- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ذكريات عن وزارة خارجية معادية للسامية
في الأسبوع الثالث من أيلول/سبتمبر، تصدرت العناوين موظفة رسمية سابقة في "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية فاليري پليم ويلسون عندما نشرت، في اليوم الأول من عيد رأس السنة اليهودية (روش هاشاناه)، على حساب "تويتر" الخاص بها مقالة بعنوان: "يهود أمريكا يقودون حروب أمريكا: ألا يجدر بهم أن يتنحوا عن الموضوع عند التعامل مع الشرق الأوسط؟" وأفادت المقالة، التي نُشرت على موقع إلكتروني هامشي، أن المحافظين الجدد اليهود كانوا يدفعون باتجاه حرب ضد إيران. إن السيدة ويلسون، التي تم تسريب هويتها كعميلة سرية متخفية عام 2003 من قبل أعضاء في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش كانوا غاضبين من معارضة زوجها السفير جوزيف ويلسون لحرب العراق، رددت الرواية المعروفة القائلة بأن المحافظين الجدد اليهود روّجوا لغزو العراق وهم في صدد قرع طبول النزاع مع إيران.
وبالطبع، إن معظم اليهود ليسوا محافظين جدد، ومعظم المحافظين الجدد ليسوا يهود. وعلى أي حال، لعبت شخصيتان نافذتان من غير اليهود، هما نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، دوراً رئيسياً مع الرئيس بوش في اتخاذ قرار غزو العراق في عام 2003. ومع غض الطرف عن القول القديم بأنه "عندما تكون في حفرة، يجب أن تتوقف عن الحفر"، قدمت السيدة ويلسون بعض الأعذار، ثم ذكرت أنها من أصول يهودية. وأخيراً، اعتذرت عن قولها.
لا تهمني الاستفاضة حول السيدة ويلسون. ولكن المسألة برمتها أعادت إلى ذهني بعض الذكريات حول النظرة التي كانت سائدة تجاه اليهود لفترة طويلة ضمن جهاز الأمن القومي الأمريكي. فحين بدأتُ العمل في البنتاغون خلال إدارة الرئيس جيمي كارتر، كان هناك افتراض غير معلن ولكن مؤكد: إذا كنت يهودياً، لا يمكنك العمل في قضايا الشرق الأوسط لأنك ستكون منحازاً.
ومع ذلك، إذا كنتَ على دراية بقضايا الشرق الأوسط لأنك متحدر من عائلة تبشيرية أو من صناعة النفط، تُعتبر عندها خبيراً. ناهيك عن أن مثل هذه الخلفية قد تساهم في تكوين وجهة نظر معيّنة لديك عن تلك المنطقة، أو المصالح الأمريكية فيها، أو إسرائيل. فقد كان الاعتبار السائد أن الأشخاص المتحدرين من تلك الخلفيات غير متحيزين، في حين يتعذّر على اليهود التحلي بالموضوعية، وسوف يكونون منحازين لإسرائيل على حساب المصالح الأمريكية.
وفي بعض الأحيان، كنتُ ألاحظ أنه كان يتم التعبير عن هذا الرأي بشكل ضمني، وأحياناً أخرى بشكل علني، بما في ذلك بعد انقضاء فترة طويلة على محاولة وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز تغيير ثقافة وزارة الخارجية خلال السنوات الأولى لإدارة ريغان [في الثمانينيات]. وبالنسبة للسيد شولتز، لم تعد الهوية اليهودية تشكل مانعاً للعمل على القضايا العربية-الإسرائيلية. فقد كان أكثر اهتماماً بمعرفة الفرد [للقضايا موضع البحث] من هويته، وهكذا جعلني، أنا اليهودي الذي كنتُ أعمل كأحد موظفي "مجلس الأمن القومي" في ذلك الوقت، عضواً في الفريق الصغير الذي كان يعمل معه على الدبلوماسية العربية-الإسرائيلية. (كان ضمن ذلك الفريق أيضاً، يهودي آخر هو دانيال كيرتزر، المسؤول في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية الأمريكية) .
وعندما أصبح جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي عام 1989، استمر في المساعدة في إزالة الشكوك عن اليهود في مؤسسة الأمن القومي. ومع ذلك، أتذكر جيداً عندما زارني محقق في الأمن الدبلوماسي عام 1990، حين كنتُ مسؤولاً عن فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، حيث كان يقوم بالتحقق من خلفية شخص كان قد ذكرني كمرجع. وكان يتم النظر في إمكانية تعيين ذلك الشخص في منصب رفيع ضمن إدارة الرئيس جورج إتش. دبليو. بوش، ولم يكن مرتبطاً مباشرةً [بقضايا] الشرق الأوسط.
