- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استكشاف وجهات نظر روسيا حول المساعدات الإنسانية في سوريا
مع استعداد مجلس الأمن الدولي للتصويت على ما إذا كان سيتم توسيع جهود الأمم المتحدة لتقديم المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا في كانون الثاني/يناير 2023، نجد أن روسيا مستعدة مجددًا لتهديد المساعدات الإنسانية المخصصة لـ 4.1 مليون مدني يعتمدون على شريان الحياة الرئيسي هذا للبقاء على قيد الحياة.
في كل عام منذ 2014، كانت روسيا تهدد باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار 2165 (وتكراراته اللاحقة) الذي يرعى آلية المساعدات عبر الحدود، سعيًا وراء أهدافها السياسية الخاصة، فقللت بشكل مطرد من فاعلية هذا الإجراء المنقذ للحياة لتحصره ضمن نقطة عبور حدودية واحدة فقط إلى شمال غرب سوريا العام الماضي.
هددت الهوة المتزايدة بين روسيا والمجتمع الدولي على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 قابلية تطبيق هذه الآلية الهشة أصلًا. وداخل سوريا، نجحت روسيا بشكل مطرد في تعزيز نفوذها إلى حد كبير في دمشق مقارنةً بالأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى ومانحي المساعدات الدولية. في الواقع، طورت روسيا منظومة مساعدات معزولة ومكتفية ذاتيًا تضم ما لا يقل عن 26 كيانًا حكوميًا وحكوميًا مقنعًا في سوريا، قدمت من خلالها المساعدات 3090 مرة إلى ما لا يقل عن 731 مجتمعًا في جميع أنحاء البلاد منذ العام 2016. إذا لم يتم تجديد قرار المساعدات عبر الحدود، ستضطلع منظومة المساعدات الروسية هذه بدور أهم في تنفيذ عمليات تقديم المساعدات في سوريا في المستقبل المنظور.
لكن المعلومات المتوفرة حول كيفية مقاربة الدولة الروسية للمساعدات الإنسانية الخارجية تُعد قديمة بشكل مؤسف في إطار التأهب لهذا السيناريو. فأحدث تقرير صادر عن مكتبة الكونغرس الأمريكي القانونية حول المساعدات الإنسانية الخارجية الروسية يعود لعام 2011، في حين أن أحدث منشور من الاتحاد الأوروبي يعود لعام 2016. بينما حاول المؤلف في مقالاته السابقة استكشاف القدرات الإنسانية لروسيا في سوريا، يسعى في هذه المقالة إلى تقديم لمحة محدثة عن الوضع، واصفًا أربع طرق تقارب بها الدولة الروسية مفهوم المساعدات الإنسانية الخارجية الخاص بها. على نحو مثالي، سيساعد ذلك صانعي السياسات على تحديد الفرص المحتملة لمواجهة إجراءات روسيا التي تطرح إشكالية في المجال الإنساني في سوريا وأماكن أخرى.
للقيام بذلك، يستند هذا المقال إلى مصادر الحكومة الروسية المتاحة للعلن، وشخصيات رئيسية في مجتمع المساعدات الروسي، ومعلومات تم جمعها من المواقع الإلكترونية للكيانات المذكورة في هذه المقالة. في حين أن استخدام المصادر المفتوحة يخضع لقيود واضحة، مثل عدم دقة المعلومات المبلغ عنها ذاتيًا أو المعلومات المحرّفة سياسيًا، إلا أنه يوفر مع ذلك نافذة قيِّمة على دوافع روسيا لجهة تقديم المساعدات في سوريا والآليات التي تحكم عمليات الإغاثة.
