- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
اليمن: هل يمكن للمعونات أن تخفف المعاناة الإنسانية؟
بالرغم من حجمها الصغير نسبياً، تعد اليمن واحدة من أكثر المناطق سكانا في الجزيرة العربية؛ وبالتالي فمع تعداد سكاني يزيد عن ال 28 مليون فإن عدد الأشخاص المتضررين من الحرب في اليمن كبير بالمقابل: وفقاً لبعض التقديريات، يحتاج أكثر من 20 مليون من السكان إلى المساعدة الإنسانية والحماية، نصف هؤلاء المتضررين لا يبعدون سوى خطوة واحدة من المجاعة؛ الأمر الذي دفع الأمم المتحدة وشركاؤها لعقد مؤتمر في فبراير الماضي للحصول على الأموال اللازمة بشكل عاجل لإنقاذ ملايين اليمنيين من محنة مروعة. استهدف المؤتمر جمع 4.2 مليار دولار. إن الأموال اللازمة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الحالية وحدها لا تقترب حتى من المبلغ المطلوب لاستعادة ما دمرته الحرب.
بينما فشلت الأمم المتحدة في الوصول إلى هدف حملة التبرعات، إلا أنها تمكنت بالفعل من جمع 2.6 مليار دولار، مقدارٌ كبير من هذا المال جاء من أطراف إما محاربة في اليمن أو داعمة لهذه الجهود. شملت التعهدات الرئيسية 500 مليون دولار من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بالإضافة إلى 200 مليون جنيه إسترليني من المملكة المتحدة وحوالي 24 مليون دولار من الولايات المتحدة.
تأتي هذه التبرعات في وقت تزداد فيه الضغوط لوقف الحرب، إيقاف مبيعات الأسلحة الأمريكية والبريطانية إلى السعودية والإمارات، ودعوات إلى آليات أكثر فعالية للمراقبة والمساءلة داخل اليمن نفسها. يرى الكثير أن وقف مبيعات الأسلحة يمكن أن ينهي الحرب ويخفف من وطأة المعاناة الإنسانية، بينما يحاج آخرون أن التخلي عن شراكة الولايات المتحدة مع السعودية أو حلفاء واشنطن الخليجيين الآخرين خطأ فادحاً وفشل في منع الحرب، وإرغاماً لهؤلاء الشركاء على البحث عن الأسلحة وأشكال أخرى من الدعم في أماكن أخرى، وإضافة المزيد من الحوافز للقوى الأجنبية الأخرى لتعميق مشاركتها في المنطقة. بغض النظر عن وجهات النظر هذه، من الواضح أن اليمن يحتاج إلى تدفق كبير من المساعدات. ومع ذلك، هناك عدد من التحديات من حيث وصول هذه المساعدات بفعالية إلى المستفيدين المستهدفين.
تتمثل أهم أولويات الأمم المتحدة في توفير فرص أفضل للحصول على الغذاء وزيادة دخل الأسرة، وكذلك تحفيز قدر من الاستقرار الاقتصادي. خصصت الأمم المتحدة 2.2 مليار دولار لهذا الغرض وحده، مما يعني أنه سيتبقى القليل من التبرعات التي تم جمعها للمساهمة في المساعدة في القضاء على الكوليرا وغيرها من الأمراض المعدية التي انتشرت نتيجة للصراع. تضع هذه التحديات الأمم المتحدة وشركائها في مأزق بسبب حاجتهم إلى موازنة الموارد بين الاحتياجات المُلحة الكثيرة للمدنيين.
التحدي الرئيسي الآخر في مجال المساعدات هو عجز المنظمات الدولية عن الوصول إلى ملايين اليمنيين العالقين في مناطق النزاع، وكذلك أولئك الذين يعيشون في مجتمعات اللاجئين. تحتاج هذه المجموعات أيضًا إلى المياه والصرف الصحي والتعليم والمأوى والحماية؛ ستحتاج الأمم المتحدة بالتأكيد إلى مزيد من الأموال للتدخل بكفاءة في هذه القائمة الطويلة من الاحتياجات.