وفي مرحلة معينة، طرح عليّ المحقق سؤالاً يُعتبر روتينياً في عمليات التحقق من الخلفية: هل كان ذلك الشخص مخلصاً للولايات المتحدة؟ أجبتُ بنعم، دون أدنى شك. ولكن سؤاله الاستطرادي كان التالي: إذا توجب على ذلك الشخص الاختيار بين مصالح أمريكا ومصالح إسرائيل، فأي مصالح ستكون خياره الأول؟ لم يكن ذلك الافتراض بالولاء المزدوج مستتراً على الإطلاق.
فسألته: "لماذا تطرح عليّ مثل هذا السؤال؟"، بالرغم من إدراكي أنني لم أكن بذلك ربما أساعد الشخص الذي أوصى بي كمرجع. أجابني: "لأنه يهودي". فتابعتُ: لو كان إيرلندياً وتوجب عليه العمل على مشاكل مرتبطة بإيرلندا أو كان إيطالياً وتوجب عليه العمل على مسائل متعلقة بإيطاليا، هل كنت لتطرح عليّ هذا السؤال؟ للوهلة الأولى، لم يكن يعرف المحقق على ما يبدو كيفية الإجابة، ولكن بعد ذلك رأيت في عينيه نظرة فهم واستيعاب، إذ أدرك فجأةً أنني يهودي. وعندئذ غيّر الموضوع.
لم يكن المحقق مبتدئاً. ففي ضوء خبرته مع كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، اعتبرَ أنه من الطبيعي طرح هذا السؤال. وعلى غرار معظم الأساطير التي تنتشر من تلقاء ذاتها، لم يكن يتم الطعن أو التشكيك بفكرة أنه قد يكون لدى الأمريكيين اليهود ولاءات مزدوجة، بل كانت من البديهيات، مما جعلها أكثر مكراً.
ويشبه ذلك تماماً تغريدة السيدة ويلسون على حساب "تويتر" بأن اليهود يدفعون باتجاه حرب جديدة. فهذا هو تعريف الحكم المسبق. كيف لا نكون أمام حكم مسبق عندما تُصنَف مجموعة كاملة ضمن خانة معينة وتطلَق على كل من فيها صفة سلبية معينة أو يتم ربطها بسلوك تهديدي معين؟ الأمر سيان اليوم بالنسبة لأولئك الذين يصنّفون جميع المسلمين كمتطرفين خطيرين. إنه أمر غير مقبول أيضاً.
واليوم، تنبئ ظاهرتا النزعة القومية وكره الأجانب الآخذتان بالانتشار بقوة بخلق المزيد من الأحكام المسبقة. وتعزز هذه السلوكيات ذهنية "نحن مقابل الآخرين". فـ "الآخر" يشكل تهديداً. وما أن يتم تصنيف المجموعات، تصبح الطريق قصيرة أمام فرض قيود عليها وعزلها وتسويغ العنف ضدها.
وعوضاً عن القلق من انعدام الثقة بالأمريكيين اليهود واتهامهم بالولاءات المزدوجة، يجب أن يشعروا بالفخر. ففي الأوقات المضطربة، يمكن للهوية أن تشكل مصدر أمان وراحة. كما أن التمتع بهوية قوية والشعور بالارتياح لما عليه المرء ولجذوره يجب ألا يأتي على حساب الآخرين. وكما أشار الحاخام في الكنيس الذي أذهب إليه، جوناثان مالتزمان، في خطبة عيد رأس السنة اليهودية، لطالما كان الخاص والعام جزءاً لا يتجزأ من الهوية اليهودية.
وفي الواقع، إذا أراد المرء أن يعيش حياة يهودية لا يجب أن يكون ملتزماً للمجتمع اليهودي فحسب، بل للآخرين أيضاً. فلدى اليهود التزام لتعزيز العدالة والرحمة والعطف والتسامح والسلام.
وفي الولايات المتحدة، يشكل تعدد الشعوب والآراء مصدر قوتهم كديمقراطية. فالإصغاء لبعضهم البعض، عوضاً عن تصنيف بعضهم البعض، يمكن أن يعيد إحياء الحوار المدني. إنها حتماً الطريقة الوحيدة لإنتاج سياسات أفضل، ومن يعلم؟ لعلها تضفي المزيد من التأنٍ والتمدن على موقع "تويتر".
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن.
"نيويورك تايمز"