- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
اتفاق السلام الإماراتي-الإسرائيلي: هل يعزز عملية السلام في المنطقة أو يعرقلها؟
لقي الإعلان عن اتفاق التطبيع ما بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، المسمى "اتفاق إبراهيم"، ثناء عدد من الحكومات باعتباره خطوة نحو تحقيق السلام. غير أنه لا يمكن للاتفاق أن يؤدي إلى مصالحة أكثر شمولًا إذا لم تتخذ الجهات الفاعلة المعنية الخطوات المناسبة. ولغاية الآن، يظهر ردّ فعل القيادة الفلسطينية أنها تخطو خطوة إلى الوراء في هذا المجال، مبتعدةً عن تحقيق التفاهم والتقدم في المنطقة. مع ذلك، ثمة فرص جديدة لإحراز تقدم باتجاه إقامة دولة فلسطينية في حال اغتنمتها الأطراف المعنية.
تاريخيا، لطالما اعتمد الفلسطينيون على الدعم العربي في نضالهم في سبيل الحرية والاستقلال. غير أن رد فعل القيادة الفلسطينية إزاء الاتفاق كان سلبيًا، مما يقوض علاقتها مع الإمارات ويمنعها من الاستفادة من فرصة التمتع بميزة مستقبلية في أية مفاوضات مع إسرائيل. شجب رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس الاتفاق علنًا، واصفًا إياه بأنه "خيانة للقدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية". وجاء في بيان صدر عن "السلطة الفلسطينية" أنه: "لا يحق لدولة الإمارات أو أية جهة أخرى التحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني. ولا تسمح القيادة لأي أحدٍ كان بالتدخل في الشأن الفلسطيني أو التقرير بالنيابة عنه في حقوقه المشروعة في وطنه".
ومنذ الإعلان عن الاتفاق طالبت القيادة الفلسطينية الإمارات بالتراجع فورًا عن هذا الاتفاق "المشين" مع إسرائيل وحذرت الدول العربية من الخضوع للضغوط الأمريكية وحذو حذو الإمارات – علمًا أن أي حكومة عربية أخرى لم تقدم على ذلك. ولم تشكل معارضة حركة "حماس" – حليفة إيران المسيطرة على قطاع غزة – المتوقعة للاتفاق مفاجأة كبيرة أنه يشجع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومواصلته حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه.
ولم تكتفِ "السلطة الفلسطينية" برد الفعل المتسرع هذا بل أعقبت تصريحاتها باستدعاء سفيرها في الإمارات احتجاجًا على الاتفاق ودعت إلى عقد اجتماع طارئ لـ "جامعة الدول العربية" للتعبير عن رفض الاتفاق.
غير أن "السلطة الفلسطينية" ربما توقعت هذه الخطوة. فلم يكن من المفاجئ أن تتفق إسرائيل والإمارات أخيرًا على تطبيع العلاقات بينهما – فالتعاون بين الدولتين في مختلف المجالات كان قائمًا منذ عدة سنوات. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2018، شارك رياضيون إسرائيليون في مسابقات الجودو في الإمارات، وعُزف النشيد الوطني الإسرائيلي ورُفع علم إسرائيل علنًا في البلاد للمرة الأولى. وفي أيار/مايو 2020، حطت طائرة تجارية إماراتية في مطار بن غوريون في تل أبيب محملةً بمساعدات طبية إلى "السلطة الفلسطينية" بغية الحدّ من تفشي وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) في الأراضي الفلسطينية، ولكن "السلطة الفلسطينية"، وبشكل لا يتصف بالحكمة، رفضت هذه المساعدات.
علاوةً على ذلك، كانت العلاقات بين الإمارات و"السلطة الفلسطينية" متزعزعة منذ بعض الوقت، ولا سيما خلال السنوات القليلة الماضية بسبب استضافتها القيادي في حركة "فتح" المعارض محمد دحلان – وهو مستشار خاص لولي العهد الإماراتي – ويعتبر خصمًا شخصيًا لرئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس ويسعى إلى انتزاع رئاسة السلطة منه.
ويمكن بسهولة فهم رد فعل "السلطة الفلسطينية" المبالغ فيه إزاء الاتفاق نظرًا إلى العداوة الشخصية بين هذين الخصمين. وعليه، حتى في أوساط السياسيين الفلسطينيين الأكثر اعتدالًا، لم يجرؤ أحد على التعبير عن تأييده للاتفاق علنًا. كذلك، لم يقتصر رفض الإشادة بالخطوة الإماراتية على القيادة الفلسطينية فحسب.
فعلى شبكات التواصل الاجتماعي، خشي الفلسطينيون من التعبير علنًا عن آرائهم المؤيدة للاتفاق خوفًا من وصفهم بأنهم "متعاونون" و"خونة" و"انهزاميون". ونتيجةً لذلك، ندّد به الفلسطينيون الذين يعارضون اتفاق التطبيع وحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فاستخدم بعضهم مصطلحات ازدرائية لوصف القيادة الإماراتية. وفي المسجد الأقصى في القدس، رُفعت صورة محمد بن زايد آل نهيان مشطوبة وداس المتظاهرون بالأقدام على العلم الإماراتي.
تجدر الملاحظة أن الاتفاق به شوائب. فالاتفاق – الذي أتى ثمرة مفاوضات مطولة برعاية الولايات المتحدة – يغطي مجالات مختلفة تشمل الطاقة والسياحة والاستثمار والأمن والاتصالات والرعاية الصحية والتكنولوجيا. وهو يدعو إلى تعزيز الروابط الدبلوماسية والاقتصادية بشكل كامل بما في ذلك الرحلات المباشرة وإقامة السفارات وتبادل السفراء. كما اتفقت الدولتان على التعاون لمكافحة وباء فيروس كورونا.
