- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
فوز منتخب الرجال السعودي المفاجئ
لقد جمعت المفاجأة الكبيرة بعد المباراة الافتتاحية التي خاضها فريق الرجال السعودي لكرة القدم أمام فريق الأرجنتين في كأس العالم، العديد من السعوديين والشعوب العربية للاحتفال بشكل واسع، مما يدل قوة جاذبية هذه اللعبة.
كما هو الحال في العديد من البلدان، تعد كرة القدم مصدر اهتمام كبير، سواء بين عامة الناس أو حتى على أعلى المستويات السياسية، فمنذ شهر تحديدًا، في 23 تشرين الأول/أكتوبر، التقى ولي العهد ورئيس الوزراء محمد بن سلمان بأعضاء المنتخب الوطني السعودي في مكتبه في جدة. وصحيح أن هدف اللقاء كان تهنئة المنتخب على تأهله لبطولة كأس العالم، لكن ولي العهد أيضًااستغل الفرصة خلال الاجتماع -الذي تم الإعلان عنه على نطاق واسع- للحديث عن المنافسة القادمة وتأطيرها أمام اللاعبين والمشجعين السعوديين، ليقول للاعبين: "أنا اعرف مجموعتنا صعبة هالسنة في كأس العالم، ما حد يتوقع مننا حتى نتعادل أو نفوز.. فاللي بقوله لكم فقط خليكم مرتاحين والعبوالعبكم واستمتعوا في البطولة".
كانت كلمات ولى العهد على الأرجح محرجة بالنسبة للاعبين بما أنه لم يعلق عليهم أمال كبرى، فقبل الفوز على الأرجنتين، تردد أن جوًا عامًا من الإحباط والتشاؤم كان يسود في أوساط مشجعي المنتخب السعودي. ومع ذلك، حضر عدد كبير منهم المباراة في قطر وشكلوا إحدى أكبر قواعد المشجعين الأجانب في كأس العالم في قطر، وذلك بسبب قرب المسافة وبسبب الشعبية الواسعة للعبة كرة القدمبين سكان المملكة العربية السعودية البالغ عددهم 35 مليون نسمة.
علاوة على ذلك، لا يمكن ايعاز الأداء الصامت سابقا لفريق كرة القدم السعودي الى نقص التمويل، فالدوري السعودي يحتل المركز الثاني آسيويًا بعد الصين والأول خليجيًا من حيث القيمة السوقية التي تناهز 360 مليون دولار – وهي قيمة تتخطى بأشواط الدوري القطري (175 مليون دولار) والإماراتي (نحو 170 مليون دولار). وفي حين كانت كرة القدم في المملكة العربية السعودية تمثل استثمارًا كبيرًا، وأحد أهم الهويات الرياضية الوطنية الرئيسية، لم يحقق المنتخب الوطني تقدما كبيرافي منافسات كأس العالم. في المقابل، تأهلت السعودية ست مرات لكأس العالم منذ عام 1994، ولكنها نادرًا ما تخطت دور المجموعات. وحقق المنتخب السعودي أول وأفضل أداء خلال بطولة كأس العالم في عام 1994 التي استضافتها الولايات المتحدة، عندما تأهل لدور الـ 16.
مع بدء المباراة الأولى للمنتخب السعودي، كانت جميع الاحتمالات تسلم بأنه لدى الأرجنتين الكثير من الأسباب للفوز. أولًا، سجلت الأرجنتين سلسلة اللاهزيمة في 36 مباراة وأوشكت على التعادل مع إيطاليا التي أحرزت رقمًا قياسيًا بأطول سلسلة لا هزيمة في 37 مباراة متتالية. وناهيك عن تصنيف الأرجنتين من بين أبرز المنتخبات التي من المتوقع أن تفوز بكأس العالم، فهذه البطولة هي الأخيرة التي سيلعبها قائد المنتخب الأسطوري ليونيل ميسي.
لاحقا، صرح مدرب المنتخب السعودي لأحد المحاورين أنه ربما كان غياب الضغط غير المبرر بالتحديد هو الذي أشعل حماس المنتخب الوطني، وساعد في تأمين هذا الفوز الكبير ضد الفريق الأرجنتينيالمصنف عالميا كأعلى ثالث فريق في العالم. الآن، أصبح الفريق السعودي مبتهجا بردود الفعل الوطنية والتقدير الذي حظي به، حيث غرد اللاعب السعودي سالم الدوسري، الذي سجل هدف الفريق الثاني والفوز، صور لمحمد بن سلمان وهو يحتفل ويسجد كما يفعل اللاعبون المسلمون عندما يسجلون هدفًا لشكر الله.
ردود الفعل في السعودية وخارجها
أثرت لعبة كرة القدم بشكل كبير على الجمهور السعودي، ففي أماكن العمل في المملكة، سواء المستشفيات أو مكاتب الشركات أو المكاتب العامة، تمّ تركيب شاشات كبيرة لنقل مباريات كرة القدم ومشاهدة المباراة التي جمعت السعودية والأرجنتين عند الساعة الواحدة بعد الظهر. وفي نهاية المباراة، علت هتافات الفرح في المكاتب التي ملأها الرقص احتفالاً بالفوز. علاوة على ذلك، احتفل السعوديين في أنحاء البلاد كافة وربما العالم، وحتى أن بعض المعارضين السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي احتفلوا بفوز منتخب بلادهم.
