- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
أثر الانتخابات المحلية على المناطق المتنازع عليها في العراق
من المتوقع أن تؤثر هذه الانتخابات بشكل مباشر على مستقبل المناطق المتنازع عليها، لذلك، يجب أن تحرص الأحزاب السياسية على تجنب تعميق الانقسامات الطائفية بينها، سواء في هذه الحالة أو في الانتخابات المقبلة.
من المقرر إجراء انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة في العراق في 18 ديسمبر/كانون الأول. ورغم المعارضة الأولية من جانب بعض الأحزاب السياسية، لكن مفوضية الانتخابات بدعم من الحكومة الفيدرالية شددت على أن العملية الانتخابية ستمضي قدماً و ستجري في موعدها المقرر. ومن شأن هذه الانتخابات، التي ستجرى في جميع المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، أن تساهم في تغيير ميزان القوى السياسية في البلاد. فوفقا للمادة 140 من الدستور العراقي، تعتبر كركوك وأجزاء من ثلاثة محافظات الشمالية الأخرى "مناطق متنازع عليها"، وسيقرر الاستفتاء في نهاية المطاف ما إذا كانت ستصبح جزءًا من كردستان العراق أو ستظل تحت سيطرة الحكومة المركزية. وتجدر الإشارة الى المناطق المتنازع عليها ليست مناطق هامشية حيث تبلغ مساحتها نحو 40 ألف كيلومتر مربع ويقطنها ما يزيد عن 3 ملايين نسمة.
مصدر: The New Humanitarian
ومن الناحية العملية، فإن الوضع النهائي لهذه "المناطق المتنازع عليها" - وهي المناطق التي تعتبرها كل من الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان جزء من أراضيها، سيقرره الناخبين بالنظر إلى خيارات الأحزاب الطائفية، مع ما يترتب على ذلك من آثار لوضعهم المستقبلي كمناطق تقع في المقام الأول ضمن نطاق بغداد أو أربيل.
ونظراً لارتفاع المخاطر، فإن مسألة الإدارة الانتخابية الشرعية للمناطق المتنازع عليها سيكون محور للصراع السياسي بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية بشأن إدارة هذه المناطق بالشرعية الانتخابية. ومع ذلك، إذا تم احترام إرادة الشعب ووضعت القوى السياسية المتنافسة خلافاتها جانباً، قد تفتح الانتخابات فصلاً جديداً من الرخاء والتعاون في المناطق المتنازع عليها.
انتخابات مجالس المحافظات في العراق… الأولى منذ 10 سنوات
قد يبدو من الغريب أن نتائج الانتخابات المحلية يمكن أن يتردد صداها وأثرها في النظام السياسي العراقي الأكبر، إلا أنها تشكل خطوة مهمة نحو إرساء قواعد اللامركزية الإدارية وتطوير المحافظات. علاوة على ذلك، يمنح الدستور العراقي مجالس المحافظات صلاحيات إدارية ومالية واسعة، فضلا عن صلاحيات اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين وإقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المخصصة للمحافظة.
وعلى الرغم من أن انتخابات مجالس المحافظات كان من المقرر لها أن تعقد بشكل دوري، إلا انه بعد عام 2003 أجريت انتخابات مجالس المحافظات ثلاث مرات فقط في الأعوام 2005 و 2009 و 2013, وكان مقررا إجراؤها في عام 2018 مع الانتخابات البرلمانية، لكن أرجئت أكثر من مرة، بحسب قانون مجالس المحافظات العراقي تتكون من 285 مقعدا، وجرى تخصيص 75 منها ضمن كوتا للنساء. كما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إن هناك أكثر من 6 آلاف مرشح من خلال 134 قائمة انتخابية منها 39 تحالفاً، و29 حزباً و 66 مرشحاً فردياً يشاركون في تلك الانتخابات.
وبحسب المفوضية، هناك أكثر من 23 مليون مواطن ممن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، لكن فقط 60% منهم تلقى البطاقة البيومترية، وقانونياً يحق لهم الإدلاء بأصواتهم. وتشير تلك الإحصائيات إلى احتمال تراجع المشاركة في الانتخابات ربما بسبب غياب التيار الصدري، وانسحاب الأحزاب المستقلة مؤخراً، وخيبة الأمل العامة من العملية السياسية.
