في 18 نيسان/إبريل، نشر الموقع الإيراني البارز "ألف" مقالاً عنوانه يترجم تقريباً : "من هي الشعوب الأكثر تعطشاً للدماء في خلال التاريخ البشري؟" ويتّهم هذا المقال، الطويل والمفصّل والمكمّل بالحواشي والصور ومقاطع الفيديو، اليهود بقتل غير اليهود لاستخدام دمائهم في طقوسهم.
يُشار إلى أن مالك موقع "ألف" والمشرف عليه أحمد توكّلي، هو عضو في البرلمان الإيراني وكان قد شغل سابقاً منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية ورئيس مركز البحوث البرلمانية. وتوكّلي، الشخصية المحافظة البارزة الذي حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة نوتنغهام في بريطانيا، هو أيضاً ابن عم الإخوان لاريجاني - محمد جواد لاريجاني رئيس مجلس حقوق الإنسان في السلطة القضائية، وصادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، وعلي لاريجاني رئيس البرلمان. وبعد فترة وجيزة من ظهور المقال على موقع "ألف"، أعادت المواقع المتشددة الأخرى مثل "أخبار المشرق" (mashreghnews.ir) نشره.
فرية الدم التقليدية
يُظهر المقال المُدرج تحت "قسم ألف للشؤون الخارجية"، نواياه المعادية للسامية بوضوح كامل منذ البداية: "ليس سفك اليهود للدماء بالأمر الجديد. فنظراً إلى ما يحدث في الأراضي المحتلة، يمكن للمرء أن يرى روح هذا القوم [أي العرق أو الجنس] الجشعة والوحشية، ولكن من خلال العودة إلى التاريخ اليهودي في القرون الماضية، يصبح جلياً أنّهم يصرون على سفك الدماء وحتى أنّهم متعطّشون للدماء على أساس دينهم المشوّه وتعاليمه". وتشير كلمة "المشوّه" إلى العقيدة الإسلامية القائلة بأنّه تمّ تزوير أجزاء من الكتاب المقدس بالعهدين القديم والجديد منه.
ويزعم المقال أنّه يرتكز على "الموسوعة اليهودية" (لم تُعطى أي معلومات إضافية ذات صلة بالموضوع حول هذا المصدر) وأربعة كتب باللغة العربية لكتّاب مصريّين. هذا ويقتبس المقال أيضاً عن المدعو "إيدريك بوسكوف" من دون أي مرجع، وكذلك عن ريتشارد بيرتون، المستشرق والدبلوماسي البريطاني المعروف بمعاداته للسامية:
"يقول الدكتور إيدريك بوسكوف حول الشعب اليهودي إنّ "قتل الأجانب [مبرّر] في أحكام الدين اليهودي وتعاليمه، ولا يوجد فرق بينهم وبين الحيوانات. غير أنّ القتل ينبغي أن يتم بطريقة دينية، وبالتالي يجب تقديم الذين لا يؤمنون بالتعاليم اليهودية ذبيحة لإلهة اليهود العظيمة"... وكتب ريتشارد بورتون، الذي درس التلمود لفترة طويلة، في كتابه بعنوان "اليهود، الضوء، والإسلام" [والمفترض أنّه نسخة مشوّهة عن عنوان "اليهود، والغجر، والإسلام"] الذي نُشر عام 1898، 'وفقاً للتلمود، هناك نوعان من الطقوس الدموية التي ترضي يهوه [الرب]: وليمة الخبز الممزوج بدم بشري [الفصح] وطقوس ختان الأطفال اليهود' ".
وعلى الرغم من أن اقتباس "ألف" غير دقيق، إلا أن كتاب بيرتون يورد بيانات مماثلة مستفزة تسيء تمثيل التلمود تماماً.
