- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
بناء منزل على أطراف المدينة: التمدن الإنساني وسيادة اللاجئين في مخيم اللاجئين
يلقي تحليل الهيكلية المادية لمخيمات اللاجئين في الأردن الضوء على الديناميات القائمة بين الدولة والمنظمات الإنسانية واللاجئين.
الانعطاف يمينًا بجوار رسم غرافيتي لياسر عرفات على الحائط، مرورًا بمتجر "الدولار الأزرق"، والانعطاف مجددًا إلى اليمين بعد خزان المياه الضخم، ويسارًا بجانب صورة المصباح، ويمينًا بعد رسم الغرافيتي لمكة، ثم النزول على الدرج السلالم - كان ذلك روتيني اليومي على مدى شهر عندما كنت أعمل في المخيم - مخيم اللاجئين - ببرج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت. في مسيرتي اليومية، أدهشني مدى تشابه المخيم مع مدينة تونس العتيقة أو المدينة العربي في وطني تونس، بحيث تعتمد حياة مجتمع بأكمله على تلك المباني والكابلات والمياه المتقطرة. وما لفت نظري وأدهشني بشكل خاص هو حس التضامن الذي يعززه هذا الفضاء وأمثاله على ما يبدو بين سكانه.
اندمجت مخيمات مثل برج البراجنة ضمن الهندسة الحضرية للمدينة على مر السنين، على عكس عمليات التخطيط لمخيمات الزعتري والأزرق الحديثة في الأردن، تُظهر كل هذه المواقع التوترات القائمة بين مهندسي المخيمات وسكانها في نظرتهم لما يجب إعطاؤه الأولوية في هندسة مخيم اللاجئين. بالتالي، توفر الهيكلية المادية لهذه المخيمات وسيلة لاستكشاف ديناميات القوة بين اللاجئين والمنظمات الإنسانية وجهاز الدولة المعني.
ما هو دور المخيم؟
تمثل مخيمات اللاجئين السياق الرئيسي لتوزيع المساعدة الدولية على اللاجئين. ولكن بالرغم من طبيعتها المؤقتة ظاهريًا، فقد أصبحت هذه المخيمات أيضًا البيئات المعيشية الرئيسية طويلة الأجل للعديد من اللاجئين، وفي حالة فلسطين، للأجيال المستقبلية. بالرغم من هذا الواقع، تواصل المنظمات الإنسانية تركيز تخصيص الموارد وتوزيع السلع على هذه المخيمات في إطار إدارة الطوارئ ومعالجة الأزمات.
فيما تبقى المنظمات الإنسانية ناشطة في هذه المخيمات، فإن التفاعل المستمر بين الموظفين العاملين في المخيم وسكانه يخلق ديناميكية قوة معينة، ما يحوّل اللاجئين إلى عملاء ينتظرون بضائعهم من المنظمات التي تمتلك القدرة على توجيه تدفق البضائع. يثير هذا الاختلال في التوازن تساؤلات حول ما إذا كان ممكنًا إبقاء النزعة الإنسانية بمنأى عن تأثير النيوليبرالية، وكيفية تعامل المنظمات الإنسانية مع واقع أن إطالة التبعية الاقتصادية في المخيمات تضمن تسويق سلعها وخدماتها.
تُعد مخيمات اللاجئين الخيار المفضل للتدخل الإنساني لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بما أنها توفر بيئة يمكن فيها إيصال المساعدات وتوزيعها ومراقبتها بسهولة (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 214 ب). غالبًا ما تكون المخيمات، التي تُعتبر مؤقتة، معزولة ضمن مناطق نائية مع حد أدنى من التفاعل مع اقتصاد الدولة المضيفة. بالتالي، تفصل مخيمات اللاجئين "الغريب" عن الأمة، ما يؤدي في البداية إلى التعتيم على حياة اللاجئين ضمن ثنايا المشاهد الطبيعية الحضرية للمخيمات. ولكن مع بقاء ملايين اللاجئين في هذه الهيكليات لسنوات متتالية، فإنهم يعتمدون بشدة على منظمات الإغاثة باعتبارها المزود الوحيد للإغاثة، وتشكل عزلتهم حاجزًا أمام تدخل المنظمات الأخرى. لمواجهة هذه التبعية، تروج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لسياسة "الاعتماد على الذات" لتمكين المساءلة والتماسك الاجتماعيين.
