- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
اتفاقية أوسلو في الذكرى الثلاثين على توقيعها من منظور شخصي
Part of a series: Oslo at 30
or see Part 1: Oslo at 30: Personal Perspectives from Washington Institute Scholars A Compendium
تشوب اتفاقية أوسلو عيوب كبيرة، لكن لا بد من الحفاظ عليها الآن. ربما يمكن تصحيح بعض الأخطاء مع مرور الوقت حرصًا على ألا تبقى الاتفاقية التاريخية متجهة إلى طريق مسدود، بل تمهد الطريق نحو تسوية مستقرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
تشوب اتفاقية أوسلو عيوب كبيرة، لكن لا بد من الحفاظ عليها الآن. ربما يمكن تصحيح بعض الأخطاء مع مرور الوقت حرصًا على ألا تبقى الاتفاقية التاريخية متجهة إلى طريق مسدود، بل تمهد الطريق نحو تسوية مستقرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
كانت المعضلة الرئيسية التي واجهتها إسرائيل في سعيها لتحقيق التعايش مع الفلسطينيين ما إذا كانت ستسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع "المقاومة"، ثم "منظمة التحرير الفلسطينية" ولكن "حماس" اليوم، أو التواصل بدلًا من ذلك مع السكان المحليين الذين اعتادوا التعامل مع إسرائيل خلال 56 عامًا الماضية. لطالما رفض جميع القادة الإسرائيليين حتى الآن الرهان على الفلسطينيين الذين يعيشون في جوارنا. وأود الإفشاء بكل صراحة عما يلي: لقد قضيت مسيرتي المهنية بأكملها في المنطقة المحايدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكمؤيد لرؤية الدولتين، لطالما اعتبرت أن الطريق الذي لم يُسلك يوفر فرصًا أفضل للنجاح.
كمساعد أصغر شاب في مكتب وزير الدفاع الجنرال موشيه ديان في أعقاب حرب الأيام الستة، شهدت على مبادرة لا تزال غير معلنة وقصيرة الأمد اتخذتها حفنة من عملاء الموساد لاستكشاف آفاق دعم إقامة دولة فلسطينية ترعاها إسرائيل. وقد أوحت المحادثات العديدة مع القادة المحليين، إلى جانب بعض رجال الأعمال والأكاديميين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بأن إسرائيل يمكن أن تحاول بحذر المضي قدمًا في هذا الاتجاه، على الرغم من التزام جميع الدول العربية بقمة الخرطوم الرافضة لمفاوضات السلام. كان عدد قليل من الناشطين الفلسطينيين مؤيدًا بجهارة لهذه الفكرة، على الرغم من أن ياسر عرفات، الذي تسلل إلى الضفة الغربية تحت أسماء مستعارة مختلفة، كان يسعى جاهدًا لبناء حركة سرية مسلحة بقيادة "فتح" لشن "حرب تحرير شعبية".
لكن بحلول نيسان/إبريل 1968، قرر ديان التخلي عن هذه التجربة. فهو لم يكن يثق في قدرة القيادة المحلية على مواجهة كل من الفصائل الفلسطينية المتطرفة ومعارضة الرئيس ناصر في مصر. وبالتالي، فإن الفرصة الأولى لعقد صفقة شراكة مع جيراننا لم يتم اختبارها بعد. وتلا ذلك تزايد متسارع في عدد المستوطنات اليهودية وموجات من الهجمات الإرهابية.
وأتيحت الفرصة الثانية في أعقاب معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر (1979). فقد أجرت وفود وزارية من الحكومتين محادثات بوساطة أمريكية ناشطة حتى آب/أغسطس 1982 بهدف إقامة "الحكم الذاتي" للفلسطينيين. وأبقت القاهرة "منظمة التحرير الفلسطينية" على اطلاع من دون جلبة، على الرغم من أن عرفات رفض اتفاقات كامب ديفيد (1978) التي أوضحت هذا المفهوم.
