- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاع جديد خاص بالسعودية: قلقًا واسعًا من الفساد، ووجهات نظر مختلطة جدًا حول الإصلاح والعلاقات مع أمريكا
في أعقاب فضيحة قضية خاشقجي، أظهر استطلاع جديد ونادر للرأي العام في المملكة العربية السعودية قلقًا شعبيًا واسعًا حول الفساد والمشاكل الداخلية الأخرى – في حين تُظهر بيانات الاستطلاع أن الأقلية أيّدت المبادرة الرسمية للإصلاح الإسلامي. ومن المفارقات أيضا أن هذه السياسات السعودية التي تدعمها القوى الخارجية هي أيضاً نفس السياسات التي أثارت جدلاً داخلياً واسعاً.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن الانتقادات الخارجية لموقف المملكة العربية السعودية بشأن قضايا السياسة الخارجية، لم يلقى إلا صدى قليل نسبياً داخل المملكة، وينطبق هذا بشكل خاص على عداوة المملكة العربية السعودية تجاه إيران، وتدخلاتها في اليمن ولبنان والميل إلى مقاومة النصائح الامريكية. كما أن صنع السلام مع إسرائيل قد لقي قبول على نطاق واسع، أو على الأقل كتوجه طويل الأمد. وبشكل عام، يبدو أن الجمهور السعودي قد أصبح أكثر توافقا مع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية لحكومته أكثر من توافقه معها في ما يتعلق بالأجندة الداخلية.
وبالنظر بشكل أوثق إلى الأسئلة الفردية، نجد أن هامش المناورة في الرياض والمرتبط بالرأي العام الداخلي يختلف اختلافاً كبيراً من قضية إلى أخرى، حيث تكشف البيانات انه لا يوجد قضية واحدة يختلف فيها الجمهور السعودي بشكل كبير مع نظامه. ومع ذلك، تشير نفس البيانات إلى وجود بعض البوادر التحذيرية الكامنة تحت السطح نتيجة عدم الارتياح.
بشكل ملحوظ، ولا سيّما في ضوء حملة "مكافحة الفساد" الرسمية التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، تقول أغلبية كبيرة من المواطنين السعوديين - 63 بالمائة - إن حكومتهم لا تزال تفعل "القليل جدًا" لـ "الحد من مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية". ويعكس هذا المؤشر حالة عدم الرضا الشعبي – على الرغم من أنه من الصعب معرفة ما إذا كان هذا يدل على رغبة الحكام في شن حملات قمعية أكثر قسوة، أم انهم سيعملون على تطهير وإصلاح بيوتهم. وأحد الدلائل على ذلك أن هناك أكثرية (41 في المائة) ترى أن المسؤولين السعوديين لا يقومون بما يكفي في ما يتعلق بـ " تقاسم عبء الضرائب والالتزامات الأخرى تجاه الحكومة بطريقة عادلة".
وعلاوة على ذلك، فإن الأكثرية الضيقة (36 في المائة)، ربما مع أخذ مسألة خاشقجي في الحسبان، تقول إن الحكومة السعودية لا تفعل سوى "القليل" في ما يخص "حماية حريات وخصوصية المواطنين الأفراد". أمّا باقي الجمهور فينقسم بشكل كبير حول هذه المسألة: 32 في المائة يقولون إن الحكومة تفعل "ما يكفي" من أجل حماية حقوق الأفراد. في حين أن 28٪ يقولون إنها تفعل "أكثر من اللازم"، ما قد يعني عدم إنفاذ المحرمات الاسلامية والمحرمات الاجتماعية الأخرى بما فيه الكفاية. باختصار، تفسر هذه الآراء المختلطة سبب موافقة الغالبية العظمى من السعوديين (79 بالمائة) على أن "الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي هو أكثر أهمية بالنسبة إلى بلدنا من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية".
لكن أي نوع من الإصلاح؟ هنا أيضًا، تنقسم المواقف الشعبية السعودية انقسامًا عميقًا. يقول الربع، الذي حافظ على موقفه منذ سنة خلت، "علينا الإصغاء إلى من هم بيننا الذين يحاولون تفسير الإسلام في اتجاه أكثر اعتدالًا وتسامحًا وحداثة". في حين يختلف ثلاثة أرباعهم، ومن بينهم 39 في المائة ممن يخالفونهم الرأي بشدة.
بيد أنّ الصورة تبدو أكثر إشراقًا عندما يتعلق الأمر بـ "تعزيز المساواة وتكافؤ الفرص بالنسبة للنساء". فيعتقد ربع السعوديين أن حكومتهم لا تفعل سوى "القليل جدًا". في حين يقول النصف إنها تفعل "ما يكفي". أمّا الربع المتبقي فيقول إن المملكة تفعل الآن "أكثر من اللازم" في هذا الشأن. وفى هذا الصدد، يبدو أن الحكومة السعودية تتماشى في هذه القضية مع التوجه العام للرأي العام.
