- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الوقاحة في بناء ملعب غولف "أربيل هيلز" في خضمّ أزمة المياه في العراق
يجري حاليًا في وسط أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، العمل على بناء ملعب غولف "أربيل هيلز"، وهو مشروع إنمائي يعتزم تقديم تجرية حياة الرفاهية والاستجمام لرواده وملعبًا لإقامة البطولات من المستوى العالمي يتضمن 18 حفرة.
إلا أن الرؤية الكبرى لمشروع ملعب الغولف التي تجسد الفخامة والمكانة الدولية تتناقض بشكل صارخ مع أزمة شح المياه المستمرة التي تعاني منها المدينة والتي أثرت تحديدًا في أحياء أربيل الفقيرة وأدت بالبعض إلى الاحتجاج مطالبين بالوصول إلى خدمات المياه الأساسية.
في الواقع، يستهلك مشروع مماثل كميات كبيرة من المياه في مدينة تعاني من آثار تغير المناخ والجفاف، ويترتب عليه تبعات بيئية وأخلاقية أثارت مخاوف كثيرة دفعت بسكان المنطقة إلى التساؤل حول استدامة المشروع والإدارة المسؤولة للموارد وضرورة إعطاء الأولوية للمجتمعات المحلية على حساب المشاريع الباهظة. والمفارقة هي أن ملعب الغولف يسلّط الضوء على الحاجة الملحة إلى معالجة هدر الموارد المائية في أربيل وإعادة التفكير في أولوياتها الإنمائية.
الأثر البيئي لملعب غولف "أربيل هيلز"
من شأن إنشاء ملعب غولف في وسط منطقة قاحلة مثل كردستان أن يلحق أضرارًا كبيرة ببيئة المنطقة ولا سيّما بإمدادات المياه في إقليم كردستان العراق. ويتطلب تحديدًا الحفاظ على مساحات العشب الأخضر في أرض الملعب الإفراط في الريّ، هذا بالإضافة إلى الضغط الهائل على موارد المياه المحلية المتضائلة الذي تتسبب به البحيرات الاصطناعية الأربع عشرة وغيرها من المعالم المائية في الملعب. تستهلك ملاعب الغولف العالمية المستوى التي تضم 18 حفرة مثل "أربيل هيلز" كميات هائلة من المياه تترواح بين مئات آلاف وملايين اللترات يوميًا. فضلًا عن ذلك، لا شكّ في أن استخدام الآلات الثقيلة أثناء إعداد أرض لبناء الملعب قد أدّى إلى انبعاث غازات الدفيئة التي يمكن أن تضرّ بالمجاري المائية المجاورة، ناهيك عن المبيدات الحشرية التي سيتم استخدامها للحفاظ على العشب الأخضر في الملعب.
أصبحت في الآونة الأخيرة ملاعب الغولف في جميع أنحاء العالم أهدافًا لنشطاء المناخ وعلماء البيئة الذين يدعون إلى وضع أنظمة أكثر صرامة لاستخدام المياه. على سبيل المثال، أصبحت ملاعب الغولف في الكثير من المناطق الفرنسية التي تعاني من الجفاف ونقص المياه حجر عثرة للناشطين في مجال البيئة، ما دفعهم في بعض الحالات إلى اتخاذ الإجراءات وسدّ الحفر بالإسمنت وزراعة بساتين الخضار على العشب احتجاجًا على الاستهلاك المفرط للمياه في ملاعب الغولف. ومن الجدير بالذكر أن حركة "ليه سولافمان دو لا تير" (Les Soulèvements de la Terre) الفرنسية تعتبر ملاعب الغولف على أنها "مجمعات للترف" على غرار اليخوت والجاكوزي.
إذا كان علماء البيئة يثيرون مخاوف بشأن ملاعب الغولف التي تستهلك كميات كبيرة من المياه في بلدان متقدمة بأشواط على كردستان والعراق في استعدادها لمواجهة آثار تغير المناخ وشح المياه، فعلى المسؤولين في إقليم كردستان العراق أن يكونوا أكثر قلقًا بشأن الضرر الذي قد يلحقه ملعب الغولف هذا ببيئة منطقتهم التي تواجه تحديات. ومن المفارقة أن مهندسة ملعب غولف "أربيل هيلز"، سينثيا داي، قالت في مقابلة لها إنه "من المهم جدًا للعراقيين رؤية الماء والعشب، وهما يتوفران بكثرة في "أربيل هيلز"". ولكن ما غاب عن بال داي هو أن هذه المياه والمساحات العشبية تأتي على حساب بقية سكان أربيل، وتحديدًا محروميها وفقرائها.