وبعد تعليق هذه الجهود، لم تتم أي محاولة لتحليل هذه العملية على أكمل وجه ولم تُنشر البروتوكولات مع مشاريع المقترحات مطلقًا. على الرغم من ذلك، قمت بتغطية هذه المفاوضات عن كثب لصالح الشبكة التلفزيونية التي أعمل لديها، بحيث كنت أتنقل بين الإسكندرية وهرتسليا، وأجريت عددًا من المناقشات غير الرسمية مع الرئيس السادات وفريقه وكذلك مع المشاركين الإسرائيليين. كنت مقتنعًا آنذاك، والآن، بأن التوصل إلى اتفاق يتجاوز في الأساس "منظمة التحرير الفلسطينية" كان من الممكن أن يكون بمتناول اليد، ما يسمح للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بتولي إدارة هذه الأراضي تدريجيًا. لكن رئيس الوزراء بيغن، الذي طرح هذا المفهوم، لم يكن مهتمًا فعليًا بتنفيذ هذا الحل ولم يمارس المصريون ضغوطًا فعلية للمضي قدمًا. فقد قال لي السادات قبل اغتياله في تشرين الأول/أكتوبر 1981، على انفراد: "لقد اختارت إسرائيل الفلسطينيين في الخارج على حساب أولئك الذين هم في جوارها". وقال لي كذلك الدكتور بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة: "أنت تصوت لعرفات!". وكانت تلك نهاية خيار "الحكم الذاتي".
وفر اندلاع الانتفاضة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 1987 مسارًا مختلفًا. ففي غضون أيام بعد اندلاع انتفاضة حاشدة أخذت "منظمة التحرير الفلسطينية" على حين غرة، شكّل الفلسطينيون "قيادة موحدة" تضم جميع الفصائل السياسية لتوجيه الإضرابات والتظاهرات و"أيام الغضب" عبر المنشورات المتداولة. وحافظ أعضاء الهيئات المختلفة التابعة لـ "القيادة الموحدة"، الذين كانت تعتقلهم قوات الأمن الإسرائيلية باستمرار، على بعض قنوات الاتصال مع مقر "منظمة التحرير الفلسطينية" في تونس البعيدة، لكنهم كانوا يديرون العملية بمفردهم.
كصحفي كان يقضي معظم وقته في الميدان خلال تأليفي أول كتاب عن "فتح"، كنت أتلقى دعوات متكررة من قبل رئيس الوزراء رابين للوقوف على سلسلة الأحداث السريعة التي كانت تشهدها تلك الفترة. وكانت نصيحتي لرجل الدولة المحبوب هي نفسها دائمًا: لنتحدث إلى "القيادة الموحدة"، سواء أولئك الذين هم خلف القضبان أو الأحرار. ودعهم يتولون العلاقات مع عرفات ويتحققوا ما إذا كان من الممكن وضع الخطوط العريضة لتسوية جديدة.
بحلول الأول من آب/أغسطس 1989، نشر معهد واشنطن ورقتي بعنوان "نحو فك الارتباط الإسرائيلي الفلسطيني"، التي تضمنت التوصيات التي كنت أقترحها على رابين. لكن رابين بقي مشككًا في حرية المناورة لدى القيادة المحلية. ولم يكن ليتبنى الحل الذي اقترحته في تلك الفترة: "ستتضمن المبادرة فك الارتباط الإداري لإسرائيل عن المناطق بعد سلسلة من الاتفاقيات المحدودة مع الهيئات الفلسطينية المحلية. ومن شأن فك الارتباط المؤسسي أن يُنهي الوضع الذي تتعايش فيه الإدارة المدنية الإسرائيلية المستضعفة وإدارة الظل الخاصة بـ "القيادة الموحدة" التابعة لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" في خضم المواجهة. وإذا لم تحصل الانتخابات، ستمنح هذه العملية سيطرة على جوانب من الحكم الذاتي للفلسطينيين الذين سيفوزون بالانتخابات في حال أجريت. ستُزال بعض أعباء الاحتلال، ويؤمل أن تتراجع حدة الاحتكاك الإسرائيلي الفلسطيني، وستُفتح قناة جديدة للمفاوضات".
كان عرفات بطبيعة الحال عازمًا على منع أي تقدم في هذا المسار. بعد أن نشرت صحيفة "هآرتس" ذات التوجه اليساري مقابلة مطولة معي حول هذه الأفكار، وجه لي رسائل تأنيب وأمر مبعوثيه في القاهرة بالجلوس معي وإبداء اعتراضاته. وكانت الرسالة صريحة: لا اتفاق بدون "منظمة التحرير الفلسطينية"! لقد عُقدت تلك اللقاءات والعديد من اللقاءات اللاحقة مع عرفات ومساعديه سرًا ولم يتم الإبلاغ عنها مطلقًا، بحيث كانت شبكتي التلفزيونية في تلك الأيام تمنع أي اتصال مع المسؤولين التابعين لـ"منظمة التحرير الفلسطينية".
