- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل سيصبح الحشد الشعبي في العراق ورقة للمساومة السياسة؟
تصاعدت حدة التوتر السياسي في العراق على أثر عدم الإتفاق على شكل الحكومة المقبلة، حيث تتنافس كتلتان سياسيتان رئيسيتان على السلطة، مع تزامن انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس في العراق في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
يطمح التيار الصدري في تشكيل حكومة أغلبية وطنية بتحالف مع بعض القيادات السنية والكردية، ويناكفه في مسعاه الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران بتعاون مع تحالف العزم السني والإتحاد الوطني الكردستاني.
وفى هذا السياق، يحاول الخصمين تكليل طموحاتهم السياسية بالنجاح بغض النظر عن الإثار الناتجة عن إستمرار الأزمة حيث تبادل الطرفين تهديدات وحملة من التشهير والتسقيط السياسي، تلاها حملة إغتيالات منظمة، والتي شهدت محافظة ميسان أوجها في شهر شباط/فبراير الماضي, مروراً بمحاولات لإستغلال قرارات المحكمة الإتحادية في هدم مساعي الطرفين السياسية.
لم تؤدي تلك المراحل إلى أي بادرة من شأنها إنهاء الصراع السياسي، وهو ما يبدو واضحاً في دخول الحشد الشعبي إلى واجهة الصراع بشكل أكثر من السابق، ما أجج رغبة السياسيين في حل هذا التنظيم العسكري.
دعوات حل الحشد الشعبي
في شهر تشرين الثاني /نوفمبر، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى حل الحشد الشعبي ونزع سلاحه بشكل يضمن تقييد عمله ضمن ما نصت عليه "فتوى" تأسيسه دعا لها المرجع الديني الشيعي علي السيستاني. وفي عام 2017، دعا الصدر إلى إعادة دمج قوات الحشد الشعبي في الجيش الوطني العراقي، لكن بيان تشرين الثاني/ نوفمبر ذهب إلى أبعد من ذلك - على الأرجح نتيجة للمكاسب السياسية التي حققها الصدر في انتخابات تشرين الأول / أكتوبر 2021.
ورغم أن للتيار الصدري وجود بارز ضمن صفوف الحشد الشعبي، ويتمثل وجوده بقوات سرايا السلامالمكونة من 3 ألوية عسكرية وأكثر من 100 ألف مقاتل، ولكن إدراكه لمدى الخطر الذي تشكله قوة باقي الفصائل أمام طموحه السياسي هو الدافع الرئيسي خلف مطالبته بحل الحشد.
ويعتقد الباحث السياسي محمد العزي أن طموح الصدر في كسب المزيد من التأييد الدولي ضمن مساعيه في تشكيل الحكومة، يساهم أيضاً في تعزيز معارضته للحشد الشعبي، وهو يحاول كسب هذا التأييد من خلال الإيحاء بتغيير سياسته الخارجية السابقة، وإستنكار العمليات العسكرية التي نفذتها بعض الفصائل المسلحة المنضوية في الحشد الشعبي ضد المصالح الأمريكية في العراق.
لم ينفرد الصدر وحده بالدعوة إلى حل الحشد الشعبي، فقد عبر السياسيون السنة عن هذا الأمر في أكثر من مناسبة، خاصة في ظل إعتقادهم بتورط بعض الفصائل في قضية المغيبين السنة الذين إختطفوا أثناء عمليات تحرير مناطقهم من الإرهاب، وضلوعهم في حرق وسرقة الممتلكات، إضافة إلى الإستهدافالمنظم الذي تقوده هذه الفصائل ضد الشخصيات السياسية السنية.
أحدث مثال على استهداف فصائل الحشد الشعبي للسنة حدث في شباط / فبراير عندما وجه المسؤول الأمني لكتائب حزب الله أبو علي العسكري تهديدا إلى رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، والذي دعا فيه إلى زيادة عدد قوات الحشد في غرب العراق من أجل إفشال مساعي الحلبوسي في تمرير "مرتزقة الكيان الصهيوني لمنصب رئاسة الجمهورية، في إشارة إلى مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد.
شكل هذا التهديد دليل على إرتباط بعض فصائل الحشد الشعبي بالسياسة الإيرانية، نظراً إلى أن الأخيرة قد إستهدفت عاصمة إقليم كردستان مطلع شهر أذار/مارس الجاري بـ12 صاروخاً باليستياً، بزعم إستهداف مركز إستراتيجي إسرائيلي، قبل أن يتبين أن الموقع المستهدف منزل يقطنه أحد رجال الأعمال في أربيل.
ولم يكن هذا الإستهداف هو الأول من نوعه، فقد سبقته عدة هجمات على محيط السفارة الأمريكية في أربيل ومطارها، ما يجعل الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود البرزاني أحد الراغبين بحل الحشد، بحسب المحلل السياسي الكردي عمر البرزنجي، وتعزز هذا الرغبة تاريخ حافل من المشاكل بين قوات البيشمركة الكردية وفصائل الحشد على أطراف الأقليم الجنوبية والغربية.
محاولات حل الحشد ولعبة السياسة
لا تتعلق محاولات حل الحشد بأخطائه الأنفة الذكر فحسب، بل يدخل ضمن لعبة المساومات السياسية الجارية بين الخصوم السياسيين، إذ يدرك كلا الطرفين مدى خطورة قوة الحشد، وهو ما يدفعهم إلى المراوحة فيما بينهم من أجل كسب المعركة السياسية.
ويذهب الساعين إلى حل الحشد في سبيل تحقيق رغبتهم إلى المطالبة بفك إرتباط الحشد من رئاسة الوزراء، والتي تتولى تمويله رغم عجزها عن السيطرة عليه، بسبب زيادة نفوذه على مدى السنوات الماضية، حتى بنى له وجود مستقل على غرار فيلق القدس الإيراني، وميليشيات فدائيو صدام سابقاً.
ومن ثم، يقف الإطار التنسيقي بالضد من هذه الرغبات، بحسب مصدر مقرب من العملية السياسية، الذي يبين أن سبب تمسك الإطار بالحشد الشعبي يندرج في جانبين.
الجانب الداخلي يتعلق بإدراك الإطار أن تخليهم عن الفصائل العسكرية سيكون بمثابة تنازل عن وجودهم السياسي وتعريتهم أمام الضغوط المفروضة عليهم، خاصة بعد خسارتهم الكثير من قوتهم الشعبية في الانتخابات السابقة.
ويقع الجانب الثاني ضمن التأثيرات الخارجية وهو الأبرز والمتمثل بتمسك إيران بهذه الفصائل نظراً إلى ما تشكله من عامل قوة يصب في صالح قوتها الإقليمية العسكرية والاقتصادية في المنطقة.
ومن ثم فإن قرار حل الحشد الشعبي لا يقع ضمن صلاحية قادة الإطار بقدر إرتباطه بموافقة إيران، ويعلل المصدر هذا الأمر، أن الفصائل المسلحة سببت الكثير من الإحراج الدولي للإطار التنسيقي، ولكنه غير قادر على رد الإعتبار بسبب إنسياقه خلف السياسة الإيرانية بشكل كلي، وبالتالي من المستبعد نجاح أي مفاوضات تتضمن بند حل الحشد في الوقت الحالي.
ونتيجة لذلك، هناك اعتقاد سائد هو أن الأزمة السياسية ستستمر وربما تتجاوز المجال السياسي وتنتقل إلى الشارع في ظل مخاوف من عودة إستهداف الشخصيات السياسة بوتيرة أعنف من سابقها.