كما عكست التغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي من جميع أنحاء العالم العربي تأثير هذا الفوز على نطاق أوسع، حيث ظهرت أصداء الاحتفالات ووصلت إلى اليمن ومصر وغزة والكويتوالسودان والعراق وسوريا. وكما قال أحد المشجعين من تونس، "إنه يوم يدعونا للفخر بهويتنا العربية"، مشيرًا إلى فوز السعودية والتعادل السلبي بين تونس والدنمارك. وفى هذا الصباح، لعب المغرب العربي ضد فريق كرواتيا وانتهت المباراة بالتعادل. كما شعر البعض في العالم الإسلامي الأوسع من لاجئي الروهينغا في بنغلادش وباكستان، وسائر العالم العربي بارتباطهم بالفوز السعودي. كما شعر بعض المشجعين المسلمين بالفخر بعد ان شاهدوا كلمة الشهادة التي يحملهاالعلم السعودي. وبالطبع، تذكرنا تلك الصور بالدور القوي الذي تلعبه الرياضة غالبًا في الحياة العامة.
على المستوى السياسي، أصبحت العلاقات ما بين دول مجلس التعاون الخليجي خلال بطولة كاس العالم محل اهتمام، فبعد إعلان "العلا" الذي صدر في كانون الأول /يناير 2021، والذي أنهى الخلاف الذي دام أربعة سنوات بين دول مجلس التعاون الخليجي، تحسنت العلاقات السعودية- القطرية، وقدم الجانبان عروضًا صريحة لدعم الفريقين من كلا البلدين. كما حضر ولى العهد محمد بن سلمان حفل افتتاح المونديال وحمله شعار المنتخب القطري على الاكتاف. في المقابل، شوهد الأمير تميم وهو يلوح بالعلم السعودي قبل مباراة السعودية والأرجنتين. وعلى الرغم من أن تلك الايماءات رمزية بطبيعتها وليست جوهرية، إلا أنها توفر رؤية لتحسين العلاقات بين البلدين خلال هذا الحدث العام والمهم.
تتأكد أيضا أهمية الرياضة ودورها المتشابك مع الهوية الوطنية من خلال التناقض الصارخ بين لاعبي المنتخب الإيراني الذين رفضوا أداء النشيد الوطني وقدموا أداء سيئًا أمام انكلترا ، وبين وأداء المنتخب السعودي الرائع وبهجته بعد الفوز، وهو ما يعكس الفرق في الأوضاع الداخلية الكبيرة في كلا البلدين ، حيث "خرج الإيرانيون إلى شوارع طهران... للاستهزاء" بهزيمة منتخبهم الوطن. كما تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية الاحتجاج السياسي الواضح للفريق الإيراني، وعوضا عن ذلك، ألقت باللوم في خسارتهم على إصابة أحد اللاعبين الكبار.
وهناك نقطة أخرى تتمثل في طريقة تأثير الفوز على الاتهامات التي طالت السعودية "بالتلميع الرياضي" بسبب استثماراتها في قطاع الرياضة. ففي حين لا يشكل الفوز في مباراة واحدة في كأس العالم تغييرًا مهمًا في أداء اللاعبين السعوديين، تشير حتمًا الاحتفالات الشعبية والشغف والقدرة على التغلب على أحد أقوى الفرق المنافسة على كأس العالم إلى أن المملكة لديها محفزات أكثر وضوحًا وقوة للاستثمار في الرياضة تتخطى المكاسب السياسية.
التطلع للمستقبل
استمر الجمهور السعودي في اعلان بهجته بالفوز، وبعد فوز المنتخب السعودي، أعلن الملك سلمان يوم الأربعاء عطلة وطنية للاحتفال بهذا النصر المبهر. وتمّ تأجيل الامتحانات في المدارس ومن المتوقع أن يقضي الموظفون كافة في القطاعين العام والخاص طيلة اليوم وهم يحتفلون على كورنيش جدة والدمام وشوارع الرياض والمدن الجبلية في المناطق الجنوبية وسائر أرجاء المملكة. كما تفاعل المشجعين السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي مع عبارات الدعم التي وجهت للاعب السعودي ياسر الشهراني، الذي تعرض لإصابة خطيرة لم يتم الكشف عنها سابقًا خلال المباراة وهو الآن يتعافى في المستشفى.
من المبكر جدًا أن نعلم ما إذا كانت السعودية ستتأهل للدور 16، ولكن تعادل المكسيك وبولندا، الفريقان الآخران ضمن مجموعة السعودية، قد يصب في مصلحتها من دون شك. وعمومًا، إن تمكن المنتخب من الاستفادة من الفوز الذي حققه مؤخرًا، فقد يقدّم أفضل أداء له منذ الإنجاز الذي كانت أحرزته السعودية في كأس العالم منذ ثلاثين عاما. وأنا شخصيًا، بصفتي من مشجعي المنتخب السعودي، آمل أن يحقق المزيد من الانتصارات، لكن الأهم بالنسبة إلى أن يقدم أداء جيدًا لشعبه بغض النظر عن النتيجة.
في النهاية، وفي حين أن تجربة المباراة التي خاضتها السعودية كان لها أصداء تخطت أبعد من ملعب كرة القدم، فإن الفوز الفعلي للفريق السعودي يعود إلى أسلوب اللاعبين والتدريب الجيد. وقد أظهر هيرفي رينارد مدرب المنتخب السعودي قدرته على توجيه اللاعبين وأعدهم ذهنيًا وجسديًا وقادهم نحو تحقيق هذا الفوز التاريخي. وكما قال أحد المتفرجين السعوديين نقلًا عن معلق بريطاني: "لم تفز السعودية لأن أداء الأرجنتين كان سيئًا، بل بفضل أداء الفريق السعودي الرائع".