الكيميائية في عام 2013 فاشلة حيث شنّ النظام بعد ذلك مئات الهجمات الأخرى. وحتى في حالات الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في الآونة الأخيرة في صربيا ورواندا ودارفور، كانت هناك بعض مظاهر السعي لتحقيق المساءلة والعدالة، مهما كانت العملية معيبة. إن أي شكل من أشكال التطبيع سيقوّض إمكانية تقديم النظام إلى العدالة بسبب الإبادة الجماعية المستمرة. وسوف يصبح الأسد أكثر جرأة من خلال استمراره في استخدام الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة وجميع الوسائل الممكنة ضد المدنيين السوريين لقمع الدعوات المحلية للحرية والديمقراطية. وستكون الدول العربية أيضاً متواطئة في الانتهاكات المستقبلية المحتملة في سوريا لأن دعمها المالي سيؤجج بالتأكيد فظائع أخرى. وبدورها، يمكن لاستراتيجية تقويض المعايير الدولية أن تبرر الانتهاكات المحلية من قبل هذه الدول العربية بسبب إفلات الأسد منها ببساطة من خلال أفعاله.
تؤثر سلباً على الحملة المناهضة لتنظيم «الدولة الإسلامية»
إذا أضفت دول عربية الصبغة الشرعية على الأسد، سيبدأ نظامه بحملة ضغط لإخراج الولايات المتحدة من سوريا. وسوف يستغل حلفاؤه، جنباً إلى جنب مع الجماهير في الولايات المتحدة المعارضة لما يسمى بـ "الحروب الأبدية"، هذا "النصر" المزعوم لنظامٍ لا يسيطر على جميع الأراضي السورية، ناهيك عن السيادة على معظم حدوده. وتم أساساً استخدام قواعد اللعبة هذه في العراق، ولكن على عكس العراق، لا تتمتع واشنطن بنفس العلاقة والديناميكية مع دمشق.
ووفقاً لقواعد اللعبة هذه، من المرجح أن تبدأ إيران وشبكتها العميلة في شرق سوريا بإطلاق الصواريخ باتجاه القواعد الأمريكية وإثارة عدم الاستقرار في المناطق التي تنشط فيها «قوات سوريا الديمقراطية» على الجانب الآخر من نهر الفرات. وبدون مساعدة واشنطن، لن تواجه «قوات سوريا الديمقراطية» سيلاً من الميليشيات الشيعية في الشرق فحسب، بل المزيد من القوات المدعومة من تركيا من الشمال أيضاً. ومن المرجح أن يشجع كلا السيناريوهين التجنيد الذي يقوم به تنظيم «الدولة الإسلامية» نتيجة البيئة المتساهلة المتمثلة بـ احتلال إيران لدير الزور أو احتفاظ القوات المدعومة من تركيا بوجود ضعيف. فبعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2010، حدث انهيار أمني في المناطق التي نشط فيها تنظيم «الدولة الإسلامية» في البلاد (2012-2014)، مما يوضح الطبيعة قصيرة النظر لتلك الخطوة. وفي النهاية، أرغمت [تلك التطورات] واشنطن على نشر قواتها مجدداً ضد عدو أقوى بكثير من الخصم الذي تركته قبل ذلك بسنوات قليلة فقط.
تُشجع حلفاء النظام في المنطقة
ترى روسيا وإيران أن سوريا هي مسرح اختبار للقوة في المنطقة. وقد استخدمت روسيا سوريا لتوسيع علاقاتها مع دول الخليج ومصر وليبيا. وفي حين تتقلب مواقف الولايات المتحدة وفقاً [لسياسة] الإدارة الحاكمة أو الديناميكيات المحلية، إلّا أن روسيا تقف وراء حلفائها. وقد عملت إيران أيضاً على تعزيز استراتيجية شبكة وكلائها في المنطقة من خلال تقوية «حزب الله» اللبناني عبر مهارات جديدة اكتسبها على المسرح السوري، وتشديد قبضتها على لبنان وتوسيع وجودها في العراق واليمن - الأمر الذي يقوض الأمن في تلك الدول. وبما أن إيران هي دولة ثورية، فإن منح الأسد هدية التطبيع لن يؤدي إلّا إلى دفع طهران إلى الاعتقاد بأنها تسيطر على السياسة الإقليمية، مما يضع حلفاء أمريكا في مختلف الدول العربية، وخاصة في منطقة الخليج، في موقف دفاعي مع فرصة ضئيلة للخروج منه. وفي الواقع، صرح بشار الأسد بشكل مباشر وعلني أن المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، هو "زعيم العالم العربي". ومن المعقول أيضاً أنه مع تخفيف الضغط عن سوريا وإمكانية تخفيف العقوبات من العودة الأمريكية إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يمكن لإيران أن تواصل المزيد من الأنشطة المزعزعة للاستقرار في البحرين والسعودية من خلال ميليشياتها الشيعية وحلفائها هناك. ويبدو أن إيران انتصرت في حرب الـ 42 عاماً مع السعودية لأنها حالياً أقوى جهة فاعلة في المنطقة وتطوّق أعدائها المختلفين. وفي المرحلة القادمة، قد يؤدي ذلك إلى تمكين روسيا وإيران من إملاء الأجندة الإقليمية مع ترك الولايات المتحدة مع القليل من النفوذ لمتابعة ديناميكيات تناسب مصالحها أو مصالح حلفائها العرب بشكل أفضل.
