- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاع رأي جديد في لبنان يشير إلى استمرار عدم الرضا الداخلي والرغبة في التعاون مع الشركاء الدوليين
عبر المشاركون اللبنانيون عن وجهات نظر إيجابية بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية وبطولة كأس العالم في قطر، لكنهم تقريبًا بدوا محبطين من كل شيء آخر.
أعاد استطلاعٌ للرأي العام اللبناني الذي أجرته إحدى الشركات التجارية الإقليمية بتكليفٍ من "معهد واشنطن" في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 التأكيد على وجود إحباطٍ شديدٍ لدى المواطنين اللبنانيين في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، كما كشف عن زيادة الاهتمام بالعلاقات الدولية مع تنامي التشاؤم إزاء المسائل الإقليمية.
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية تحشد بعض التأييد على الرغم من الآراء السائدة حول العلاقات الأخرى مع إسرائيل
في حين أبدى اللبنانيون سلبيةً كبيرة حيال مسائل الحوكمة المحلية، بدا أن المستجيبين اللبنانيين إيجابيين نسبيًا حيال قرارٍ واحد اتخذته حكومتهم على صعيد السياسة الخارجية، وهو توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. فقد رأى 61 في المئة من المستجيبين أن الاتفاقية ستخلف أثرًا "إيجابيًا إلى حدٍ ما" على المنطقة، وهي نسبة أعلى بكثير من تلك المسجلة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. ومع ذلك، لم تتبدّل الآراء بشكل كبير حول المسائل الأخرى المرتبطة بإسرائيل. فقد عارض 91 في المئة من اللبنانيين "إلى حدٍ ما" أو "بشدة" الطرح التالي: أن "الأشخاص الذين يرغبون في إقامة علاقات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح لهم بذلك." يتماشى هذا الرفض الموحد مع استطلاعات الرأي السابقة في لبنان والنتائج المماثلة في مصر، لكنه يختلف بشكل صارخ عن نسبة المشاركين السعوديين أو الإماراتيين التي لم تتعدى النصف والذين وافقوا على السماح بمثل هذه العلاقات غير الرسمية. هذا وسجل لبنان أعلى نسبةٍ من المستجيبين (85%) الذين اعتبروا أن "اتفاقيات إبراهيم" خلّفت أثرًا "سلبيًا إلى حدٍ ما" أو "سلبيًا جدًا" على المنطقة.
من ناحية أخرى، اتفق المستجيبين من البلدان الأربعة في تقييمهم لنتائج الانتخابات الوطنية الأخيرة في إسرائيل، حيث عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة مع ائتلاف أغلبية واضح. وأشار 92 في المئة من اللبنانيين في هذا الصدد إلى أن هذه النتيجة سوف تعود بأثرٍ "سلبي إلى حدٍ ما" أو "سلبي جدًا" على المنطقة.
اللبنانيون جميعًا مستاؤون من الظروف التي يشهدها وطنهم
عندما طُلب منهم تقييم كيفية تعامُل دولتهم مع مجموعةٍ متنوعة من المسائل السياسية والاقتصادية، أفادت الأغلبية الساحقة من المستجيبين اللبنانيين (97%) أن دولتهم "تبذل القليل جداً " لمعالجة ثلاثة مخاوف رئيسية، ألا وهي الحد من الفساد، حيث يتفق اللبنانيين على انه لا يتم بذل جهودًا تُذكر للحد من مستوى الفساد في الاقتصاد والقطاع العام، وتلبية احتياجات الشعب من أجل تأمين ظروف حياةٍ كريمة، وتخفيف عبء الضرائب والموجبات الأخرى بصورةٍ عادلة.
أفادت أغلبيةٌ كبيرة مماثلة أيضًا (91%) أن الحكومة اللبنانية لا تبذل جهودًا تُذكر للاهتمام بآراء المواطنين العاديين. وأجمع الشباب والمتقدمون في السن من سُنّة وشيعة ومسيحيين ودروز على هذه النظرة المتشائمة إلى وضع البلاد، في توافقٍ أكبر في الرأي بالمقارنة مع الاستطلاعات في الدول الأخرى. فمن بين البلدان الأربعة التي أُجري فيها استطلاع الرأي في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وحدها مصر سجّلت أغلبيةً كبيرة مشابهة من المستجيبين (76%) الذين يعتبرون أن حكومتهم لا تبذل جهودًا تُذكر.
