- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إصلاحات "الورقة البيضاء" لقطاعي النفط والغاز: هل ستعبد الطريق لاستثمار أمثل لثروات العراق
زيادة إنتاج الغاز الطبيعي وتحسين قطاع النفط يمثلان عاملان حاسمان لإحياء اقتصاد العراق.
تضمنت " الورقة البيضاء " في العراق عدة معايير خاصة بإصلاح قطاعي النفط والغاز في والتي من شانها أن تساهم في زيادة الكفاءة والإنتاج واستكشاف الموارد غير المستغلة وتنويع صناعة الوقود الأحفوري في العراق بشكل أكبر نحو إنتاج الغاز الطبيعي.
كان الهدف من اطلاق مبادرة "الورقة البيضاء" التي صدرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، هو إصلاح النظام الاقتصادي في العراق لسد العجز في الموازنة وإعادة هيكلته لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يمر بها البلد حالياً، وكذلك تحسين أداء المؤسسات المالية ووضع برامج وخطط ذات منهجية تنسجم مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. ومن ثم، وحتى يتسنى "للورقة البيضاء " أن تحقق أهدافها المنشودة، كان من الضروري أن تتضمن إصلاحات مهمة خاصة بقطاعي النفط والغاز في العراق.
وكما هو معروف لدى الجميع بأن اقتصاد العراق ريعي أي يعتمد بنسبة 95% على الواردات النفطية لتغطية نفقاته الحكومية. ومن ثم، وضعت أزمة انهيار أسعار النفط التي شهدتها أسواق النفط العالمية خلال النصف الأول من العام الحالي الاقتصاد العراقي في تحدي صعب، مما اجبر الحكومة العراقية على اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية الرواتب وباقي النفقات الحكومية ولسد العجز المالي.
كانت قضايا الموازنة والديون الخارجية دائما مصدر توتر في السياسة العراقية، فبعد مداولات كثيرة، انسحب نواب الكتل الكردستانية في البرلمان العراقي بغضب من جلسة التصويت التي عقدت في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 ، حيث وافق مجلس النواب العراقي على قانون تمويل العجز المالي لما تبقى من سنة 2020.
لذلك أصبح تطوير قطاعي النفط والغاز وإصلاحهما مسألة حاسمة في ظل التحديات الراهنة التي تواجه البلاد. ومن ثم، يجب على العراق أن يتجه نحو تطوير قطاع الغاز لتنويع اقتصاده أسوة بدول الخليج التي يعتمد اقتصادها على النفط. يمكن أيضا أن يساعد التنويع المتزايد في قطاع الطاقة واستخراج المزيد من الغاز الطبيعي، في مواجهة العقبات الاقتصادية الحالية والمستقبلية المتعلقة بالاقتصاد الريعي في العراق. فتطوير تلك القطاعات، وتفعيل قطاع الغاز واستثمار الحقول غير مستثمرة حالياً، يمكن أن يساهم في تعظيم إيرادات البلاد المالية وتوفير الأموال لخزينة الدولة.
ولحسن الحظ، تتضمن " الورقة البيضاء" الآن خطوات فعالة وشاملة لتطوير وإصلاح قطاعي النفط والغاز، وهو ما يمكن أن يخلق تغيير إيجابي ملموس في النظام الاقتصادي المتبع حالياً والذي يحتوي على الكثير من العثرات والمطبات، كما يمكن أن تحدث هذه الورقة تطوير مستدام في هيكلية البلاد الاقتصادية في حال تم التصويت عليها من قبل البرلمان العراقي ودخولها حيز التنفيذ.
قطاع الغاز الطبيعي
تبلغ احتياطيات الغاز المؤكدة في العراق 132 تريليون قدم مكعب قياسي، تم فقط استثمار حوالي 1500 مليون قدم مكعب قياسي حتى الآن كمنتج ثانوي لاستخراج النفط. وحتى هذه الكمية البسيطة المتعلقة بإنتاج النفط يمكن إدارتها بكفاءة أكبر، حيث يتم حرق 1200 مليون قدم مكعبة قياسي إضافية من الغاز الطبيعي من أصل 2700 مليون قدم مكعب قياسي والتي تعتبر الكمية الكلية للغاز الطبيعي المصاحب لعمليات استخراج النفط الخام، مما يكلف العراق خسائر مالية تقدر بأكثر من ملياري ونصف المليار دولار سنوياً.
لتحقيق استغلال أمثل، تسعى وزاره النفط العراقية نهاية عام 2023 إلى استثمار جميع كميات الغاز الطبيعي المصاحب مع عملية استخراج النفط والتوقف عن هدر الغاز وحرقة. كما تسعى الوزارة أيضا إلى الاستثمار في الحقول غير المستثمرة من خلال إحالتها للاستثمار إلى الشركات الأجنبية ضمن جولات التراخيص الغازية وهناك الكثير من الشركات العالمية أبدت رغبتها بالتنافس والاستثمار في تلك الحقول.