إسرائيل في دائرة الضوء
تُشكل [المواجهات التي اندلعت] في الشهر الماضي بين إسرائيل والفلسطينيين [في غزة] تلخيصاً مثالياً لما سيحدث عندما تنفصل الولايات المتحدة عن المنطقة. وحتى إذا أرادت واشنطن التركيز على الصين بطريقة أكثر قوة، إلّا أن الصراعات في الشرق الأوسط ستستمر في جذب الولايات المتحدة سواء شاءت أم أبت. ولا تزال إسرائيل من أقرب حلفاء واشنطن وتتلقى مساعدات بمليارات الدولارات سنوياً. وعندما تنفجر هناك أعمال عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فستعمل الدوائر المحلية والحلفاء في المنطقة على حث أي إدارة أمريكية في السلطة على اتخاذ إجراء ما. بالإضافة إلى ذلك، من خلال التطبيع مع نظام الأسد، من المرجح أن تتلاشى القضية التي هي على كل شفة ولسان حول سوريا في العالم العربي، مما يعني أنه ستكون هناك مساحة أكبر للنشاط حول فلسطين والتركيز عليه. لذلك، من المرجح أن تتعامل الدول التي وقّعت مؤخراً على "اتفاقيات إبراهيم" مع ضغوط داخلية أكبر بسبب استمرار صدى القضية الفلسطينية، كما رأينا سابقاً مع السلام البارد مع مصر والأردن. وبشكل غير مباشر، قد يؤدي التطبيع مع نظام الأسد إلى قيام حشد أكبر ضد الأنظمة العربية المحلية حيث سيُنظر إليها على أنها متواطئة مع ما تُعتبر جرائم إسرائيلية ضد الفلسطينيين. وسيؤدي ذلك إلى وضع إيران في مكانة تُمكِّنها من استغلال [التطورات] بسبب تحالفها مع «حماس» و«الجهاد الإسلامي في فلسطين» و «حزب الله» ونظام الأسد، مما يوفر لها فرصاً أكبر لفتح جبهة ضد إسرائيل ودفع أجندتها الإقليمية المهيمنة باستخدامها الدعم للقضية الفلسطينية كحصان طروادة، في الوقت الذي تقوّض فيه شرعية الدول العربية.
التداعيات
منذ اندلاع الاضطرابات الثورية في سوريا عام 2011، ارتكبت الولايات المتحدة عدداً من الهفوات. وفي حين كان بعضها ناتجاً عن مخاوف وحسابات مشروعة، إلّا أن السماح بإعادة إضفاء الشرعية على نظام الأسد سيشكل خطأً استراتيجياً فادحاً لا يمكن تفسيره، وخطأ من شأنه أن يقوّض الوعد المتكرر لإدارة بايدن بوضع حقوق الإنسان في قلب سياستها الخارجية. وعلى هذا النحو، يجب على الإدارة الأمريكية أن تولي اهتماماً وثيقاً باندفاع حلفائها لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وأن تعمل جاهدة على ثنيهم عن اتباع هذا المسار الخطير وغير الحكيم وقصير النظر. على الإدارة الأمريكية أن تشرح لهم أن إعادة تمكين عميلٍ إيراني هي حتماً ليست سبيلاً مقبولاً لاحتواء طموحات طهران الإقليمية، مهما كانت صعوبة المسار لتنفيذ انتقال ديمقراطي في سوريا والسعي لتحقيق العدالة ضد مجرمي الحرب. ولربما فات الأوان، لكن يجدر بواشنطن أن تدافع عن موقفها في سوريا وتستعيد مصداقيتها مع الشعب السوري، أو ستواجه عواقب أكبر من تلك التي سبق وأحدثها صراعٌ أثبت مراراً وتكراراً أن ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا.
عُلا الرفاعي هي زميلة في "برنامج غيدولد للسياسة العربية" في معهد واشنطن وطالبة لجوء سابقة من سوريا. هارون زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في المعهد وباحث أكاديمي زائر في "جامعة برانديز". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "معهد الشرق الأوسط".