الطرق الأربع التي تقارب بها روسيا المساعدات الإنسانية الخارجية
- هم روسيا للمساعدات الإنسانية الخارجية حديث العهد. يمكن إرجاع أصول المساعدات الإنسانية الخارجية للاتحاد الروسي إلى السنوات الأخيرة من الاتحاد السوفياتي مع إنشاء فيلق الإنقاذ الروسي في كانون الأول/ديسمبر 1990. تم إنشاء الفيلق للاستجابة للعدد المتزايد من الكوارث الطبيعية والصناعية في الاتحاد السوفياتي خلال الثمانينيات، وسرعان ما تحول إلى وزارة حالات الطوارئ عام 1994 باعتباره المستجيب الرئيسي في روسيا للكوارث الطبيعية والكوارث من صنع الإنسان محليًا وخارجيًا. وبعد ما يقارب عشر سنوات، أصدرت روسيا لوائحها التنظيمية الأولى لتوجيه توفير المساعدات الإنسانية الخارجية عام 2000، وأصدرت لاحقًا سياستها الأولى بشأن المساعدات الإنسانية الخارجية عام 2007. فما زالت المساعدات الإنسانية الخارجية الروسية في مراحلها الأولى مقارنةً بالولايات المتحدة، التي وضعت سياسات المساعدات الإنسانية الخارجية للمرة الأولى عام 1961 من خلال قانون المساعدات الخارجية الذي مهد الطريق لإنشاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
- المفاهيم الروسية حول المساعدات الإنسانية الخارجية هي أكثر عمومية من مفاهيم العديد من الجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع الإنساني. إن ما تسميه الدولة الروسية "التعاون الإنساني الدولي"، وهو نسختها من المساعدات الإنسانية الخارجية، يكون له عادةً معنى أوسع بكثير مقارنةً بالكيانات الإنسانية الأخرى. فالتعاون الإنساني الدولي لروسيا لا يتضمن فقط الاستجابة الطارئة للكوارث الطبيعية ومناطق النزاعات، كما يعهده الكثيرون في بقية العالم، ولكنه يشمل أيضًا التنمية الدولية وحفظ السلام و"الدبلوماسية العامة"، أي استخدام الأنشطة الثقافية مثل التبادل الأكاديمي والفني والأدبي واللغوي والموسيقي لتعزيز نظرة أكثر إيجابية نحو روسيا. في الواقع، صرح يفغيني بريماكوف جونيور، الرئيس السابق للبعثة الإنسانية الروسية، في مقابلة إعلامية عام 2019 أن تصورات المساعدات الإنسانية في روسيا غالبًا ما تكون "مرتبطة بمجال الثقافة" أكثر منه بتوفير الغذاء أو الدواء. وبالتالي، لا تتوافق التفسيرات الأوسع نطاقًا للمساعدات الإنسانية الخارجية التي تعتمدها الدولة الروسية في الكثير من الأحيان مع التعريف الضيق للعمل الإنساني الذي يتبعه معظم العالم، وهو تعريف يركز على إنقاذ الأرواح أو تخفيف المعاناة أو تحسين الظروف.
- بالنسبة إلى العديد من الروس، يُنظر إلى المساعدات الإنسانية الخارجية من منظور سلبي. لا ترتبط المساعدات الإنسانية دائمًا بالإجراءات الصائبة من الناحية الأخلاقية في روسيا كما هو الحال في الجزء الأعظم من المجتمع الإنساني الأوسع. بدلًا من ذلك، غالبًا ما ترتبط بالمساعدات الإنسانية في روسيا كلمة "العار"، وهي نظرة تطورت إلى حد كبير بعد تقديم خدمات إنسانية دولية كبيرة و"مذلة" إلى روسيا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات. وغالبًا ما تم تقويض هذه الجهود الإنسانية بسبب الفساد والاستغلال على نطاق واسع من قبل المسؤولين الحكوميين السوفياتيين السابقين، وهو واقع يساهم على الأرجح في انعدام الثقة في الدوافع الخيرية للمساعدات الإنسانية الذي لا يزال ملموسًا في المجتمع الروسي حتى يومنا هذا. والأهم من ذلك أن وثائق الحكومة الروسية لا تأتي على ذكر المبادئ الإنسانية الأربعة- أي الإنسانية وعدم التحيز والاستقلال والحياد- التي ترعى جزءًا كبيرًا من عمل القطاع الإنساني العالمي وهي جوهر ما يجعل العمل الإنساني محط ثقة واحترام إلى حد كبير.
- تعتبر روسيا المساعدات الإنسانية الخارجية أداة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الخاصة بها. منذ الحقبة السوفياتية، تنظر الدولة الروسية إلى المساعدات الإنسانية الخارجية كأداة لتحسين صورتها كقوة عالمية ذات مصداقية. في الواقع، كان هذا الإرث حاضرًا إلى حد كبير في سياسة روسيا المتعلقة بالمساعدات الإنسانية الخارجية لعام 2007، بحيث وصفت في الواقع سبعة من الأهداف التسعة الشاملة المذكورة كيف يمكن استخدام المساعدات الإنسانية الخارجية والتنمية الدولية "لتعزيز موقف غير متحيز تجاه الاتحاد الروسي في المجتمع الدولي" وتعزيز التعاون الدولي. بعد العام الأول للوجود الروسي في سوريا (2016)، أصبح هذا الارتباط بين المساعدات الإنسانية الخارجية وأهداف السياسة الخارجية أكثر وضوحًا، إذ نصت سياسة وزارة الشؤون الخارجية على أن المساعدات الإنسانية الخارجية تشكل "جزءًا لا يتجزأ من جهود [روسيا] الرامية إلى تحقيق أهداف السياسة الخارجية." بعبارة أخرى، أصبحت المساعدات الإنسانية الخارجية أداة قوة ناعمة أساسية للدولة الروسية. وعند النظر إلى المساعدات الإنسانية الخارجية من منظور المعلقين العسكريين الروس، يتضح أن الوضع أسوء بعد. فغالبًا ما توصف المساعدات الإنسانية على أنها جزء من حرب هجينة، أي حرب غير تقليدية يستخدمها خصوم روسيا لتقويض أهداف السياسة الخارجية الخاصة بها. وذكر فاليري غيراسيموف، قائد الجيش الروسي، ذلك في مجلة عسكرية روسية عام 2016، واصفًا الأنشطة الإنسانية بأنها "وسائل عسكرية ذات طابع مخفي." وبالتالي، تعتبر روسيا أيضًا المساعدات الإنسانية التي تقدمها جزءًا من مجموعة أدوات الحرب الهجينة الخاصة بها لمساعدتها في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الخاصة بها في الخارج. عام 2017، وصف تقرير لمؤسسة "راند" المركز الإنساني الروسي الصربي بأنه مثال على استخدام روسيا للمساعدات الإنسانية الخارجية في الحروب الهجينة.