غير أن الاتفاق لم يشمل مجالي التعليم والتثقيف في مجال السلام. ورغم أن حكومات الخليج العربي لا تتشارك حدودًا مع إسرائيل، ولم تتواجه معها عسكريًا قط، لا يزال التطبيع الكامل للعلاقات الشعبية غير الحكومية بين الدول يشكّل تحديًا رئيسيًا. فالكثير من العرب لديهم آراء متجذرة معادية للسامية ولإسرائيل وللصهيونية، كما أن إنكار المحرقة لا يزال شائعًا بين الجماهير في الدول العربية.
لكن رد الفعل الفلسطيني لا يواكب على ما يبدو الوضع السياسي الحالي. ومن غير الواضح تمامًا لما يُعتبر اتفاق المصالحة الإماراتي-الإسرائيلي خيانةً للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية. فاتفاق التطبيع مع إسرائيل ليس إذنًا للإمارات للتحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني أو التدخل بالشؤون الفلسطينية أو التصرف بالنيابة عن الفلسطينيين في ما يخص حقوقهم المشروعة في وطنهم. هذا وتُعتبر دعوة "السلطة الفلسطينية" إلى اجتماع لـ "جامعة الدول العربية" بلا أساس؛ حيث أن تطبيع العلاقات بين الدولتين يبقى حقًا سياديًا خاصًا بالدولتين، وهو شأن لا يحق لـ "جامعة الدول العربية" وغيرها من المنظمات الإسلامية التدخل فيه.
فضلًا عن ذلك، إن حجج مسؤولي "السلطة الفلسطينية" بأن الاتفاق ينتهك قرارات القمم العربية ومبادرة السلام العربية لعام 2002 التي نصت على أن الدول العربية لن تطبع العلاقات مع إسرائيل إلا "ضمن سياق سلام شامل وانسحاب إسرائيلي كامل من كافة الأراضي المحتلة منذ العام 1967"، لم تلق آذانًا صاغية. وتختلف هذه المسألة برمتها اختلافًا تامًا عن الخطوة الجريئة التي اتخذها الرئيس المصري أنور السادات بإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل ليصبح بالتالي منبوذًا في العالم العربي.
وبالنسبة للكثيرين من المراقبين والمسؤولين حول العالم، اعتُبر اتفاق التطبيع خطوة جريئة باتجاه تعزيز المصالحة والتعايش المشترك، وحسن صورة الإمارات كمنارة للتسامح والاعتدال. وكانت الإمارات تخطط لبناء "بيت العائلة الإبراهيمية" في أبو ظبي الذي سيضم مسجدًا وكنسية وكنيس. كما عبّرت الإمارات عن أملها بأن تسهل خطواتها هذه إبرام اتفاق سلام يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وبشكل متزايد، سيأثر الاتفاق على مسألة المفاوضات مع إسرائيل، كما أنه منح هذه الأخيرة ذريعة لعدم المضي قدمًا بخططها المثيرة للجدل الرامية إلى ضمّ أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة. وعلى القدر نفسه من الأهمية، يمثل هذا الاتفاق مقاربة جديدة للعلاقات العربية-الإسرائيلية. فعندما قاد السعوديون مبادرة السلام العربية لعام 2002 واقترحوا تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل حل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لم تنجح هذه المساعي قط في حض إسرائيل على التعاون. وفي حين دعت مبادرة السلام العربية الفاشلة إلى التطبيع الجماعي مع إسرائيل بعد اتفاق السلام، تقدم الصفقة الحالية نموذجًا مختلفًا للتطبيع الفردي في خضم الصراع بهدف تمهيد الطريق للسلام.
وعمومًا، يوفر الاتفاق إمكانية لرسم "خارطة طريق" من نوع جديد لحل الصراع بالتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل يتبعه تطبيع بين الشعوب، لكنه لن يؤثر إيجابًا في آفاق مفاوضات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية إلا إذا أتحنا له المجال. وصحيح أنه جرى التوصل إلى هذا الاتفاق دون أن يكون له ارتباط مباشر بإحراز تقدم على صعيد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ومن دون التشاور مع الفلسطينيين، إلا أن سياسات القيادة الفلسطينية ساهمت في منعها من الجلوس إلى طاولة الحوار مع الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل. كما أدى رد فعل "السلطة الفلسطينية" المتسرع إلى إبعاد الفلسطينيين أكثر فأكثر عن الحلفاء النافذين في المنطقة على غرار الدول الخليجية والسعودية.
ولم تعد المقاربة التقليدية التي تنتهجها "السلطة الفلسطينية" – أي الاعتماد على عدم استعداد الحكومات العربية للتعاون مع إسرائيل ما لم تُقام دولة فلسطينية – عاملًا مؤثرًا حاليًا. فقد أثبتت الإمارات أن التطبيع لن يكون بالضرورة مشروطًا باتخاذ إسرائيل خطوات كبيرة لجهة تسهيل إقامة دولة فلسطينية. وإذا ما أملت "السلطة الفلسطينية" في أن يعود هذا الاتفاق بالفائدة على المشروع الوطني الفلسطيني، عليها القبول بالوقائع الإقليمية المحيطة بها بدلًا من رفضها.