ويستمر المقال مع اقتباس من الكاتب رأفت مصطفى، وهو عضو في حزب البعث السوري وكاتب معادٍ للسامية له أعمال عديدة. ووفقاً لموقع "ألف"، فقد كتب مصطفى ما يلي في مقال صدر في 1 كانون الأول/ديسمبر في صحيفة "الشعب المصرية": "اليهود هم أكثر الشعوب المتعطشة للدماء في التاريخ البشري... نعم، هؤلاء هم اليهود، الذين يطلب منهم دينهم 'تقديم أولئك الذين لا يؤمنون بالدين اليهودي كذبيحة لإلهنا يهوه' ... وتبين البحوث أن اتِّباع التعاليم اليهودية المزورة كان العامل الرئيسي وراء جميع المآسي والمحن التي عانى منها اليهود في تاريخهم. ففي الماضي، كان السحرة اليهود يستخدمون دم الإنسان في احتفالات الشعوذة الخاصة بهم".
بعد ذلك يصف المقال في "ألف" وبصورة مطوّلة عدة مناسبات يهودية يستخدم خلالها اليهود الدم البشري ويشربونه مع تبرير ديني. ويذكر أيضاً عدداً من الأمثلة عن يهود يسرقون الأطفال ويقتلونهم ويستخدمونهم في خلال طقوس عيد الفصح. ووفقاً لـ "ألف"، وقعت هذه الأحداث في بور سعيد، وحلب، ودمشق، وطرابلس (لبنان)، والعديد من الأماكن في أوروبا.
ويختتم الكاتب المقال كالتالي: "قد تبدو الجرائم المذكورة آنفاً غريبة اليوم، غير أنّ التقليد اليهودي المتعطّش للدماء لم يتغير. ونظراً للقيود القانونية في عالم اليوم ولإمكانية الكشف عن الجرائم بسرعة، اتخذ هذا التقليد شكلاً آخر. ففي أيامنا هذه أصبح حديثو الولادة ضحايا تعطّش هذا القوم للدمّ... إذ يشرب الحاخام دم الوليد فوراً بعد الختان. وهذا السلوك يجعل الأطفال مرضى ويسبب الوفاة". ويبدو هذا وصف منحرفاً بالنسبة إلى ممارسة اليهود المتدينين لما يعرف باللغة العبرية كـ "ميتسيتسا بَپي" [امتصاص عن طريق الفم] المثيرة للجدل، والتي تنطوي على تنظيف جرح الختان من خلال امتصاص الدماء وبصقه على الفور بعد الانتهاء من الطقوس. ويتضمن المقال عدداً من الصور واللوحات ومقاطع الفيديو التي توضح هذه الممارسة.
يشمل الدين اليهودي حظراً قويّاً جدّاً على استهلاك الدم من أي مخلوق حي. وتكرّر التوراة هذا الحظر سبع مرات، كما يحرص اليهود المتدينون على عدم انتهاكه. غير أنّ مقال "ألف" يظهر أنّ فريّة الدم، أي الادعاء بأن اليهود استخدموا دماء أطفال مسيحيين في شعائرهم الدينية، والتي تعود إلى قرون، لا تزال قائمة.
معاداة السامية في الجمهورية الإسلامية
في عملها الإبداعي حول "أصول الاستبداد"، تميّز هانا أرندت بين معاداة اليهودية ومعاداة السامية، واصفة الأخيرة على أنّها ظاهرة مستقلة تماماً: "معاداة السامية، هي إيديولوجية علمانيّة ظهرت في القرن التاسع عشر - والتي لم تكن معروفة بالإسم، بل بالمضمون، قبل سبعينات القرن التاسع عشر. وتختلف عن الكراهيّة للدين اليهودي، المستوحاة من العداء المتبادل لمذهبين متعارضين. حتى إن مدى تأثّر معاداة الساميّة في حججها وبراهينها العاطفيّة بكراهية الدين اليهودي مسألة مفتوحة". وتضيف أرندت أنّه بما أنّ الأيديولوجية السياسية مختلفة عن المذاهب المسيحية المختلفة التي حفزت كراهية اليهود، فعبثاً يكون البحث عن "جذور مسيحية لمعاداة السامية".
