- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
بوسع بايدن التوسط لإنهاء الحرب في اليمن
يتوق اليمنيون إلى أن ينفذ بايدن وعده الذي ابرمه خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في اليمن، مستخدما نفوذ الولايات المتحدة لجلب جميع الأطراف الى طاولة المفاوضات لإنهاء الصراع.
مع إثبات نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة قوة النظام الديمقراطي الأمريكي، كثيرون في الشرق الأوسط فسّروا تأكيد رئاسة بايدن على أنها تعني استعادة ثقة العالم بالشعب الأمريكي والتزامه بمبادئ الحرية والمساواة.
لكن منطقتنا – أي الشرق الأوسط – تعيش في حالة فوضى، وللولايات المتحدة دورٌ في ذلك. لقد بدأ الأمر في عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن حين روّجت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندوليزا رايس لفكرة "شرق أوسط جديد" يُبنى على ما أُطلق عليه لقب الفوضى الخلاقة، مع أن الفوضى لا يمكن مطلقًا أن تكون بنّاءة. وخلال إدارة أوباما، جاءت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بخطة مشابهة أخرى غير مدروسة لتغيير الأنظمة العربية من الداخل، وانطلقت من البنية التحتية التي كانت رايس قد أنشأتها بالاعتماد على التحالفات مع مجموعات المعارضة لأنظمة المنطقة، متجاهلةً الديناميات السياسية والتراث وتاريخ الصراعات العربية وتأثير هذه السياسات على مستقبل الشرق الأوسط.
والمؤسف أن اليمن لا يشكل استثناءً لهذه القاعدة. فقد تجاهل أصحاب القرار في الولايات المتحدة الحقائق القائمة داخل اليمن، وقواه السياسية وتحالفاته الخفية وأجندات الأطراف السياسية المتورطة في الصراع، اليمنية منها والإقليمية. واليوم تثبت حالة الشرق الأوسط الراهنة أن فكرة التغيير - سواء عبر الفوضى أو تغيير النظام - لم تحقق هدفها المتمثل في إيجاد مستقبل أفضل للمنطقة. على العكس، تبيّن أن كلتا السياستين كارثية، خصوصًا متى افتقر الحلفاء المكلفون بتغيير النظام إلى الدعم الشعبي أو القدرة على الحكم.
يتطلب حل الأزمة اليمنية سياسةً أمريكية جديدة ومستحدثة تجاه اليمن، على أن تختلف عن تلك التي وُضعت بعد الهجوم الإرهابي عام 2000 على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في عدن. فقد ركزت السياسة الأولى على مكافحة الإرهاب مع إغفال الحاجة إلى تطوير علاقة استراتيجية أوسع تمنّاها اليمن، لا سيما بعد توحيده قبل عقد من الزمن.
كان المسؤولون اليمنيون آنذاك يعتقدون أن التدخل الأمريكي قد يساعد البلاد لتصبح نموذجًا للدولة الديمقراطية الحديثة في العالم العربي. لكن لسوء الحظ تلاشت هذه الآمال مع حرب الخليج الثانية عام 1990 التي حولت اليمن إلى جسم غريب في شبه الجزيرة العربية بسبب نظامه الجمهوري الديمقراطي وتبنّيه مبادئ الحريات وحقوق الإنسان والانتقال السلمي للسلطة.
أعلن التحالف الحرب على اليمن في آذار/مارس 2015 في عهد إدارة أوباما. وجاء قرار الرئيس أوباما بدعم هذه الحرب استجابةً لطلب السعودية التي تعتبر حليفًا وشريكًا استراتيجيًا لأمريكا، واستمد تأييده أيضًا من موقف دول الخليج الموحدة وعدة دول عربية وأوروبية أخرى تحت ذريعة إعادة الحكومة اليمنية الشرعية إلى الحكم. واليوم - بعد ست سنوات من الحرب وتكاليف ومعاناة مهولة – آن الأوان لأن تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة في إنهاء الحرب التي دعمتها في الأصل، معتمدةً مرة أخرى على علاقتها الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية التي استحثت في الأساس دعم الولايات المتحدة لهذه الحرب.
مع تعهّد إدارة بايدن في حملتها الانتخابية بإنهاء الحرب في اليمن وفي ظل خططها لتحقيق ذلك، شعر الشعب اليمني من طرفَي الصراع بأمل كبير، فهو يدفع ثمن الحرب الباهظ ويبحث عن نهاية. كما رحبت به منظمات دولية عديدة تعمل على التخفيف من حدة الكارثة الإنسانية التي يواجهها اليمنيون، وتدهور مستويات المعيشة والتعليم والصحة الذي سيستمر في التفاقم ما لم يتحقق السلام.
من أجل تحقيق هذا الهدف، يجب على الولايات المتحدة وضع مبادرة لإنهاء الحرب نفسها، ومعها الحروب بالوكالة والصراعات المتعددة الأوجه التي تستعر في المنطقة، مستفيدةً من واقع أن كلا طرفَي الصراع في اليمن مستعد للقيام بتسوية يرعاها وسيطٌ أمين ويبحث عن حلٍّ يحفظ ماء الوجه.
يستوجب اليوم حل الصراع اليمني مشاركة كل الأطراف الخارجية في الصراع، المعروفة منها والخفية. ويجب على كل الأطراف المعنية تحمّل مسؤولية إنهاء الحرب والضغط على الأطراف اليمنية التي ترعاها للجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل الاتفاق على التوصل إلى حل يمني - يمني.
فضلاً عن ذلك، لا بد لهذه الجهات الخارجية من الالتزام باحترام سيادة اليمن وسلامة أراضيه، وتوفير ضمانات لأمن البلاد واستقرارها، والالتزام بعدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية. كذلك، يجب على الجهات الفاعلة وقف جميع أنواع الدعم المالي للأطراف المتحاربة، إذ أن قطع الحوافز المالية عن أمراء الحرب في البلاد سيسهم في الضغط عليهم للعودة إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الصراع، فضلاً عن القبول بضرورة بناء علاقات جديدة مع الدول المجاورة.
لكن جدير بالذكر أن انتهاء الحرب والتوقيع على اتفاق سلام بين اليمنيين لا يعنيان انتهاء محنة اليمن. ولا بد أيضًا من وضع خطة شاملة لإرساء سلام مستدام يدعمه التحالف والمجتمع الدولي. وعلاوةً على ضمان تنفيذ الاتفاق السياسي الشامل، يجب أن توفر هذه الخطة أيضًا الموارد الكافية لإعادة الإعمار وعودة النازحين والتعويض على الضحايا. ويجب أيضًا تخصيص أموال الإعمار اللازمة لمؤسسات الدولة، بما فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية، بالترافق مع حزمة الإصلاحات المالية والاقتصادية اللازمة لمنع انهيار اتفاق السلام.
إن الشعب اليمني يأمل أن تبقى "تيمن" على أجندة إدارة بايدن خلال أيامها المائة الأولى، وألا يغيب حل الأزمة اليمنية عن بال الإدارة الجديدة فيضيع بين أولوياتها الكثيرة. في هذه الأثناء، يتمنى اليمنيون النجاح والازدهار لأمريكا ورئيسها المقبل في هذه الأوقات الصعبة.