- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
دروس مستخلصة حول إيران من استراتيجيات بوتين: كيف يمكن تجنب سوء تقدير مخططات خامنئي
يوفر فهم الأخطاء التي أدت إلى الغزو الروسي لأوكرانيا دروسا مهمة للسياسة المستقبلية تجاه إيران.
في 24 شباط/فبراير، باغت قرار فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا. فخلال الأسابيع التي سبقت الغزو، استبعد عدد كبير من الصحفيين والخبراء وصناع السياسة حدوث ذلك، رغم توفر معلومات استخباراتية واضحة ومعلنة أشارت إلى أن الحرب كانت وشيكة. وكان مزيج من المعلومات المضللة والسذاجة والإصغاء الانتقائي قد جعل المراقبين الغربيين يسيئون قراءة المستقبل.
ومخططات بوتين الإمبريالية في أوكرانيا لم تكن سرية، تمامًا كاحتشاد 75 % من الجيش الروسي على طول الحدود الأوكرانية. وصحيح أن إعادة التفكير بما حدث لن تفيد أوكرانيا، لكنها قد تمنع إساءة قراءة مخططات ديكتاتور آخر في المستقبل، أي المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي. فإن تجاهل العوامل الثلاثة نفسها التي أدت إلى إساءة تقدير نوايا موسكو يهدد بالوصول إلى نتيجة مماثلة مع طهران.
إدراك الحملة الدعائية
في الأشهر التي سبقت غزو روسيا، شنت موسكو حملة دعائية لامت فيها الغرب على تعزيزاته العسكرية. وصدّق البعض في الغرب هذه الحجج رغم سجل بوتين الحافل في جورجيا وجزيرة القرم. وحاليًا، يتمّ التحضير لحملة علاقات عامة مشابهة ومعادية للغرب تتعلق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية تتم تحت غطاء إجراء البحوث. وكما كان الحال مع روسيا، فهي تهدد بتضليل حكمنا.
فلنأخذ على سبيل المثال أولئك الذين لا يستكينون في محاولة الترويج لفكرة أن عدائية النظام الديني تجاه الغرب بدأت نتيجة سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولا سيما انسحابه من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وإذ إنهم يدركون أن الازدراء بترامب، ورؤية العالم عبر عدسات كارهة للذات في حقبة ما بعد الاستعمار، هما موقفان جذابان بالنسبة للكثيرين في الغرب، يسعى هؤلاء "المحللون"، الذين هم في الواقع خبراء في العلاقات العامة، إلى الاستفادة من هذا الجو السائد لكسب التعاطف مع آية الله.
وتتجاهل هذه السردية المزيفة واقع أن المعاداة الشديدة للولايات المتحدة شكلت ركيزة أساسية في نظرة النظام الديني إلى العالم منذ قيامه عام 1979. فبدءًا بأزمة الرهائن وصولًا إلى إراقة "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني للدم الأمريكي في العراق وأفغانستان، لطالما تضمنت رسائل آية الله السياسية والإيديولوجية الأساسية الكره للغرب وكل ما يمثله.
وخلال السنوات الثلاث والأربعين الماضية، لم يكن شعار الجمهورية الإسلامية الرسمي "الموت لترامب" بل "الموت لأمريكا". وكما هي الحال مع روسيا تحت حكم بوتين، فإن من ينمّقون صورة سياسات خامنئي هم أفراد يبررونها في أفضل الأحوال، أو عملاء مأجورين في أسوأ الأحوال. وفي الغرب، يظهر أولئك بثلاثة أشكال. تتألف المجموعة الأولى عمومًا من أفراد غير مطلعين على الأمور تستغلهم الأنظمة المستبدة من خلال الحملات الدعائية ويعيدون الترويج لمعلومات مضللة نتيجة لذلك. أما المجموعة الثانية، فتضم مفكرين غير ليبراليين من خلفيات سياسية ودينية متعددة يعارضون أيديولوجية الرأسمالية الليبرالية بكافة أشكالها. وهؤلاء الأفراد ينظرون إلى الولايات المتحدة والغرب على أنهم قادة الرأسمالية الليبرالية الأساسيون، ويشكلون تفضيلاتهم على صعيد السياسة من هذا المنطلق. وأخيرًا، تضم مجموعة العملاء المأجورين أفرادًا يتقاضون الأموال من الأنظمة المستبدة لمدح أجنداتها مقابل مكاسب مادية. وفي كانون الثاني/يناير2021، تمّ اعتقال كافي أفراسيابي، العالم السياسي المقيم في الولايات المتحدة والذي شارك "خبرته" حول إيران في صحيفة "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"الجارديان" و"سي أن أن"، بتهمة العمالة المأجورة لصالح إيران. ومجتمعةً، تتغلغل هذه المجموعات الثلاث، التي تتداخل أحيانًا، في الجامعات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الغربية. ويعتبر التمييز بين الأصوات الصادقة وخبراء العلاقات العامة الخطوة الأولى لعدم إساءة احتساب مخططات خامنئي.