ويمكن تطبيق هذا التمييز أيضاً على المواقف الإيرانية تجاه اليهود. فعلى الرغم من أن معاداة اليهودية معروفة في التراث الإسلامي الإيراني وأدبه (وحتى في أعمال الشعراء الكلاسيكيين المعروفين مثل سعدي)، إلا أن ذلك مختلف عن معاداة السامية الحديثة بشكل جوهريّ. فقد دخلت معاداة الساميّة إلى إيران مع المثقفين والنشطاء السياسيين اليساريين والإسلاميين قبل ثورة 1979 وبعدها. وقد تأثر المثقفون العلمانيّون بشكل كبير بالتوجهات المعادية للسامية في أوروبا والاتحاد السوفياتي، في حين تأثّر الإسلاميون بجماعة «الإخوان المسلمين» وبكتّاب عرب آخرين معادين للسامية. بالإضافة إلى ذلك، نقل بعض رجال الدين الشيعة العراقيين الأدب المعادي للسامية من العالم العربي إلى إيران. على سبيل المثال، نشر السيد محمد الحسيني الشيرازي - كبير أسرة الشيرازي المعروفة بتوجهاتها المحافظة جدّاً والتي تدير عشرات المساجد - عدداً من الكتب المعادية للسامية في الستينيّات، ومن بينها كتاب بعنوان: "العالم ألعوبة بيد اليهود". وقد ترجمه رجل الدين العراقي آية الله السيد هادي المدرسي الذي أصبح اليوم مرجعاً دينيّاً.
تجدر الإشارة إلى أنّ الدين اليهودي دين أقليّات رسمي في إيران، ولليهود ممثل في البرلمان وهم يتمتّعون بالحريّة في ممارسة شعائرهم الدينية في المعابد المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك في طهران حيث لا يحقّ لمئات الآلاف من السكان السنّة بناء مسجد خاص بهم. مع ذلك، يشتهر المسؤولون الإيرانيّون بتصريحاتهم المعادية للسامية المضمّنة والعلنيّة ضد إسرائيل واليهود، ولا تبذل الحكومة أي جهد للحد من الدعاية المعادية للسامية التي يطلقها المتطرفون المحليّون. وفي الماضي، كانت مثل هذه التصريحات سياسية عموماً، مع تقديم بعض العناصر من المسلمين التقليديين شكاوى عن تزوير اليهود لرسالة الله ورفضهم النبي الحقيقي محمد. ولكن، منذ عام 1979، ازداد انتشار الأكاذيب الأكثر بدائيّة والأكثر معاداة للسامية، وخاصة فرية الدم. وعند البحث عن هذه الاتهامات على محرّك البحث "غوغل" في اللغة الفارسية يظهر عدد من المقالات ذات الصلة، وخاصة على مواقع تنبؤية. والأكثر إثارة للقلق، هو انتشار فرية الدم في وسائل الإعلام الرئيسية منذ بعض الوقت، مع صدور بعض التصريحات بين الحين والآخر لمعلّقين على مواقع مهمة وحتى على التلفزيون الرسمي. وعلى الرغم من عدم إطلاق أي مسؤول إيراني مثل هذه التصريحات، إلا أن أحداً منهم لم يردّ على انتشار هذا التشهير، وخصوصاً مقال "ألف" الذي صدر هذا الأسبوع. كما لم يندد رجال الدين الإيرانيون بهذا التشهير ضد ما يعتبر رسمياً ديناً إلهيّاً - أي الديانة اليهودية.
وفي إيران اليوم، يتم خلط الخطابات المعادية لليهودية وتلك المعادية للسامية في بعض الأحيان في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام والإعلان الديني/السياسي، والأدب الفكري العلماني. ويساعد هذا الأمر النظام على تبرير أجندته المعادية لإسرائيل في المنطقة، وإظهار اليهود على أنّهم أعداء حقيقييّن لا يريدون التقدّم للجمهورية الإسلامية، وخاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا النووية. والأكثر أهميّة من ذلك هو عدم تمكّن المثقفون القلقون إزاء التداعيات السلبية للمشاعر المعادية لليهود على المدى الطويل من انتقاد هذا الخطاب المختلط داخل إيران بسهولة.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.