لكن غالبًا ما يشوب جهود المنظمات الإنسانية الدولية كذلك وسطاء فاسدون ومبادرات محلية تفشل في توزيع الموارد والمساعدات التي تتلقاها. زعمت ميرا، وهي إحدى سكان برج البراجنة، عندما قابلتها ا، أن العمل الإنساني في المخيم "ناجح [جزئيًا] فقط، بما أن الكثير من المساعدات تؤخذ من قبل الجمعيات واللجان المسؤولة عن المخيم". في الكثير من الأحيان، لا يتلقى المستفيدون المساعدة التي تم تخصيصها لهم، بسبب السرقة الداخلية. بالرغم من الصعوبات، تزعم فرح، وهي أيضًا من سكان المخيم، أنها ولاجئين آخرين لا يعارضون المنظمات الإنسانية، بل بالأحرى: "نقدر الطريقة التي تعزز بها [المنظمات] المبادرات المحلية ومنظمي المجتمع المدني ولكننا نريد أيضًا شخصًا "نظيفًا" (أي نزيهًا وصادقًا) ليكون قادرًا على مساعدتنا في ما نحتاجه"، على حد قولها.
يقدم تأسيس مخيم الزعتري في الأردن - الذي بنى هيكلية اقتصادية قوية بدون "سياسة الاعتماد على الذات" للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نظرة ثاقبة لنموذج بديل لمعيشة اللاجئين يعطي الأولوية للاحتياجات المكانية والميول الاقتصادية للسكان. تم افتتاح المخيم في العام 2012 مؤقتًا "لاستضافة" اللاجئين السوريين الفارين من الحرب الأهلية، التي كانت آنذاك في عامها الثاني، لكنه تحول مذاك إلى مخيم دائم.
لقد أسس لاجئو مخيم الزعتري سوقًا اقتصادية مزدهرة توزع ما يقارب 10 ملايين دينار أردني شهريًا (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2012؛ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 2015). يُعزى ذلك جزئيًا إلى حس مجتمعي قوي قام اللاجئون بتكوينه داخل المخيم. يُعرف مخيم الزعتري بالتخطيط التجريبي وحجم التوسع التكيفي. تُظهر الصور المبكرة للمخيم صفوفًا من الخيم المنصوبة على أرض مهجورة بالقرب من قرى صغيرة. ولكن الأعداد المتزايدة للاجئين الذين وصلوا إلى المخيم تجاوزت السعة الأولية البالغة 15000 شخص (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 2012 ب)، ما أدى إلى توسع المخيم خارج الترتيب المخطط له من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات الإغاثة، كما تُظهر صور الأقمار الصناعية أدناه.
لاستعادة السيطرة، فرضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التخطيط التأديبي الإنساني. فقد تم تقسيم المخيم إلى مناطق محددة بشوارع معبدة واسعة. أظهرت الخطة الرئيسية النهائية منطقة مخططة ومنطقة تجريدية شبيهة بمنطقة عضوية، بحيث صُمم كلا الجزأين لتكملة بعضهما البعض في إعادة توطين اللاجئين والترحيب باللاجئين الجدد. ولكن هذه الخطة الاستراتيجية انهارت في وجه الديناميات المتغيرة داخل المخيم. وبدلًا من ذلك، قام اللاجئون بنقل ملاجئهم ضمن المخيم استجابةً للعلاقات الاجتماعية والثقافية، فاستقروا بين وحدات الإيواء المخطط لها وداخلها.
الرسم: التحول المكاني في مخيم الزعتري من التخطيط التأديبي إلى التمدن غير النظامي (المصدر: Google Earth)
كما أنشأ السكان أسواقًا وقاموا بأعمال شغب وتظاهرات واستفادوا من الموارد المتاحة لتنظيم المخيم بالطريقة التي يرونها مناسبة. في النهاية، ظهرت هيكلية مكانية بديلة في مخيم الزعتري. وبدلًا من تنظيمها لزيادة كفاءة منظمات الإغاثة إلى أقصى حد، أعاد اللاجئون هيكلة المخيم بمرور الوقت لتلبية احتياجاتهم اليومية.
أصبح مخيم الزعتري أحد أكبر المراكز الحضرية في الأردن من خلال احتياجات اللاجئين ورغباتهم في عيش حياة كريمة. كما يظهر ارتباط بين حس السيطرة على المكان والاستقلالية الاقتصادية؛ فيشارك اللاجئون في الزعتري في الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك بيع القسائم لشراء السلع مباشرةً من سوق اللاجئين والعمل مع المنظمات الإنسانية في جمع القمامة والبناء والتعليم. على سبيل المثال، سوق الزعتري، الذي ظهر أولًا كمجموعة من الأكواخ، أصبحت الآن سوقًا مزدهرة تمتد لأكثر من كيلومترين. أشار مخطط مواقع تابع للمفوضية إلى أن السوق ظهرت على طول الشوارع المعبدة، لكن الزخم تجاه السوق بحد ذاتها نشأ من سكان المخيم. علّق صاحب متجر قائلًا: "يحب الناس السير هنا، حتى لو لم يرغبوا في الشراء. فهم يقصدون السوق ذهابًا وإيابًا طوال الوقت [...].، ما يُظهر أن السكان قد كوّنوا الأماكن العامة بطرق تُنسب عادةً إلى المناطق الحضرية بدلًا من الملاجئ المؤقتة.
