- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
انسحاب الصدر وبروز جماعة "أصحاب القضية" المنشقة
من خلال تعليق أنشطة التيار الصدري، يأمل الصدر أن يحول دون نمو جماعة مهدية جديدة منشقة تهدد مصداقيته الدينية والسياسية.
انسحاب عن الواقع والمواقع إلى إشعار آخر، هذا ما قام به رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي أعلن تجميد نشاط التيار الصدري لعام كامل وانسحابه من الحياة السياسية، وإغلاق حسابه على موقع «تويتر». لم يأتي الانسحاب هذه المرّة نتيجة تأثير عوامل خارجية أو خلافات سياسية أو فتوى من مرجع كتلك التي أفتى بها سابقاً المرجع الشيعي كاظم الحائري. لكن قرار الانسحاب هذه المرة جاء نتيجة بروز جماعة تُسمى "أصحاب القضية" والتي ينشط اعضائها في مسجد الكوفة الذي يسيطر عليه الصدر واتباعه بمحافظة النجف.
بعد تجمعهم في المسجد مع بعض الصدريين الآخرين للمشاركة في دعوة الصدر للاعتكاف - وهو عزلة روحية ممتدة - يُزعم أن أعضاء من جماعة أصحاب القضية دعوا الصدريين الآخرين إلى مبايعة الصدر بوصفه المهدي - الشخص المُخَلِّص لدى الإسلام الشيعي. وردا على ذلك، قام الصدر بإلغاء اعتكافه وأعلن فجر ليلة القدر تجميد عمل التيار الصدري عاماً كاملاً، معزياً التجميد إلى وجود وتنامى جماعة "أصحاب القضية".
"أصحاب القضية"، هي مجموعة متزمتة دينياً يتبع أفرادها "الخط الصدري"، وتستمد أفكارها ومعتقداتها الدينية من المرجع الشيعي "محمد محمد صادق الصدر". وتمثل هذه الجماعة امتدادا لجماعات مهدوية مثل "جند السماء"، و"جماعة اليماني"، و"السلوكيين"، تأسست أو ظهرت إلى العلن بعد الغزو الأمريكي للعراق.
و يعتقد أصحاب القضية بأن الإمام المهدي (الإمام الثاني عشر لدى الطائفة الشيعية) والذي سيظهر وفق روايات الشيعة في الكوفة، جاء للمرجع محمد محمد صادق الصدر وقال له "اخفني عندك" وأخفاه إلى أن دخل الاحتلال وحدثت معركة النجف، وهنا قُتل مقتدى ابن الصدر ودُفن ولا أحد يعلم عنه شيء ، لذلك استغل المهدي هذا الحدث ليحل محل مقتدى ويستخدم اسمه ويرفض الإعلان عن نفسه خوفاً من إفشال مشروعه من قبل الأعداء، ويعتقد إصحاب القضية أيضاً أن مَن نراه اليوم ليس مقتدى الصدر بل المهدي وهو منتحل بشخصية مقتدى. وفي السياق ذاته، ظهر رجل دين من أصحاب القضية وتكلم بالتحضير لحملة كبيرة لإعلان البيعة لمقتدى الصدر بصفته المهدي.
اثار ظهور جماعة "أصحاب القضية " بعض ردود الأفعال من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي والسياسيين، حيث وصف ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أفكار الجماعة بأنها غير مقبولة ومنحرفة. أما موقف القوى السياسية والإطار التنسيقي الشيعي تحديداً، فكان سكوت مطبق للقيادات وتهكم كبير من قبل أتباع الإطار الشيعي. ومن المتوقع ان يمثل هذا التشرذم داخل التيار الصدري فرصة سائغة للإطار والفصائل المسلحة الأخرى، لاستقطاب وترغيب المنشقين والمطرودين من التيار الصدري للاستفادة من معلوماتهم وحضورهم في النطاق المسلح، بخاصة أن معظم المنشقين والمطرودين من التيار الصدري هم شخصيات خطيرة ولهم تاريخ يزخر بالجرائم.