وكما هو الحال في الانتخابات العراقية، فإن الساحة السياسية تبدو متنافرة ومربكة، حيث يشارك في الانتخابات المقبلة 10 قوائم يتنافسون على الفوز بأكبر عدد من المقاعد لمجالس المحافظات، واكبر الجبهات السياسية الشيعية تتنافس على كراسي المحافظات هي: تحالف (ائتلاف دولة القانون) برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، تحالف (نبني) برئاسة زعيم منظمة بدر هادي العامري، تحالف (قوى الدولة) الذي يضم تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، وتحالف "النصر" برئاسة حيدر العبادي . حيث تتنافس القوى الشيعية في جميع المحافظات الخمس عشرة، ومن المتوقع أن تفوز بأغلبية المقاعد في العاصمة بغداد وثماني محافظات أخرى بالمناطق الجنوبية والوسطى.
ستشارك القوى السنية في الانتخابات بأربعة قوائم وهي: (تحالف تقدم) برئاسة الرئيس السابق لمجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، تحالف (السيادة) برئاسة رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، تحالف (الحسم) برئاسة وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي وتحالف (العزم) برئاسة النائب مثنى السامرائي. وتشارك القوى السنية بشكل فعال في الانتخابات في محافظات بغداد والأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك ، ومن المتوقع أن تفوز بأغلبية المقاعد في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى عدا كركوك.
أما القوى الكوردية ستشارك بثلاثة قوائم وهي: الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني و حراك الجيل الجديد برئاسة شاسوار عبد الواحد. وتشارك القوى الكردية في محافظات كركوك (15كرسي) و صلاح الدين (15كرسي) وديالى (15كرسي) ونينوى (29 كرسي). وتحظى كركوك وضواحيها بأهمية خاصة بالنسبة للعلاقات بين حكومة إقليم كردستان وبغداد، وتعتبر جميع الأحزاب الكردية محافظة كركوك بأكملها جزءًا من كردستان. ومن المتوقع أن تفوز القوى الكردية بأغلبية المقاعد في كركوك وتكون القوة الحاسمة في الحكم المحلي بمحافظة نينوى، مما يزيد من احتمال سيطرة قوات البيشمركة، وهي قوات عسكرية تابعة لإقليم كردستان. ومن المتوقع أن تؤدي نتائج الانتخابات المقبلة إلى تعكير صفو العلاقة المتوترة أساسا بين حكومة إقليم كردستان وبغداد.
سياسة انتخابية مدفوعة بالطائفية وليس بالسياسة
إن الوضع الرسمي للمناطق المتنازع عليها - بما في ذلك كركوك وتلعفر والحمدانية وسنجار وزمار ومخمور وخانقين بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية – اصبح محل نزاع حاد. ويرجع ذلك إلى تنوع المجموعات العرقية والدينية المقيمة في تلك المناطق: عرب، وأكراد، وتركمان، وشيعة، وسنة، ومسيحيين.
شكلت الانتخابات في هذه المناطق دائماً فرصة للأحزاب والائتلافات السياسية لرفع مستوى الخطاب الطائفي بكل أشكاله وألوانه. كما أن الحملات الانتخابية السياسية في هذه المناطق لا يحكمها برنامج سياسي متماسك أو أيديولوجية حزبية، بل تعكس تجمعاً لمجموعات طائفية أو عرقية تهدف إلى إيصال الناخبين إلى صناديق الاقتراع.
وفي حين تشير العملية الانتخابية، والعدد الكبير من المرشحين إلى وجود مجتمع مدني مزدهر، إلا أن معظم الناخبين في الواقع يصوتون للمرشحين والقوائم على أساس التوجه الوطني أو المذهبي وليس على أساس المؤهلات أو البرنامج السياسي.