وأكثر ما يثير القلق بالنسبة للقصر هو أن ربع السعوديين، وهي النسبة نفسها كما في العام الماضي، ما زالوا مستعدين للتعبير عن تعاطفهم مع جماعة "الإخوان المسلمين". ويشار إلى أن ذلك يتوازى مع أحدث النتائج المستخلصة من الاستطلاعات التي أجريت في مصر. في الواقع، إن هذه النتائج جديرة بالذكر لأنه قد تم حظر جماعة "الإخوان المسلمين" على مدى السنوات القليلة الماضية باعتبارها منظمة إرهابية، كما تتعرض للتشهير بصورة روتينية من قبل جميع وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، في كلا هذين البلدين العربيين الكبيرين.
أما في السياسة الخارجية، فإن الجمهور السعودي أكثر توافقًا مع حكومته في عدد كبير من القضايا الرئيسية: العداء تجاه إيران، و"حزب الله"، والحوثيين في اليمن، والموافقة من حيث المبدأ على صنع السلام مع إسرائيل. وفي ما يتعلق بإيران، فإن نسبة 11٪ فقط من السعوديين يرون حتى أنه من "المهم نسبيًا" إقامة علاقات جيدة مع هذا البلد المجاور في الطرف المقابل للخليج. وبالمثل، يحصل العميل الإيراني "حزب الله" على تصنيفات سلبية من قبل 90 في المائة من الجمهور السعودي، ومن بينهم 71 في المائة ممن يعبرون عن وجهة نظر "سلبية جدًا". أما الحوثيون في اليمن، الذين تواصل المملكة العربية السعودية خوض حرب دموية ضدهم، فقد صُنّفوا سلبًا من قبل 93 في المائة من السعوديين - بمن فيهم ثلثان يعبرون عن وجهة نظر "سلبية للغاية".
وفي ما يتعلق بقضية السلام مع إسرائيل التي كانت مثيرة للجدل يومًا، تطور الرأي العام السعودي بالتوازي مع السياسة الرسمية. في الواقع، لقد تراجعت القضية برمتها من حيث الأولويات الشعبية. إذ اختار 20٪ فقط أن يكون "الضغط بقوة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي" أولوية قصوى بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة. فبدلاً من ذلك، تتمتع قضيتان أخريان بمكان الصدارة: "زيادة المعارضة العملية على تأثير إيران الإقليمي وأنشطتها"، و"بذل المزيد من الجهود لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في اليمن".
ولكن عندما يكون التركيز على القضية العربية الإسرائيلية، فإن السعوديين يرددون الآن الخط الرسمي المعتدل نسبيًا. وكما كان الحال في استطلاعنا لعام 2017، فإن ثلثي السعوديين يوافقون على أنه "يجب على الدول العربية أن تؤدي دورًا جديدًا في محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ما يمنح الطرفين الحوافز لاتخاذ موقف أكثر اعتدالًا". وقبل البدء بأي اتفاق سلام، تعتبر نسبة قليلة جدًا من السعوديين - 20 في المائة فقط - أن "الدول العربية يجب أن تعمل مع إسرائيل على قضايا أخرى مثل التكنولوجيا، ومكافحة الإرهاب، واحتواء إيران". والآن، 28 في المائة فقط من السعوديين يتخذون موقفًا "إيجابيًا نسبيًا" تجاه "حماس"، التي ترفض السلام مع إسرائيل.
وأكثر إثارة للدهشة هي المواقف المتعالية التي تتخذها السعودية تجاه الولايات المتحدة. إذ تعتبر أقلية من السعوديين أن العلاقات الجيدة مع واشنطن "مهمة نسبيًا" بالنسبة لبلدهم - النسبة نفسها تقريبًا تفيد بالرأي ذاته عن العلاقات مع روسيا، أو مع العراق. وفي هذا الصدد، يحظى الرئيس ترامب بتأييد إيجابي من قبل 9 في المائة فقط من السعوديين – تمامًا مثل الرئيس الروسي بوتين، أي أقل بكثير من النسبة التي تبلغ 25 إلى 30 في المائة والتي يحظى بها الرئيس الصيني شي، أو حتى الرئيس التركي أردوغان، الذي يعتبر منافسًا إقليميًا آخر للمملكة العربية السعودية. ومن الناحية الإيجابية، فإن 12٪ فقط من السعوديين يفضلون أن "تحدّ الولايات المتحدة من تدخلها في المنطقة".
هذه النتائج مأخوذة من دراسة استقصائية تجارية أجرتها إحدى الشركات الإقليمية المرموقة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وتتألف من مقابلات شخصية أجراها مهنيون محليون وجهًا لوجه مع عينة وطنية تمثيلية من ألف مواطن سعودي. لقد تم ضمان عدم الكشف عن هوية المستطلعين، ولم يتم الإبلاغ عن أي تدخل أو ترهيب، على الرغم من رفض نسبة صغيرة من الأسماء العشوائية المشاركة. كما أخِذت العينات باستخدام تقنيات الاحتمالية الجغرافية القياسية، ما أسفر عن هامش خطأ إحصائي قدره 3 بالمائة تقريبًا.