وعلى الرغم من أن كل الدول في الشرق الأوسط عانت من مستوياتٍ متباينة من الانكماش الاقتصادي الذي يزداد تعقيدًا، تشير نتائج استطلاعات الرأي هذه إلى الوضع الملح جدًا في لبنان. فقد شهدت معدلات الفقر والبطالة ارتفاعًا كبيرًا وبلغت مستوياتٍ خطيرة في الأشهر الأخيرة، لتصبح شريحة كبيرة من الشعب عاجزةً عن تحمُّل تكلفة الحاجات الأساسية مثل التدفئة أو الرعاية الصحية. وقد تفاقم هذا الواقع في ظل غياب الاستجابة الحكومية، إذ تركت الانقسامات السياسية العميقة في البرلمان لبنان من دون رئيس منذ أكثر من شهر. وبالفعل، إن 91 في المئة من المستجيبين "عارضوا إلى حدٍ ما" على الأقل الطرح التالي: "من الجيد أننا لا نشهد احتجاجات جماهيرية ضد الحكومة، كما شهدت بعض البلدان الأخرى مؤخرًا"، بينما رفض ثلثي المستجيبين بشدة هذا الطرح.
الولايات المتحدة متخلّفة عن الصين وروسيا من حيث الأهمية المتصوّرة، إنما تحرز تقدمًا بالمقارنة مع الاستطلاعات السابقة
تماشيا مع استطلاعات الرأي السابقة، مالت نسبةٌ أكبر من المستجيبين إلى تصنيف أهمية العلاقات الجيدة مع روسيا والصين على أنها "مهمة إلى حدٍ ما" على الأقل بالمقارنة مع نسبة المستجيبين الذين قدّموا بالإجابة عينها حول العلاقات مع الولايات المتحدة.
هذا واحتلت الصين المرتبة الأولى، إذ اعتبر 72 في المئة من اللبنانيين المشمولين في الاستطلاع أن العلاقات الجيدة مع الصين "مهمة إلى حدٍ ما" على الأقل، في ارتفاعٍ من نسبة 68 في المئة المسجلة في آذار/مارس. وتجدر الإشارة إلى أن لبنان يعتمد بشكلٍ كبير على الصين للدعم الاقتصادي منذ توقيعه مذكرة تفاهم للانضمام إلى "مبادرة الحزام والطريق" الصينية عام 2017.
واحتلت روسيا المرتبة الثانية (58%)، في ارتفاعٍ بنسبة أربع نقاطٍ مئوية منذ آذار/مارس. الأهم من ذلك، صنف الشيعة اللبنانيون الذين شملهم الاستقصاء العلاقات مع روسيا بنسبة أعلى بكثير من نظرائهم من المواطنين، حيث قال 83٪ أنها "مهمة إلى حدٍ ما" على الأقل، وذلك مقارنة بـ 46٪ من السنة و49٪ من المسيحيين والدروز الذين قالوا الشيء نفسه. إلا أن هذا الرقم يتعارض مع غالبية المستجيبين (77%) الذين أفادوا أن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا خلّفت أثرًا "سلبيًا جدًا" أو "سلبيًا إلى حدٍ ما" على المنطقة.
وعلى الرغم من أن الأهمية المتصوّرة للعلاقات مع الولايات المتحدة لم توازِ أهمية العلاقات مع الصين وروسيا، الا أن عدد المستجيبين الذين اعتبروا أن هذه العلاقات "مهمة إلى حدٍ ما" يشير إلى حدوث تحول تدريجي على مدار العامين الماضيين. فعند إجراء الاستطلاع لأول مرة في عام 2017 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، رأى نحو 31٪ فقط من إجمالي المستجيبين أن هذه العلاقات مهمة إلى حد ما. في المقابل، يقول 41٪ من المستجيبين الان نفس الشيء، بما في ذلك حدوث تبدل ملحوظ في المواقف لدى بعض اللبنانيين الشيعة، حيث قفزت نسبة المستجيبين الذين يرون أن هذه العلاقة مهمة من 7٪ إلى 23٪ خلال العامين الماضيين. يشير هذا الاتجاه إلى أن الانهيار الاقتصادي يدفع بعض اللبنانيين تدريجيا إلى تغيير آرائهم بشأن قضية العلاقات مع الولايات المتحدة.