بحلول آب/أغسطس 1993، أخبرني مصدر جد موثوق أن رابين كان سيقبل "صفقة غزة-أريحا" مع "منظمة التحرير الفلسطينية". لم أكن أعتقد أن رابين سيسمح لعرفات بدخول الأراضي. سارعنا أنا وصديقي المقرب، الراحل زئيف شيف، لرؤية رئيس الوزراء، معتبرين، كما كنت قد كتبت للتو في مجلة "جيروساليم ريبورت": "منظمة التحرير الفلسطينية؟ لا الآن ولا أبدًا". لم ينفِ رابين الصفقة ولم يؤكدها، محولًا المحادثة إلى قضايا ساخنة أخرى. وكانت النتيجة أنني ذهبت، كما كنت قد خططت، إلى واشنطن العاصمة لتغطية الجولة التالية من المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية التي أطلقها مؤتمر مدريد للسلام. وللمرة الأولى، وافق رابين على انضمام فيصل الحسيني، أبرز زعيم في القدس الشرقية. ولم أكن أعلم أنه على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، كانت اتفاقية أوسلو على وشك الحدوث.
عندما انتشر خبر الاتفاق، تم الكشف عن القليل من التفاصيل. لذا، ومن شدة دهشتي، بدأت بالاتصال بمعارفي في "منظمة التحرير الفلسطينية" في تونس. وقد أخبرني محمود عباس (أبو مازن) على الفور أنه سيتم نشر ألوية "فتح" السبعة و"جيش التحرير الفلسطيني" في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال المرحلة الأولى. بعبارة أخرى، دُعي عرفات منذ البداية إلى فرض سيطرة كاملة وحصرية على السكان الفلسطينيين المحليين. وقد مُنح القوات المسلحة، وتمويلًا سخيًا من المانحين الدوليين، وتذكرة مجانية ليفرض بذلك ثقافة "منظمة التحرير الفلسطينية" المتمثلة بحملات الإرهاب والفساد والتفاني في "تحرير فلسطين". وكان الأصدقاء القدامى من الأراضي الفلسطينية يتصلون بي على أمل أن أخبرهم أن واقع الأمر لم يكن كذلك، إلا أنه كان!
سُمح لعرفات وحاشيته بدخول إسرائيل في تموز/يوليو 1994. عندما وصل موكبه من مصر إلى معبر رفح، سرعان ما اكتشف الإسرائيليون أنه كان يحاول تهريب ثلاثة إرهابيين خطرين كان رابين قد أمره بعدم إحضارهم حتى إجراء المزيد من المشاورات. في الواقع، كان عرفات يجلس على أحدهم، وهو جهاد العمارين، في المقعد الخلفي لسيارته المرسيدس السوداء. وكان الرجل الثاني مختبئًا في صندوق السيارة والثالث في السيارة التالية. زعم عرفات أن الأمر كان "سوء تفاهم". وكانت هذه اللحظة بمثابة الانطلاقة الفعلية لتنفيذ اتفاقية أوسلو.
في 13 أيلول/سبتمبر، قبل حفل التوقيع على الاتفاقية في البيت الأبيض، أجريت مقابلة مباشرة حصرية مع عرفات في الفندق الذي كان يقيم فيه. وبعد سنوات من مراقبته، والكشف عن اسمه الحقيقي وسيرته الذاتية، بدا حذرًا للغاية لدرجة أنه لم يحتفل بالسلام، وغامضًا للغاية بشأن رؤيته بحيث تعذر علي الوثوق بنواياه. في ذلك الوقت، كنت أطل على القناة التلفزيونية الوحيدة في إسرائيل، لتغطية حفل التوقيع والخطابات في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. تعرضت لانتقادات شديدة في اليوم التالي من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن قبل العائلة والأصدقاء على حد سواء لكوني "لاذعًا" في تغطيتي. وبعد ساعة، على إثر مقابلة أجريتها في المكتب البيضاوي، سألني الرئيس كلينتون عن سبب شكوكي القوية. وكانت إجابتي أنني لم أسمع من عرفات ما سمعته قبل سنوات من السادات: "لا للمزيد من الحرب، لا للمزيد من سفك الدماء".
