- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
في مهب الريح: سكان القدس الشرقيون يوازنون بين الفوائد الإسرائيلية والمواءمة الفلسطينية في أحدث استطلاع للرأي
يؤكّد أحد استطلاعات الرأي أجري في تشرين الأول/ أكتوبر وشمل سكان القدس الشرقية تغييرًا حادًا في الرأي في العامين الماضيين نحو معارضة الاندماج في إسرائيل. وقد ظهرت هذه النتيجة المفاجئة للمرة الأولى في استطلاع أجريناه في أيار/ مايو 2017، وما زال التوجه العام يتقدّم نحو القومية الفلسطينية.
وفي تناقض صارخ مع استطلاعات الرأي السابقة التي أجريت من مدة غير بعيدة في عام 2015، تفضّل الأكثرية الساحقة من سكان القدس الشرقية اليوم أن يصبحوا مواطنين فلسطينيين ولو توافر لهم خيار أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين. فقد أشار معظم المستطلعين في القدس الشرقية عام 2015 بنسبة 52% أنهم يفضلون أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين على أن يصبحوا مواطنين فلسطينيين – حتى ولو أمّن البلدين حقوق متساوية لجميع المواطنين – في حين قال 42% من المستطلعين أنهم يفضلون أن يكونوا مواطنين فلسطينيين. وفي عام 2017، بدّل المستطلعين في القدس الشرقية رأيهم المعلَن تبديلًا جذريًا، إذ أفاد 77% أنهم يفضلون أن يكونوا مواطنين فلسطينيين. وتؤكّد الإجابات على السؤال نفسه في عام 2018 نتائج عام 2017، إذ يمتد هذا التوجه اليوم على أكثرية ساحقة من سكان القدس الشرقية تصل إلى 95%، في زيادة ملحوظة بنسبة 51 في المئة منذ عام 2015.
وقد انعكس هذا الابتعاد الجذري عن تفضيل الجنسية الإسرائيلية وحسناتها في مجالاتٍ أخرى أيضًا. فلدى سؤالهم عمّا إذا كانوا يفضّلون العيش في المنزل الجميل نفسه في فلسطين أو إسرائيل، قال 95% من المستطلعين أنهم على الأرجح سيختارون المنزل المتواجد في فلسطين. وبناءً على توقيت هذا التغيير ووفقًا لآراء الخبراء والقادة السياسيين ومع مجموعة تمثيلية من السكان من الجانبين، يظهر أنّ العامل الأساسي وراء هذا الابتعاد الأخير عن إسرائيل لدى الفلسطينيين في القدس الشرقية هو البغض المتزايد للإجراءات الانتقامية التي اتخذتها إسرائيل ردًا على "انتفاضة السكاكين" التي اندلعت في عامَي 2015 و2016 في القدس.
وقد تشير هذه البيانات أيضًا إلى نوع من الاستقطاب الأوسع أو المشاعر المتشددة ضد الإسرائيليين لدى المستطلعين، إذ قال 82% أنهم لن يقبلوا بأي نسبة من اليهود مهما كانت صغيرةً في دولة فلسطينية مستقلة. وأعرب حوالى نصف المستطلعين (44%) عن معارضتهم على الأقل نوعًا ما لفكرة تعزيز العلاقات الشخصية أو الحوار مع الإسرائيليين كوسيلة لتشجيعهم نحو عملية السلام. وقد أعرب عدد أكبر من المستطلعين عن معارضتهم الفكرة، بأكثرية وصلت إلى 60%.
ويبرز انعدام الثقة بالإسرائيليين الظاهر هذا أيضًا في الإجابات على أسئلة أخرى في الاستطلاع. فلدى سؤالهم أي من الخيارات الخمسة ستكون الأكثر فعاليةً لتقنع إسرائيل الفلسطينيين بأنها ترغب في إحقاق سلام طويل الأمد، قال 27% من المستطلعين في القدس الشرقية أنه على إسرائيل أن توقف بناء المستوطنات ما بعد الجدار، وهو الخيار الأكثر تفضيلاً. أما الخيار الثاني، فقد حاز على نسبة 23% من الإجابات، فهو أن سكان القدس الشرقية يريدون من الإسرائيليين إيقاف " العنف والاعتداءات التي يمارسها المستوطنون".
ولدى مقارنة هذه النتائج مع تلك الخاصة بعام 2017، يتّضح أن عمليات الاستيطان قد أثرت على رأء سكان القدس الشرقية بإسرائيل في العام الأخير. ففي ذلك العام، لم يقُل سوى 17% من المستطلعين أنّ وقف أعمال البناء في المستوطنات أو العنف الذي يمارسه المستوطنون هو ما يبرهن فعلًا جدية إسرائيل إزاء عملية السلام، في حين قال 17% من المستطلعين الشيء نفسه فيما يتعلق بوقف العنف من قبل المستوطنين.
وعلى الرغم من ازدياد المخاوف حول عمليات الاستيطان، لا يزال سكان القدس الشرقية متفائلين جدًا ببناء دولة فلسطينية مستقلة. فلدى سؤالهم عن النتيجة النهائية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أجاب 50% من المستطلعين بأنه من المرجح أن يسيطر الفلسطينيون على كل فلسطين تقريبًا "لأن الله معهم"، في زيادةٍ بنسبة 6% عن العام السابق.