وفي حين تستعد الأحزاب السياسية بحماس لخوض انتخابات ديسمبر/كانون الأول، فإن المكونات الرئيسية في هذه المناطق، الأكراد والعرب والتركمان، لم تكن متحمسة خلال مرحلة تسجيل الناخبين الأولية. ورغم الأهمية الكبيرة للانتخابات، إلا أن نسبة المشاركة قد تنخفض بشكل كبير نتيجة إحباط الناخبين من المشاكل السياسية والأمنية والطائفية التي استمرت لعقدين من الزمن.
تعانى المناطق المتنازع عليها من مشكلة أخرى وهي أن ممثلي المجتمع المحلي لا يستطيعون التعاون والعمل معًا لصالح سكان مناطقهم. كما تعاني الحكومات المحلية من الافتقار لسياسة متماسكة، حيث يهتم كل مسؤول أولاً وقبل كل شيء بتقديم الخدمات للناخبين المنتمين لطائفته العرقية. وقد أدى نظام المحسوبية في هذه المناطق إلى تدهور الوضع الأمني؛ فوجود أكثر من قوة أمنية مهيمنة، بأسماء وانتماءات وأجندات متنوعة، يشكل عائقًا كبيرًا أمام ضمان سلامة المدنيين.
في أعقاب فشل إقليم كردستان في الحصول على الاستقلال في استفتاء سبتمبر/أيلول، وانسحاب قوات البشمركة من كركوك ومناطق أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وقيام القوات الفيدرالية العراقية ببسط سيطرتها، حدث فراغ أمني نتيجة المشاركة المحدودة للقوات الفيدرالية على الأرض. لذا شكلت الدعاية الطائفية والتوترات السياسية، تهديدا للوضع الأمني في تلك المناطق، خاصة وأن تنظيم "داعش" لا يزال قادراً على تنفيذ هجماته هناك.
اعتبارات ومقاربات لنتائج الانتخابات
من المتوقع أن تؤثر هذه الانتخابات بشكل مباشر على مستقبل المناطق المتنازع عليها، لذلك، يجب أن تحرص الأحزاب السياسية على تجنب تعميق الانقسامات الطائفية بينها، سواء في هذه الحالة أو في الانتخابات المقبلة. وكخطوة أولى، ينبغي حظر الخطابات الطائفية الصريحة التي تؤدى إلى تأجيج التوترات. من المتوقع أيضا أن يستمر الخلاف حول هوية هذه المناطق بين المكونات الرئيسية في مرحلة ما بعد الانتخابات. وبضرف النظر عن نتيجة الانتخابات، يجب احترام جميع المكونات والطوائف والأقليات العرقية التي تعيش حاليا في هذه المناطق.
علاوة على ذلك، في حين قد يتأخر تشكيل الحكومات المحلية في المحافظات لعدة أشهر بسبب الخلافات السياسية حول توزيع المناصب والاستحقاقات، فمن المهم أن تبدأ المجموعات الرئيسية في هذه المحافظات في الدخول في مفاوضات جادة للتوصل إلى اتفاق بشأن التفاصيل في أقرب وقت بعد انتهاء الانتخابات. ويندرج هذا بشكل خاص على محافظة كركوك، حيث من المؤكد أن الأحزاب المحلية والجهات الفاعلة الإقليمية ستحاول التدخل في الشؤون الداخلية للمحافظة.
من الضرورة بمكان معالجة التوترات الطائفية؛ فعلى الرغم من وجود اقتتال داخلي كبير داخل الأحزاب الكردية، إلا أنها يجب تعمل على تتجاوز الصراع الداخلي وتشكل جبهة موحدة استعدادا للانتخابات المقبلة وما بعدها. إن إعادة تأسيس وجود موحد للأكراد في المناطق المتنازع عليها سيشكل نقاط قوة وأمن لإقليم كوردستان. لذلك من المهم أن تعمل الأحزاب الكردية معاً على حماية الصوت الكردي وتشكيل تحالفات خدمية مع المكونات الأخرى لخدمة أهالي هذه المناطق. لذلك، إذا لم يتحد الأكراد ولم يقوموا بالتحضيرات اللازمة، فليس هناك ما يضمن فوزهم بمنصب المحافظ كركوك مرة أخرى.