كان الأمر واضحًا بالنسبة لي آنذاك، ولا يزال كذلك: لقد وقع عرفات على اتفاقية أوسلو ليحصل على موطئ قدم في الأراضي. فهو لم يفكر قط في التوصل إلى تسوية طويلة الأمد، كالتنازل عن حق العودة أو التخلي عن "الكفاح المسلح". بالنسبة له، كانت الاتفاقية مجرد هدنة لفترة محدودة. وبحلول عام 1995، كان قد أشار إلى "حماس"، وفقًا لكبار قادتها، أنه بإمكانهم استئناف التفجيرات الانتحارية. وحرص على ألا تحاول أجهزته الأمنية قمع الهجمات الإرهابية، بل كانت بالأحرى تعتقل المشتبه بهم وسرعان ما تطلق سراحهم من خلال نموذج "الباب الدوار". وأصبحت السلطة الوطنية الفلسطينية التي أنشئت بموجب شروط اتفاقية أوسلو خاضعة بالكامل لسيطرة العائدين من "منظمة التحرير الفلسطينية". ولم يتم ترشيح أي من أعضاء "القيادة الموحدة" لمنصب رفيع. في الواقع، تقاعد جميعهم تقريبًا من السياسة وغادر عدد كبير منهم البلاد للعيش في الخارج.
بحلول ذلك الصيف، توصل رابين إلى خلاصة مفادها أن عرفات كان يغش. فقد أخبر الدكتور هنري كيسنجر، كما كشف لي وزير الخارجية السابق الأسطوري لاحقًا في نيويورك، أنه ينوي اختيار "إعادة تقييم" مسار أوسلو. وأعرب رابين عن خيبة أمله من حفنة من المستشارين الأمنيين المقربين، الذين أسرّ لهم بأنه سيقدم لعرفات "إنذارًا لإبداء الليونة أو التعنت: إما كبح الهجمات الإرهابية إما قيام إسرائيل بمراجعة التزامها بأوسلو". ونصحوه بالانتظار إلى ما بعد الانتخابات العامة الفلسطينية الأولى في 25 كانون الثاني/يناير 1996. وكان من المقرر عقد لقاء بين الزعيمين إلا أنه لم يُعقد. ففي 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، اغتيل رابين في تل أبيب. وكان خليفته شمعون بيريز حريصًا على الإبقاء على مسار أوسلو كما هو.
ومنذ ذلك الحين، باءت كافة الجهود الرامية إلى إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، والحد من حجم العنف، الذي بلغ ذروته خلال الانتفاضة الثانية المستوحاة من عرفات (2000-2003)، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى أداة فعالة للمشاركة الدبلوماسية، وتطوير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، بالفشل. فقد خسرت السلطة الفلسطينية قطاع غزة لصالح "حماس" في عام 2006، وهي الآن تفقد سيطرتها على عدة أجزاء من الضفة الغربية. وتراجعت شعبيتها إلى حد كبير لدى الفلسطينيين وباتت تعمل بشكل أساسي كنظام محسوبية للتوظيف في القطاع العام الآخذ في التوسع.
في الوقت الحالي، يتطلب الحفاظ على السلطة الفلسطينية كشريك محتمل للسلام مع إسرائيل في المستقبل إصلاحًا طموحًا، مع استبدال الحرس القديم في "منظمة التحرير الفلسطينية"، الذي لا يزال يحتفظ بالسيطرة، من خلال ممثلين فعليين للسكان المحليين. يمكن لمجتمع المانحين الدوليين ودول الخليج، بدعم من إسرائيلي في إطار ائتلاف مختلف، ممارسة نفوذهم لإيصال شخصيات جديدة إلى مناصب قيادية يمكنها بدورها إعداد الضفة الغربية لأي نوع من كيان الدولة ذات السيادة المحدودة التي يؤمل أن ينبثق في الأساس من حوار جديد محتمل مع إسرائيل. وبطبيعة الحال، سيكون هذا المسعى عبثيًا طالما أن اليمينيين المتطرفين الذين يسعون إلى الضم يشكلون جزءًا مهمًا من الحكومة الإسرائيلية. لا ينبغي تجاهل اتفاقية أوسلو، بل تصحيحها بحيث تشكل ركيزة منصة سياسية متجددة. ومن الضروري إجراء إصلاح شامل للأجهزة الأمنية، وكذلك الاستثمار في البنية التحتية. ينبغي مراجعة التقسيم إلى المناطق (أ) و(ب) و(ج)، ولا بد من تحديث بروتوكول باريس بشأن الجوانب الاقتصادية.
كما أدرك رابين أن "منظمة التحرير الفلسطينية" لم تكن النظير الأفضل، كذلك ينبغي بنا أن نفعل الآن. فقد تراجعت "منظمة التحرير الفلسطينية" منذ توقيع اتفاقية أوسلو وفقدت قوتها. وهناك قوى قوية، على الرغم من صمتها في الغالب، داخل المجتمع الفلسطيني، حريصة على خدمة أمتها، وقد خاب ظنها في "الكفاح المسلح" وهي تعتبر التعاون مع إسرائيل المسار المفضل لديها. ومن الأفضل أن نمنحها فرصة ونمد لها يد العون.