- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل نجح الملك محمد السادس في كبح الإسلاميين؟
إثر جولةٍ أفريقية طويلة، عمد الملك محمد السادس إلى نزع عبد الإله بنكيران من منصبه وتعيين سعد الدين العثماني مكانه رئيسًا مكلفًا للحكومة. فقد اتّضح للحزب الإسلامي مدى خطورة الوضع، فراجع موقفه السياسي وطلب من العثماني التحلّي بالليونة واختيار الحوار المفتوح.
لذلك، وبعد مرور أسبوعٍ على تعيين الملك المغربي للعثماني رئيسًا للحكومة، أعلن هذا الأخير للصحافة عن إجماع كلّ من "حزب العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار" و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية" و" حزب التقدم والاشتراكية" على تشكيل حكومة ائتلافية. ويبدو أنّ هذا الطبيب النفسي الهادئ والمتّزن قد نجح ولو مؤقتا تحت الضغط في ما فشل سلفه في تحقيقه فشلًا ذريعًا بسبب عناده على ما يبدو.
وعلى غرار معظم الأحزاب السياسية المغربية، تمّ إخضاع "حزب العدالة والتنمية". فقد رضي هؤلاء بما يستحيل قبوله، وهو أن يكونوا في الحكومة نفسها مع الاشتراكيين. إلّا أنّ ما يهمّ الحزب اليوم هو السلطة والمنافع المالية ذات الصلة نظرًا إلى أنّه تخلّى عن مبادئه ومعتقداته.
وتتألف صحيفة "آخر ساعة" التابعة "للمعارضة الليبرالية العلمانية" من ائتلافٍ من الليبراليين والإسلاميين والاشتراكيين والشيوعيين. أضف إلى ذلك أنّ الإسلاميين قد رمَوا مبادئهم في سلّة المهملات من أجل التمسّك بالسلطة في صحيفة "العلَم" التابعة "لحزب الاستقلال"، وهو حزبٌ قومي محافظ أُرغم على الانضمام لصفوف المعارضة.
وإنّ القبول بأمر حزبٍ صغير، وخصوصًا "التجمع الوطني للأحرار"، في الحكومة الجديدة يعكس المخاوف الأساسية لدى "حزب العدالة والتنمية"، ألا وهي الحصول على مقاعد وزارية. لكانت مؤسسةٌ سياسية تحترم مبادئها رفضت عرض الملك في حالةٍ مماثلة ورفضت الائتلاف المحضّر مسبقًا الذي سوف يشوّه صورتها وسمعتها من دون شكّ على المدى البعيد.
بالإضافة إلى ذلك، هذا الائتلاف ليس بقيادة الحزب الإسلامي الذي فاز في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016، بل يشاركه "التجمع الوطني للأحرار" هذه القيادة. إنّ الحكومة المغربية إذًا حكومةٌ برأسين، وهذا رفضٌ صارخٌ للإسلاميين من قبل الطبقة الحاكمة.
وبرز الإسلام السياسي مع ظهور الربيع العربي بشكلٍ أساسي. فقد دفع الشباب الحكّام الدكتاتوريين الكبار في السنّ خارج السلطة. إلّا أنّهم كانوا يفتقدون للتنظيم السياسي والانضباط، وهنا جاء الإسلاميون المنظمون إلى السلطة مستخدمين القوة أو عن طريق صندوق الاقتراع، لكنّهم فشلوا فشلًا ذريعًا.
والآن وقد مات الربيع العربي بشكلٍ رسمي مع إطلاق سراح حسني مبارك وسيف الإسلام القذافي ووصول الشعبوي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، لا مجال للراحة أمام الإسلاميين. وتشكّل سياسة عدم التسامح هذه السبب الذي دفع "حزب العدالة والتنمية"، على الرغم من انتصاره في الانتخابات العامة، إلى تقبيل الأيدي للبقاء في السلطة.
ويتألّف خمسة من الأحزاب الستّة التي تقود الائتلاف في الوقت الحالي من الأمازيغ أو البربر، وأربعة منها من منطقة سوس جنوب البلاد. وتُعرف هذه المجموعات بولائها القديم للطبقة الحاكمة ومعرفتها في ممارسات الأعمال، إذ تدير معظم المحالّ التجارية الشعبية في المملكة.
فهل سيخدم الأمازيغ/البربر في الحكومة شعبهم؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال سلبيةٌ للأسف، إذ يخاف الأمازيغ/البربر من فقدان موقعهم ونفوذهم ويعتبرون أنّ هذه المسألة من شأن الملك وحده ولا يرغبون في أن يكونوا في الجهة المعاكسة من الطبقة الحاكمة في هذا الصدد.
أمّا الحزب المعارض الآخر فهو "حزب الاستقلال"، وهو حزبٌ تقليدي من الطبقة البرجوازية في مدينة فاس. بيد أنّ هذه الطبقة البرجوازية قد اعتزلت السياسة منذ عقودٍ من الزمن من أجل مجالاتٍ أكثر ربحًا في قطاعَي المالية والأعمال ليصبح أفرادها اليوم الزعماء الحقيقيين للاقتصاد المغربي، ولن يجرؤ أحدٌ على الوقوف في طريقهم أو منافستهم على القيادة. فهم بشكلٍ من الأشكال السلطة الحقيقية خلف الكواليس وسيبقى هذا الوضع على حاله في السنوات الطويلة القادمة.
وفي طرقٍ كثيرة، سوف تكون حكومة الائتلاف التي يقودها الإسلاميون والمؤلفة من أحزابٍ تخضع لقيادة الأمازيغ/البربر حكومةً من ورق، ليس إلّا. إذ إنّها لن تتمتع سوى بسلطةٍ ضئيلة ونفوذٍ ضئيل وسيكون تأثيرها ضئيل على الساحة السياسية المغربية. وستكون حكومةً شكلية تعرَض على الواجهة الزجاجية. والمؤكد أنّ أعضاء هذه الحكومة سوف يتمتّعون بصلاحياتٍ كثيرة لكن من دون أي سلطة.
يتمتّع الملك محمد السادس بشعبيةٍ أكبر من شعبية أي ملكٍ في المغرب وحتى العالم، ويعود ذلك لديناميّته الهائلة ومهارته في الدبلوماسية والاقتصاد، فضلًا عن حكمته وتسامحه. ولن تؤدّي حكومة الائتلاف القادمة، بضعفها هذا، سوى دورًا ثانويًا في السياسة المغربية، وهذا كل ما يرغبون فيه في نهاية المطاف.