هذا وتعد سذاجة الغرب مسؤولة بالقدر نفسه كالمعلومات المضللة الاستراتيجية الصادرة عن دعائيين منتشرين في مختلف أنحاء العالم، ولا يمكننا إلا إلقاء اللوم على أنفسنا على هذا الصعيد. فهذه السذاجة هي نتاج كبرياء متجذر في الحصانة المتصورة التي يتمتع بها النظام الليبرالي الدولي القائم على قواعد محددة والذي ساد بعد الحرب الباردة.
مسألة "عقلانية"
علاوةً على ذلك، لقد دفعت سذاجة الغرب به إلى الافتراض، بتكبّر، أنه رغم إقدام روسيا على غزو جورجيا في 2008 والقرم في 2014، ستذعن بشكل أساسي للقواعد الدولية في ما يتعلق بأوكرانيا، لأن مخالفتها إياها ستكون "غير عقلانية".
فالديكتاتوريون مثل بوتين وخامنئي يحاولون تفكيك هذا النظام القائم على القواعد منذ عقود. هذا لا يعني أنهما يريدان الفوضى. فهما يريدان تطبيق قواعد تقوم على رؤيتهما الخاصة للعالم. بالنسبة لبوتين، تتمثل هذه الرؤية في إحياء أمجاد روسيا الإمبريالية، أما خامنئي فهو يريد بناء نظام إسلامي يقوم على مفهومه للإمام والأمة الشيعة.
ولحظة ابتعاد بوتين عن مفهوم "العقلانية" المتمحور حول الغرب، بدأت فكرة "جنون" الرئيس الروسي المصاب بجنون العظمة تظهر إلى الواجهة، وكأنه مر فجأة بلحظة "عفوية". غير أن نوايا بوتين الليبرالية تجاه أوكرانيا لم تكن خفية. فالطغاة من أمثال بوتين وخامنئي يتمتعون بالعقلانية ضمن إطار أيديولوجياتهم الخاصة، وببساطة ما يمكن أن نصفه بأنه "غير عقلاني" قد يكون منطقيًا تمامًا في إطار نظرتهم العالمية المشوهة.
وعليه، لا يمكن اعتبار هذه الأفعال مفاجئة استنادًا إلى مواقفهما الأخرى في الحوكمة. فأي من الحاكمين المستبدين يقبل بأسس حقوق الإنسان أو المساواة، ويكفي النظر إلى آرائهما بشأن المثلية الجنسية وحقوق المرأة ومعاملتهما للأقليات الإثنية والدينية لمعرفة ذلك. فاضطهاد هؤلاء الشعوب مبرر باسم ما يعتبرانه "المنطق".
وقد قوّض تعجرف الغرب قدرته على التوقع والتخطيط والحدّ من التداعيات. فسذاجة الغرب قادته إلى الاعتقاد أن تطويق الجيش الروسي لأوكرانيا لم يكن سوى استراتيجية تفاوض اتبعتها موسكو عندما شعرت بالتهديد من حلف "الناتو". وسادت وجهة النظر هذه رغم تصريحات بوتين بشأن أوكرانيا.
وهذا ما يؤدي إلى طرح السؤال التالي: هل نخاطر بمواجهة المصير نفسه مع خامنئي وخطابه الأكثر تهديدًا؟ هل الغرب ساذج بتفكيره أن تطويق الجمهورية الإسلامية لإسرائيل الذي خطط له "الحرس الثوري" ووكلاؤه على غرار "حزب الله" هو مجرد رد لأن النظام في طهران "يشعر بأنه مهدد"؟ أو يجب أن نصدق كلمة المرشد الأعلى و"الحرس الثوري" عندما يعلنان مثلًا أن الدولة اليهودية هي "ورم سرطاني يجب استئصاله" وتخصيص موارد كبيرة لتحقيق هذه الغاية: بدءًا بحملة دعائية تظهر "تحرير" القدس بالسلاح مع عبارة "الحل الأخير" وصولًا إلى بناء صواريخ بالستية تحمل عبارة "الموت لإسرائيل" بالعبرية؟ إن نفذ خامنئي ما يقوله منذ سنوات، كما فعل بوتين، فهل سنقول إنه "جُنّ" فحسب؟
التراسل و"الاستهلاك المحلي"
أخيرًا، استغل بوتين نهج الإصغاء الانتقائي الذي اعتمده الغرب. فالعام الماضي، عندما كتب مقالة من 5 آلاف كلمة رسم فيها طموحاته الإمبريالية تجاه أوكرانيا، سارع المراقبون الغربيون إلى تجاهلها باعتبارها مخصصة "للاستهلاك المحلي". وفي 2014، عندما توقع المنشق الروسي والأكاديمي الأمريكي غاري كاسباروف غزوًا روسيًا مستقبليًا في كتابه الشتاء قادم، تعرض للسخرية والتجاهل. وترتبت على هذا الإصغاء الانتقائي نتائج عكسية. فبوتين ينفذ أقواله أحيانًا.