الآراء حول إيران متباينة بحسب الفئات السكانية
حافظت الأهمية المتصوّرة للعلاقات مع إيران على نسبةٍ منخفضة لا تتجاوز 44%، إلا أنه وكما هي العادة، تختلف الإجابات عن هذا السؤال بشكلٍ كبير بحسب العرق والدين. فقد أفاد 83 في المئة من المستجيبين الشيعة أن العلاقات مع إيران "مهمة إلى حدٍ ما" على الأقل، في حين أن نسبة المستجيبين اللبنانيين السنّة والمسيحيين والدروز الذي قدموا الإجابة نفسها تراوحت بين 20 و39 في المئة، وهي نسبة قليلة مقارنة بنسبة المستجيبين الذين أكدوا على أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة في الطوائف الثلاثة.
هذا واختلفت الآراء بطبيعة الحال حول الاحتجاجات المعادية للحكومة في إيران بحسب الخلفية الدينية أيضًا. ففي حين اعتبر 54 في المئة من إجمالي المستجيبين أن هذه الاحتجاجات "إيجابية إلى حدٍ ما" على الأقل، وهي نسبة أعلى بشكل عام من تلك المسجلة في مصر أو السعودية أو الإمارات، لم يشارك إلا 17 في المئة من المستجيبين اللبنانيين الشيعة هذا الرأي الإيجابي.
وبالمثل، ووافق 46 في المئة من المستجيبين "إلى حدٍ ما" أو "بشدة" على هذا الطرح الصريح بشكلٍ متعمد والوارد في هذا الاستطلاع للمرة الأولى: "بما أن إيران أوشكت اليوم على حيازة قنبلة نووية، فقد حان الوقت لتحذو دولة عربية حذوها أيضًا." ولو أن هذه النسبة لا تمثّل إلا النصف تقريبا، إلا أنها كانت الأعلى بين الدول الأربعة المشمولة في استطلاع تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
اللبنانيون يتفقون مع المنطقة حول بطولة كأس العالم ومؤتمر المناخ في القاهرة والأوبك
تماشت آراء اللبنانيين حول الأحداث الإقليمية الأخرى بمعظمها مع آراء السعوديين والإماراتيين والمصريين. فاعتبر 95 في المئة منهم أن بطولة كأس العالم في قطر تخلّف أثرًا "إيجابيًا إلى حدٍ ما" أو "إيجابيًا جدًا" على المنطقة، في أغلبيةٍ ساحقة توازي تلك المسجّلة في الدول الثلاثة الأخرى وتسلّط الضوء على الشعبية والدعم اللذين يحظى بهما هذا الحدث العالمي.
في المقابل، بدا أن اللبنانيين وغيرهم من المستجيبين منقسمون حول أثر " المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (COP27) المنعقد في القاهرة، حيث قال 45 في المئة منهم إن المؤتمر كان إيجابيًا، و43 في المئة إنه كان سلبيًا، و11 في المئة إنهم "ليسوا على اطلاعٍ كافٍ على المؤتمر لإبداء الرأي حياله"، وهي بمثابة مزيج من الآراء التي يتردد صداها في أماكن في المنطقة.
أما في ما يخص القرار الأخير الذي اتخذته أوبك بلس بخفض إنتاج النفط، أعرب المستجيبون اللبنانيون عن الآراء الأكثر سلبيةً المسجلة في استطلاعات الرأي الأربعة التي أُجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، ولو بنسبة بضع نقاطٍ مئوية فحسب. فاعتبر 82 في المئة أن القرار سيخلف أثرًا "سلبيًا إلى حدٍ ما" أو "سلبيًا جدًا"، على الأرجح لأن هذه الخطوة سوف ترفع أسعار استيراد لبنان لكميات النفط الضرورية في وقتٍ تعاني فيه البلاد أساسًا من أزمةٍ حادة في الطاقة.
ملاحظة منهجية
يستند هذا التحليل إلى نتائج استطلاع قائم على المقابلات الشخصية لعينة تمثيلية على المستوى الوطني من 1000 مواطن لبناني، أجرته شركة تجارية إقليمية مستقلة وذات خبرة عالية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022. أُخذت العينات وفقًا لإجراءات الاحتمالية الجغرافية القياسية، ما أسفر عن هامش خطأ إحصائي يبلغ حوالي 3 في المئة. وتم توفير ضوابط صارمة للجودة وضمانات للسرية طوال تلك الفترة. يمكن الاطلاع على نتائج الاستطلاع الكاملة على منصة بيانات الاستطلاعات التفاعلية لمعهد واشنطن. وتتوفر عند الطلب تفاصيل منهجية إضافية، بما في ذلك التصنيفات الديموغرافية وغيرها من المعلومات ذات الصلة.