مما لا شك فيه أن الخيار المثالي هو وقف الحرب وفرض الأمن والاستقرار لإيقاف المعاناة الإنسانية في اليمن، والبدء في التركيز على إعادة الإعمار. يمكن رؤية نموذج من هذا الخيار الطموح بالفعل في جنوب اليمن، حيث يتم ترميم وبناء معظم المناطق المحررة في البلاد والكثير من البنية التحتية، بما في ذلك مراكز الشرطة والمحاكم والمدارس والمستشفيات والطرق. تم تمويل جزء كبير من هذه الإصلاحات مباشرة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، مما سمح للأمم المتحدة بالبقاء مركزةً على التدخلات الإنسانية في مناطق النزاع والمناطق التي تسيطر عليها قوات الحوثيين. وبالمثل، من المتوقع أن يتحمل شركاء اليمن في دول مجلس التعاون الخليجي تكاليف إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب.
إن الإنجازات المتحققة في الجنوب قد سمحت لجنوب اليمن باستعادة دور القضاء إلى حد لا بأس به، وهو ما فُقد في مناطق سيطرة الحوثيين، وانتظام الدراسة التي حُرم منها حوالي مليونا طفل في مناطق الصراع. كما أدّى بناء قوات عسكرية وأمنية إلى دحر المجموعات المتطرفة كتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
على كل حال، إن تكرار نموذج جنوب اليمن الناجح في شمال البلاد سيكون معقداً وطويل المدى، خاصة مع تكرار خرق الاتفاقيات من قِبل قوات الحوثي، بما في ذلك انتهاك اتفاق السويد واستمرار زرع الألغام المضادة للأفراد. انخراط الحلفاء الإيرانيين يؤدي أيضا إلى تعقيد المشهد، حيث يتمثل دعمهم في تقديم الأسلحة والوقود والتدريب، بالرغم من أنه ليس بالقدر الذي يقدمه التحالف العربي، لكن يبقى دعماً ضاراً ومقوضاً لجهود إحلال السلام.
علاوة على ذلك، في حين اعتمد الجنوب على التمويل من دول الخليج وكذلك من الأمم المتحدة لإعادة إعمارها، يبدو أن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ليس لديهم سوى القليل من الأموال الخارجية لإعادة الإعمار. وبالرغم من أن إيران تكرر، في العلن، دعمها لإنهاء النزاع في اليمن، وتحث على المساعدات الإنسانية، إلا أن بعض المحللين يشعرون أن إيران ترى أن الصراع في اليمن هو وسيلة منخفضة التكلفة ومنخفضة المخاطر نسبيًا للحفاظ على الضغط على السعوديين. من ناحية أخرى، فإن إجمالي نفقات إيران على اليمن، تاريخياً، قد يصل إلى ملايين الدولارات سنوياً، وهو مبلغ لا يمكن مقارنته بمليارات الدولارات التي قدمها جيران اليمن الأثرياء إلى جارهم الفقير.
في نهاية المطاف، من المرجح أن المساعدات المالية التي تجمعها الأمم المتحدة يمكن أن تساهم بفعالية أكبر في توفير مستوى معقول من الأمن الغذائي لليمنيين. ومع ذلك، من المحتمل أن تحظى قضايا أخرى، مثل المياه والصرف الصحي والتعليم والمأوى والحماية، باهتمام أقل بسبب شح الموارد المالية وصعوبة الوصول إلى الأماكن والأشخاص المستهدفين. قد لا يكون الناس قادرين على فعل الكثير عندما يكونون محاصرين في مثل هذا الموقف، لكن حياتهم ستكون مدعومة للغاية إذا جُنِبوا الصراع وتم تمكينهم اقتصادياً من خلال دعم قطاعات مثل الزراعة وصيد الأسماك. يجب على الأمم المتحدة إيجاد طرق مبتكرة لدعم هذه القطاعات مع العمل على إزالة العوائق التي تحول دون القيام بذلك، بما في ذلك حقول الألغام التي تمنع الآلاف من العمل، والضغط على أطراف النزاع لتجنيب المدنيين الصراع.
يجب أن يكون ضمان جودة حياة أفضل للمدنيين هو المسألة الأكثر إلحاحاً في حرب اليمن، ويجب أن يدفع ذلك جميع الأطراف لتقديم تنازلات من أجل تحقيق انفراج سياسي.