وفي ظل صيف أربيل القاسي وشمسه اللاهبة، يعاني سكان الأحياء الفقيرة باستمرار من شحّ المياه وتتحول هذه المعاناة إلى صراع فعلي للبقاء عندما تتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية، إذ يضطرون إلى شراء المياه من الصهاريج بأسعار باهظة وإنفاق جزء كبير من دخلهم الضئيل على هذا المورد الأساسي، وينتظرون في الطابور يوميًا بفارغ الصبر على أمل الحصول على ما يكفي من المياه ليرووا عطشهم وعطش أسرهم وللاستحمام والقيام بأعمال التنظيف الأساسية. وبالتالي، يشكل شحّ المياه عبئًا يثقل كاهلهم، وها هم الآن يشهدون أيضًا على الكمية الهائلة من المياه التي يستهلكها ملعب الغولف الذي يقع على مرمى حجر منهم.
أزمة المياه المتفاقمة في أربيل
لم تبرز أزمة المياه في أربيل حديثًا، إذ تعاني المدينة تاريخيًا من نقص المياه نتيجة تضاريسها وغياب الأنهار والسدود الرئيسية في جوارها. إلا أن ناقوس الخطر دقّ في السنوات الأخيرة بسبب سوء توزيع الموارد المائية المحدودة والزيادة السكانية السريعة.
تعتمد أربيل على مصدرين رئيسيين للتزود بالمياه النظيفة. المصدر الأول هو مشروع أنابيب مياه إفراز الذي يقع على مسافة 30 كيلومترًا ويوفر ما نسبته 30 في المئة من إمدادات المياه عن طريق سحبها من نهر الزاب الكبير، أما المصدر الثاني فهو 1240 بئر مياه منتشرة في جميع أنحاء المدينة وتؤمن معظم ما تبقى من إمدادات المياه، إلا أن الوصول إليها يزداد صعوبة. وفي الواقع، أصدرت حكومة إقليم كردستان تحذيرات عدّة بشأن الانخفاض الكبير الذي بلغ حوالى 500 متر في منسوب المياه الجوفية في أربيل على مدى العقدَين الماضيَين، الأمر الذي أدى إلى تراجع ملحوظ في إمكانية الوصول إلى المياه. ففي غضون بضعة عقود فحسب، ازداد العمق المطلوب لحفر بئر لتوفير كمية كافية من المياه زيادة هائلة إذ أصبح 700 متر في العام 2022 بعد أن كان 100 متر في ستينيات القرن العشرين و200 متر في العام 2003. ويسلط هذا الانخفاض الحاد في توافر المياه الضوء على خطورة أزمة المياه التي تواجهها المدينة ويؤكد على الحاجة الملحة إلى الإدارة المستدامة للمياه وتدابير الحفاظ عليها.
ومع ذلك، قلة هم المستعدين لربط أزمة المياه المتفاقمة في أربيل بملعب "أربيل هيلز" المترف. يُعدّ علي حمة صالح، النائب السابق الصريح في البرلمان الكردستاني، من القلة القليلة التي وجّهت انتقادات لاذعة لمشروع "أربيل هيلز". فقد سلطت تصريحاته الضوء على مدى وقاحة المشروع في استغلال الموارد المائية، بما في ذلك حفر 100 بئر مياه حصريًا للملعب وبناء 330 مسكنًا حصريًا لتطويق الملعب تبلغ قيمة كل منها 6 ملايين دولار. ويؤكد حمة صالح أن المساحة الإجمالية للمشروع تبلغ 13 مليون متر مربع وتصل قيمتها إلى 5 مليارات دولار. واللافت أن المستثمر في ملعب غولف "أربيل هيلز" فاز بهذا المشروع الضخم "مجانًا" بموجب قانون الاستثمار. وتساءل حمة صالح، "بينما يعاني نصف سكان أربيل من شح المياه، كيف يمكن توفير المياه للحفاظ على مليوني متر من العشب الأخضر؟"
يجسّد مشروع "أربيل هيلز" خطر اتساع الفوارق الطبقية في أربيل وإقليم كردستان العراق ككل، وهذه المسألة تتفاقم منذ سنوات. لقد اتسعت الفجوة إلى درجة لا يمكن فيها للأجر الذي يحصل عليه العامل بشق النّفس في جزء من المدينة أن يغطي حتى الضروريات الأساسية في الجزء الآخر منها. وينعكس هذا التفاوت الصارخ أيضًا في التناقض الكبير بين الخدمات التي تقدمها الحكومة. ففي الوقت الذي ينعم فيه السكان الميسورون في مجمع "بافيليون" السكني في أربيل برغد العيش وسط الأنهار الاصطناعية، يضطر المحرومون في منطقتي كسنزان وتعجيل إلى عيش واقع مرير وتحمّل الأزقة الغارقة بمياه الصرف الصحي.
يظهر التفاوت الصارخ بين الميسورين والمحرومين بوضوح مؤلم في إقليم كردستان العراق، ويأتي ملعب غولف "أربيل هيلز" ليزيد الطين بلّة. فالمشروع لا يفاقم أزمة المياه الحالية فحسب، بل يكشف بوضوح الظلم المتأصل لدى أصحاب السلطة وأولوياتهم الخاطئة.