المساعدات الإنسانية الخارجية الروسية في السياق السوري
من الواضح من المصادر المتاحة للعلن أن الدولة الروسية لا تتقيد بمفهوم المجتمع الدولي للمساعدات الإنسانية. وفي أحسن الأحوال، تؤدي سياسات المساعدات الإنسانية الخارجية الروسية إلى إجبار الدولة على تعطيل الجهود التي تبذلها الكيانات الأخرى في مجتمع المساعدات الأوسع. وفي أسوأ الأحوال، يعتبر جهاز المساعدات في روسيا، لا سيما مؤسستها العسكرية التي توفر غالبية المساعدات الروسية في سوريا، أن جهود المساعدات التي يبذلها المجتمع الدولي هي مصدر تهديد له ويسعى إلى التغلب عليه. على أي حال، ستستمر روسيا على الأرجح في إعطاء الأولوية لمصالحها الذاتية على احتياجات الأشخاص المعرضين للخطر في شمال غرب سوريا، بغض النظر عما إذا سيتم تمديد قرار المساعدات عبر الحدود في كانون الثاني/يناير 2023 أم لا.
على الأرض، يدرك العديد من السوريين أن روسيا تستخدم مساعداتها كأداة سياسية لمعاقبة أو مكافأة المحتاجين. لكن روسيا غير مهتمة على الأرجح بهذه الآراء المجتمعية، بحيث تفضل إلى حد كبير استخدام أعمال المساعدات الخاصة بها لدعم السردية الإيجابية التي تقدمها لجمهورها الأوسع، وهي سردية تحاول من خلالها الابتعاد عن صورتها العسكرية والسياسية القاسية في سوريا. فالعديد من وسائل الإعلام الروسية الرئيسية يروّج بانتظام لقصص متعلقة بالمساعدات الروسية الموسعة في سوريا باللغة العربية.
في حين أنه قد يكون من السهل التقليل من أهمية هذه الاستراتيجية مقارنةً بالتزام المجتمع الدولي بالمساعدات الإنسانية الخارجية الهادفة، تُظهر الأمثلة المستقاة من سياقات أخرى الفاعلية المحتملة لنهج روسيا في سوريا. ففي استطلاع أجري عام 2020 في صربيا، ذكر المستجيبون روسيا والصين على أنهما من أكبر المساهمين في المساعدات الخارجية للبلاد، في حين أن هذه المساعدات جاءت في الواقع بأغلبية ساحقة من الاتحاد الأوروبي. وفي الفترة التي سبقت الاستطلاع، أجرت الدولة الروسية عددًا قليلًا فقط من عمليات تسليم المساعدات التي تم الترويج لها بشكل مكثف في الأعوام 2014 و2015 و2017، كما روجت لإنشاء المركز الإنساني الروسي الصربي المذكور سابقًا. وبما أن موسكو تستثمر منذ فترة طويلة في استخدام وسائل الإعلام العربية للترويج لوجهات النظر المؤيدة لروسيا لدى الجماهير الإقليمية، يُحتمل أن نشهد على عملية مماثلة في ما يتعلق بتوفير المساعدات الروسية في سوريا.
في حال عدم تمرير قرار الأمم المتحدة بشأن المساعدات عبر الحدود، قد يصبح نظام الظل للمساعدات الروسية، وهو نظام منعزل ومكتفٍ ذاتيًا، أكثر هيمنة في سوريا. بالتالي، سيصبح التعامل مع نهج روسيا الراسخ والمتعارض تجاه المساعدات الإنسانية أكثر صعوبة بعد. ولا ينبغي بالمجتمع الدولي تجاهل هذا الاحتمال المشؤوم أو التقليل من خطورته.