استجابةً للّامركزية في مخيمات الزعتري، صممت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالاشتراك مع الحكومة الأردنية، مخيم الأزرق لدمج "الدروس المستفادة" من فوضى مخيم الزعتري. والجدير بالذكر أن تصميم مخيم الأزرق قد قلل من احتمال بقاء المخيم بدلًا من زيادة هذا الاحتمال. فصفوف الأكشاك البيضاء المتحركة التي تم بناؤها باستخدام الفولاذ بدلًا من الخرسانة، هي مؤشر واضح على أن المخيم غير معد للبقاء. ويشير الطابع المؤقت للمخيم إلى سيطرة الدولة على المخيم بدرجة لم نشهدها في الزعتري – إذ يمكن تفكيك المخيم بسهولة أكبر، ونقل سكانه، عندما ترى الدولة ذلك مناسبًا.
وبالمثل، تضمّن التخطيط لمخيم الأزرق دروسًا مستخلصة مما اعتبرته المنظمات مصاعب مخيم الزعتري وإخفاقاته، ما تجلى في التخطيط التأديبي لإدارة المخيم وسكانه من خلال ترتيبات مكانية وترتيبات إيواء صارمة. بالتالي، كان الحل الناتج عن الدروس المستقاة من الزعتري زيادة هيكليات ضبط الأمن وحفظ النظام من قبل الشرطة التي تستهدف مجتمعات اللاجئين داخل المخيم في محاولة لتسهيل إدارتها ومراقبتها من قبل العاملين في المجال الإنساني ومقدمي الخدمات.
ولكن مخيم الأزرق لا يزال مكانًا تمكّن فيه اللاجئون من استعادة جزء من إرادتهم من خلال التفاوض على هوامش الطابع غير النظامي. وبالفعل، تمكن سكان المخيم من تفكيك أجزاء من الملاجئ الفارغة واستخدامها لبناء أجزاء من منازلهم أو ربط المساحات الفارغة بين الملاجئ من أجل إنشاء مساكن أكبر. تم تمكين هذه العمليات من خلال التفاعلات مع ضباط الشرطة داخل المخيم الذين كانوا يجبرون اللاجئين على إصلاح التعديلات التي أجروها على منازلهم إذا اعتبروها ظاهرة جدًا. ولكن ذلك لم يمنع سكان الأزرق قط من تغيير الهيكلية العامة للمخيم في اليوم التالي. إذن في حين أن وجود هذه القواعد الصارمة يميز بين الأزرق والزعتري، فإن خرقها يقدم وجه تشابه يجسد استعادة مساحة مشتركة، ما يحد من طبيعتها المؤقتة.
تصف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اتباع "نهج قائم على القرية" للتخطيط على أنه "يعزز حس الملكية والحس المجتمعي لدى السكان". من خلال تنظيم ذاته على هذا النحو، أتاح الأزرق السيطرة على سكانه وضمان تولي الشرطة والمنظمات الإنسانية زمام الأمور بالكامل. يتناقض ذلك مع مخيم الزعتري، الذي يحكمه جزئيًا سكانه. ولكن زوار مخيم الأزرق لاحظوا أن الأزرق يعاني اقتصاديًا من جراء هذا التخطيط بالذات، كما أظهر التأخير الحكومي في فتح سوق في الأزرق وفي تقديم تصاريح العمل.
يتم تنظيم تمدن المخيمات بشكل متزايد انطلاقًا من مفهوم الإدارة والخدمات اللوجستية. وتُطلق على هذا المفهوم، المقترن بالدور المتزايد الذي تلعبه منظمات الإغاثة في إدارة المخيمات، تسمية التمدن الإنساني. يُعتبر هذا النوع من تنفيذ الإدارة من قبل المنظمات الإنسانية قضية معقدة بسبب اختلال توازن القوى داخل المخيمات بين المنظمات واللاجئين في ما يتعلق بتوزيع الموارد، وتوفير الخدمات الاجتماعية، والسيطرة على الحركة. يتناقض الوضع المؤقت الذي يعيش اللاجئون في ظله مع الطابع الدائم للسيطرة التي تمارسها المنظمات الإنسانية على سكان المخيمات. بالرغم من ذلك، لا يزال التمدن الإنساني النموذج المستخدم لدى معظم المخيمات في المنطقة.