يدرك الصدر ان تلك المجموعات المتشددة، مثلها مثل المجموعات الأخرى التي انشقت عن التيار الصدري، يمكن ان تمثل تهديدا مباشرا على مستقبله السياسي والديني، فمنذ انشاء جيش المهدى، الذي كان يحارب القوات الامريكية تحت قيادة الصدر في العراق بعد عام 2003، شهدت التيار الصدري سلسلة من الانشقاقات افرزت عدة جماعات أخرى مستقلة. علاوة على ذلك، ما زالت بعض الشخصيات التي انشقت عن التيار تلعب دورا رئيسيا على الساحة العراقية، بما في ذلك قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق الذي كان ذات يوم أحد الأعضاء المقربين من الصدر. وهناك أيضا أكرم الكعبي، أمين عام ميليشيات النجباء وأحد أبرز الشخصيات في الميليشيات العراقية.
على المستوى الديني يرى الصدر ان تلك المجموعات قد تهدد مستقبل مشروعه ومشروع والده، ومكانة عائلته داخل النجف والمراكز الشيعية، ويرى أيضا أنَّ هناك من يستفيد من تلك المجموعات من خصومه الذين يسعون إلى اظهار الصدر كأنّه شارد عن الخط الشيعي، وعن ميراث الاثني عشرية. ومن ثم إحراجه أمام أتباعه، وأمام الحوزة، وهو ما قد يخصم من رصيده الديني.
يدرك الصد أيضا ان بروز تلك المجموعات المغالية سيخصم من رصيده السياسي في كلا من الشارع الشيعي والعراقي عموما. فالصدر يمتلك قاعدة شعبية واسعة من المؤيدين الذين يؤمنون بزعامته السياسة وليس بمهدويته. وعلى الرغم من ان الصدر دائما ما يروج لتياره على انه تيار تعددي، يقبل الحوار مع الجميع ويتخطى المذهبية الطائفية إلا ان ظهور جماعة أصحاب القضية سيضعف من خطابه ومصداقيته السياسية. لذلك سارع الصدر بالتبرُّؤ من هذه المجموعات كما فعل في الماضي.
تتدخَّل الدولة أيضا عبر المؤسسات الأمنية والقضائية كل فترة، لكبح مثل هذه المجموعات؛ حتى لا تتضخم في الشارع العراقي، لأنَّها إذا كانت خطرًا على الحوزة والخطاب التقليدي الشيعي، فهي خطر كذلك على الأمن القومي للدولة، ويهدِّد استقرارها ونسيجها المجتمعي. وفي هذا الصدد، أعلن القضاء العراقي يوم الجمعة 14 نيسان/ ابريل، عن توقيف عشرات المتهمين من "أصحاب القضية" وقال إنهم "عصابة تثير الفتن وتخل بالأمن المجتمعي"، حيث اعتُقل أكثر من 65 فرداً منهم.
قد لا يؤدى قرار الصدر السريع والحازم إلى القضاء على تلك المجموعات المُغالية، لكنّه على الأقل سيكبح جماحهم داخل التيّار الصدري إلى حدٍّ كبير. ومن المرجح أن تنضم جماعة "اصحاب القصية" إلى الجماعات الأخرى التي انشقت في الماضي عن التيار الصدري. وفي نهاية المطاف، ستبقى تلك المجموعات مع اختلاف مسمياتها وتواجهاها على هامش المشهد الديني الشيعي العراقي والإيراني؛ وذلك لوجود مرجعيات وحوزات تقوم بضبط أنشطة الجماعة الشيعية وتحول دون تمددها، خاصة عندما تمثل أفكار تلك الجماعات تهديدا للسلطة الدينية ومعالم المذهب الشيعي وركائزه. ومع ذلك، ظلت بعض هذه الحركات الناشئة في السلطة كما هو الحال مع جماعة عصائب أهل الحق.