تهدف الورقة البيضاء أيضا إلى تطوير الهيكلية الإدارية والمالية لقطاع الغاز والتي من شأنها أن تساعد في تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه، حيث تسعى إلى السير بإجراءات تأسيس شركة الغاز الوطنية، ووضع سياسة لقطاع الغاز، تتضمن تحديد الأولويات وزيادة التركيز والترابط والفاعلية، من اجل تعزيز استثمار الغاز الوطني، من خلال استثمار الغاز المصاحب عوضا عن حرقه، وتطوير حقول الغاز الطبيعي. كما تهدف الورقة إلى السماح للشركات العالمية بالاستثمار في صناعة الغاز الطبيعي في العراق، والأشراف على تنفيذ عقود جولات التراخيص الغازية، وبناء مجمعات غاز متكاملة ضمن عدد من الحقول (ارطاوي، وميسان، والناصرية).
ومع التنفيذ الناجع لهذه المشاريع نأمل أن يتمكن العراق من إنشاء قدر أكبر من الاستقلال في الموارد، حيث يمكن لهذه الإجراءات القضاء على اعتماد البلاد على الغاز الطبيعي المستورد.
قطاع النفط
تهدف الورقة البيضاء إلى تعزيز فاعلية قطاع النفط بشكل يساهم في زيادة واردات الدولة، وذلك من خلال تشريع القوانين والأنظمة الضرورية التي تخدم القطاع النفطي، والنظر في تعديل بعض القوانين مثل قانون الاستثمار في المصافي، وقانون بيع واستيراد المنتجات النفطية، وقانون تنظيم وزارة النفط، وقانون شركة النفط الوطنية.
كما تهدف الورقة إلى إصلاح البنى التحتية لشبكة نقل الغاز الطبيعي والسائل والمنتجات النفطية والنفط الخام (الداخلية)، وتوحيد المشغل لهذه الشبكة، وتوسيع منظومة التصدير، والبدء بزيادة الإنتاج وتعزيز القابلية الإنتاجية من الحقول الحالية بعد انتهاء التزام العراق بتعهداته وفق اتفاق أوبك بلس.
خطوات أخرى
تشمل الخطوات الأخرى المقترحة لتطوير وإصلاح قطاعي النفط والغاز الإسراع في تشكيل شركة النفط الوطنية وإكمال تأسيسها وتعديل قانونها ووضع هيكليتها الإدارية والمالية تمهيداً لفك ارتباطها بوزارة النفط. ستتطلب هذه العملية أيضًا تطوير حقول النفط، والإنتاج والتسويق وكافة الأنشطة المرتبطة بها وزيادة رقعة استكشاف الحقول. لذلك، يجب العمل على استقطاب الشركات العالمية الرائدة في صناعة النفط والغاز للاستثمار في العراق وللاستفادة من خبراتها الفنية والتقنية، واستكشاف الحقول النفطية والغازية الجديدة والحفر والاستخراج وفي مجال التصفية والتسويق، كمثال لا الحصر (شيفرون، اكسون موبيل، بيكر هيوز، شل، بريتش بيتروليوم، الخ...).
إضافة إلى ذلك، سيتوقف نجاح "الورقة البيضاء" على بعض الإجراءات الضرورية التي يجب على الحكومة العراقية اتخاذها، منها إشراك خبراء الاقتصاد والاكاديميين ومنظمات المجتمع المدني في عملية رسم خارطة الإصلاح الاقتصادي المقترحة حتى تصبح الورقة اكثر شمولية .كما أن صناعة النفط ليست مستثناة من تلك الإجراءات، فمن خلال التطبيق المستنير والمنضبط للإصلاحات التي تضمننها "الورقة البيضاء" في قطاعي النفط والغاز ، يمكن أن يصبح العراق قادرا على تحقيق مكاسب كبيرة تساهم في حل مشاكله الاقتصادية الحالية والحفاظ على استقرار موازنته الوطنية .
ومع ذلك، تواجه الورقة البيضاء العديد من التحديات أبرزها الفساد المستشري في البلاد والذي يأكل الأخضر واليابس ويتطلب إجراءات صارمة وإصلاحات تشريعية حقيقية للقضاء عليه ومكافحته في اغلب مؤسسات الدولة. فالفساد يعيق بشكل كبير عملية الإصلاح ويمثل حجر عثرة، على الحكومة العراقية لدعم المؤسسات الرقابية والقضائية وتفعليها بشكل أكبر. ومن ثم، فإن القضاء على الفساد في أجهزة الدولة يستلزم تضافر الجهود والتنسيق الوثيق بين جميع مؤسسات الدولة، وكذلك يتطلب إجراء إصلاحات تشريعية وإدارية حقيقية، وغير ذلك، فإن غياب جهود مكافحة الفساد سيجعل من الصعب على الحكومة العراقية المضي قدمًا في الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي اقترحها " الورقة البيضاء". يمثل أيضا السلاح المنفلت (السلاح خارج إطار الدولة) الذي يهدد الأمن الوطني للبلاد والسلم الأهلي تهديدا كبيرا لمسيرة الإصلاح الاقتصادي في البلد، حيث يؤثر بشكل مباشر على عملية الاستثمار واستقطاب الشركات الأجنبية ويجعل من البلاد بيئة طاردة للاستثمار.