بالإضافة إلى ذلك، لا يعتبر عدد كبير من سكان القدس الشرقية أن التسوية مع الإسرائيليين أمرٌ مستحيل، على الرغم من مخاوفهم المتزايدة إزاء عمليات الاستيطان. ففي كلا السنتين، قالت النسبة نفسها من سكان القدس الشرقية وهي 23% أنّ النتيجة الأكثر ترجيحًا للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هي التوصل إلى تسوية مع إسرائيل يتعايش فيها سكان البلدين "مع بعضهم البعض"، وهو الخيار الثاني الأكثر تفضيلاً بشكل عام. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن بيانات عام 2018 تُظهر ارتفاعًا حادًا في نسبة سكان القدس الشرقية المستعدين لفتح صفحة جديدة مع إسرائيل في حال تحقيق السلام، إذ قال 73% منهم أنه على السلام أن يطلق فصلًا جديدًا في التاريخ الفلسطيني بدلًا من المقاومة المستمرة، في زيادةٍ ملحوظة بنسبة 50% على عدد المستطلعين الذين شاركوا هذا الرأي في عام 2017.
علاوةً على ذلك، أشار 60% من المستطلعين في القدس الشرقية أنهم يوافقون نوعًا ما على فكرة "دولتين لشعبين". وقد تواءم هذا الرقم مع أغلبية قريبة تبلغ 59% من المستطلعين الذين قالوا إنهم يقبلون ربما أو حتمًا بتسوية "دولتين لشعبين" إذا كان المرجح أن يحقق هذا الاتفاق السلام. ويفصل هذا الاستعداد للتسوية بين البيانات المجموعة في القدس الشرقية عن تلك المجموعة في الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد أعرب هؤلاء المستطلعين عن نسبة 28% و45% من الدعم لتسوية مماثلة على التوالي. وفي حين يبدو أن سكان القدس الشرقية أكثر انفتاحًا على التسوية في الوقت الحالي، تجدر الإشارة إلى أن نسبة الدعم لمبدأ "الدولتين لشعبين" قد تراجعت في صفوف سكان القدس الشرقية من نسبة 70% تم تسجيلها عام 2015.
ولدى سؤالهم عن رأيهم بحركة "حماس" كطرف فاعل سياسي وعسكري، كان المستطلعين في القدس الشرقية أقل دعمًا لحركة "حماس" بشكل عام بالمقارنة مع نظرائهم في الضفة الغربية. وسجّل المستطلعون في القدس الشرقية أكثريةً بنسبة 55% من المعارضة النسبية أو الشديدة للاحتجاجات الأسبوعية التي تنظمها حركة "حماس" على الحدود والتي تتسبب بإصابة ومقتل عدد من الفلسطينيين. إلّا أنّ نسبة 48% فحسب من المستطلعين في الضفة الغربية شاركتهم هذا الرأي. وتجدر الإشارة إلى أنّ أكثرية المستطلعين (62%) في قطاع غزة، و(47%) في الضفة الغربية شاركتهم نفس الرأي. وعلى الرغم من إدانة هذه الاحتجاجات، أعرب معظم سكان القدس الشرقية (52%) عن دعمهم لأن تعمد حركة "حماس" إلى "الاحتفاظ بفصائلها المسلحة في الوقت الراهن بصرف النظر عما سيحدث"، بيد أنّ هذا الدعم للمليشيات قد انخفض بعد أن سجّل نسبة 70% في عام 2017.
لقد أعرب سكان القدس الشرقية بشكل عام عن آراء أكثر تشددًا وقتاليةً حول وقف إطلاق النار بالمقارنة مع المستطلعين في المناطق الأخرى. فقد عارضت أغلبية بنسبة 55% من المستطلعين في القدس الشرقية احترام حركة "حماس" لوقف إطلاق النار في الضفة الغربية وغزة، في انخفاض كبير بـ34 نقطة لهذا الدعم مقارنةً مع أرقام عام 2017. بالإضافة إلى ذلك، دعمت أكثرية المستطلعين في الضفة الغربية وقطاع غزة وقف إطلاق النار في عامَي 2017 و2018، في حين أعرب المستطلعين في القدس الشرقية عن معارضتهم لوقف النار هذا في كلا العامين.
أخيرًا، قال 40% من المستطلعين في القدس الشرقية أنهم لن يدعموا استئناف مفاوضات السلام إلا قدّمت إسرائيل "بعض التنازلات الحقيقية" أولًا. ولا يختلف هذا الرأي كثيرًا بالضرورة عن الآراء في الضفة الغربية وغزة، حيث أعرب 52% و50% من المستطلعين عن الرأي نفسه. بالإضافة إلى ذلك، قال 32% من المستطلعين في القدس الشرقية أنهم سيعارضون استئناف مفاوضات السلام مهما كانت الظروف. ويعكس هذا الواقع بشكل عام التوجه الأكبر نحو التشدد السياسي الواضح في الإجابات الأخرى التي شملها الاستطلاع، ما يشير إلى نسبة متزايدة من عدم الرضى عن الحوكمة الإسرائيلية وتدهور عملية السلام.
لكن على الرغم من هذه المخاوف، يظهر تفاؤلٌ لدى الفلسطينيين في القدس الشرقية إزاء كل من مستقبل دولة فلسطينية ومستقبل العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية في حال نجاح اتفاقية السلام في نهاية المطاف. وإلى حين تحقيق ذلك، كانت أولى أولويات المستطلعين "استعادة جميع أراضي فلسطين التاريخية للفلسطينيين، من النهر إلى البحر". إلا أن هذه الأهداف طويلة الأمد تتناقض بشكل مباشر مع الوقائع قصيرة الأمد، فازدياد التشدد السياسي في القدس الشرقية وانقسام الشعب الفلسطيني بشكل عام والإحباط المنتشر إزاء المستوطنين الإسرائيليين كلها وقائع لا تتلاءم مع أي جهود لعملية السلام.