الفرص والتحديات بعد الانتخابات في المناطق المتنازع عليها
تبشر الانتخابات نفسها بأن ستكون عملية شاقة ومتوترة بغض النظر عن النتيجة، لكن مجالس المحافظات ستواجه مجموعة جديدة من التحديات بعد انقضاء العملية الانتخابية. ومن ثم، فإن عدم التعامل مع المواطنين على أساس المواطنة والعمل على أساس الهويات القومية والطائفية، وغياب الهوية الوطنية سيخلق مشكلات كثيرة على المستوى الاجتماعي والسياسي في المناطق المتنازع عليه.
وكما قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن أساس المشاكل في المناطق المتنازع عليها وخاصة في كركوك "ليست أمنية، إنما مشكلة سياسية" وشدد على أن استمرارية هذا الوضع ينعكس على المواطنين بطريقة سلبية.
ويتعلق إحدى المخاطر الأكثر وضوحاً بمرحلة ما بعد الانتخابات، فإذا لم تتمكن المكونات المحلية من التوصل لاتفاق بشأن توزيع مناصب المحافظين والمناصب الأخرى في مدة قصيرة من الزمن، سيؤدي ذلك إلى زيادة التوترات وتعريض الأمن الاجتماعي للخطر. فضلا عن مخاطر التدخل الخارجي في المناطق المتنازع عليها الموجودة والمستمرة، وبالأخص تدخل دول الجوار.
بالإضافة الى انه لا توجد اي أجندات مشتركة داخل هذه المناطق حول كيفية استخدام الميزانية المخصصة لإدارتها، وكان بإمكانهم خلق المزيد من فرص العمل والمزيد من الرخاء، لكن الفساد الإداري الذي اقيم على المحاصصات والوضع الأمني غير المستقر، أفشل هذا البرنامَج حتى الآن وما زالت التحديات مستمرة.
وعلى الرغم من التحديات العديدة التي ستنشأ بعد مرحلة الانتخابات، ما زال هناك فرص مهمة لتحقيق المزيد من التعاون والوئام في المناطق المتنازع عليها. وفى هذا السياق، يمكن استغلال التنسيق والتعاون في المجال الأمني بين إقليم كردستان وبغداد في المناطق المتنازع عليها، كفرصة للتعاون في المجالات الأخرى وخلق المنافسة في تقديم الخدمات لمواطني هذه المناطق. ولتحقيق هذه النقطة من الضروري أن تمنح بغداد صلاحيات العمل للمؤسسات الخدمية التابعة لإقليم و الاتفاق على عمل الطرفين معا لتقديم افضل الخدمات، خاصة تلك المتعلقة بمجال بناء الطرق والجسور والبنية التحتية.
تشتهر المناطق متنازع عليها باحتوائها على مزارات أثرية وتاريخية وثقافية قد تكون مصدر جذب لملايين السائحين ومصدر دخل مهم للدولة، وقد تساعد أيضا في دفع عملية التنمية المستدامة بالمحافظات اذا تم استثمارها بالشكل الصحيح. يمكن استثمار المناطق المتنازع عليها أيضا في مجال الزراعة، حيث يتم إنتاج اكثر من 40% من احتياجات البلد من الحنطة في تلك المناطق.
في حال تمكن العراق، بمجموعاته العرقية والدينية المختلفة، من إجراء انتخابات مفتوحة ونزيهة وغير عنيفة، فمن شأن هذا أن يعزز مكانته الدولية بشكل كبير، وسيسمح للبلاد باستضافة العشرات من الفعاليات الثقافية والدينية المختلفة سنويًا مما يعزز من مكانتها مقارنة بدول الجوار. إن طبيعة العراق متعددة الأعراق والأديان يمكن أن تشكل مكسباً كبير للبلاد مما يجعلها منارة للتعايش. ولكن من أجل إبراز هذه الصورة بنجاح، يجب على الجهات الفاعلة الفيدرالية والمحلية التأكد من أن الانتخابات المقبلة ستكون شاملة وخالية من الخطاب الطائفي الضار.