وتمامًا كبوتين، عبّر خامنئي بصراحة عن رؤيته. في الواقع حيث كشف النقاب عن بيان في شباط/فبراير 2019 يحدد اتجاه مسيرة النظام للسنوات الأربعين القادمة بعنوان "المرحلة الثانية من الثورة الإسلامية". وبما أن هذا البيان كان الوثيقة الأهم التي نشرها خامنئي خلال العقد الماضي، قد يتوقع المرء من صناع السياسة الغربيين والخبراء الإيرانيين أن يكونوا قد حفظوا عن ظهر قلب كل كلمة فيه. لكن في الواقع، لم يسمع سوى عدد قليل بمشروع "المرحلة الثانية"، في حين تجاهله كثيرون باعتباره مخصصًا "للاستهلاك المحلي". وتوفر جماعات الضغط التابعة للنظام الدعم في هذا الخصوص. لكن ذلك لا يأخذ في الحسبان واقع أن خامنئي ودائرته المتشددة أمضوا وقتًا طويلًا وبذلوا الكثير من الجهود، فضلًا عن إنفاق مليارات الدولارات، من أجل وضع النظريات وتمهيد الطريق أمام تحويل أيديولوجياتهم إلى واقع. فـ"المرحلة الثانية"، على سبيل المثال، ترمي إلى "تطهير" الجمهورية الإسلامية من الداخل وتمكين العنصر الأكثر تفانيًا من نظام خامنئي، أي "الحرس الثوري"، وهو شرط مسبق يراه آية الله ضروريًا لتحقيق طموحاته الكبيرة المتعلقة بالحضارة.
وحتى 24 شباط/فبراير، كان من المستبعد أن يتمكن نظام ويقوم بشن غزو واسع النطاق بدون أي محفز لأرض بلد أوروبي. فقد ظن الجميع أن عقلية هتلر هذه اندثرت مع سقوط النازيين في الحرب العالمية الثانية. لكن غزو بوتين لأوكرانيا غيّر ذلك. وعلى الغرب الآن الإقرار بأن النتيجة التي كانت مستبعدة سابقًا باتت احتمالًا قائمًا، أي إطلاق خامنئي لهجوم واسع النطاق على إسرائيل. لكن الأوان لم يفت بعد لمنع اندلاع أزمة. وبدلًا من الاستماع إلى مبرري سياسات خامنئي في الخارج، على صناع السياسة الغربيين دراسة كلمته والاتعاظ من التاريخ.
فالشهر الفائت، وبينما كان يتحدث عن أوكرانيا، صرح آية الله بأن الإسلام هو حرب دائمة مع عصر البربرية/الجهل وأن اليوم "يمثل نظام المافيا الأمريكي التجلي الأوضح والأكمل لعصر البربرية/الجهل الحديث". وبالتالي، يجب أن يدرك المفاوضون الغربيون في فيينا أن معاداة الجمهورية الإسلامية لأمريكا ستبقى أبدًا بغض النظر عن إعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 أو لا. باختصار، بغية توقع أفعال طغاة مثل بوتين وخامنئي، لا داعي لأن يملك الغرب بلورة سحرية.
فمجرد التركيز على كلماتهم قد يكون كافيًا. لا أحد يعلم فعلًا إن كان خامنئي يقصد فعلًا الكلمات الكارثية التي يستخدمها. ما نريد قوله ببساطة هو إنه من غير الحكيم أن نفترض أنه لا يقصدها، لا بل تشير الأدلة إلى أنها اعتقاد راسخ لديه. وكما قال الشاعر الإيراني العظيم الذي عاش في القرن الثالث عشر سعدي الشيرازي: "أنا أنقل الرسالة، سواء اعتبرت نصيحة أو إهانة".